خواطر من الكون المجاور الخاطرة 68 ..فلسفة تحريم لحم الخنزير

كثير من المقالات كتبت عن لحم الخنزير ، المسلمين ينظرون إليه وكأنه شيء شيطاني لذلك فكلمة خنزير وحدها تجعل بعض المسلمين يتعوذون بالله من الشيطان الرجيم ، أما بالنسبة لسكان الدول الغربية المسيحية ، فكلمة خنزير تدل بعض الشيء عن القذارة ولكن التغذية على لحومه تعتبر شيء طبيعي فهو بالنسبة لهم مصدر غذائي هام جدا لسهولة تربية الخنزير وقلة تكاليفه ، فسعر الكيلو الغرام من لحم الخنزير في أسواق تلك البلاد تعادل تقريبا نصف سعر لحم الخروف وهذا ما يجعله يأتي في المرتبة اﻷولى في قائمة اللحوم المستهلكة.

إذا بحثنا في اﻹنترنت سنجد مقالات عربية كثيرة تتكلم عن أسباب تحريم لحم الخنزير في اﻹسلام ولكن أيضا نجد مقالات كثيرة باللغات الغربية تتحدث عن لحم الخنزير وأهميته الغذائية وكأنه حيوان مثله مثل بقية الحيوانات كالبقر والغنم والدجاج واﻷسماك . ونجد أن كل طرف يقدم إثباتات تستطيع إقناع جميع أفراد مجتمعه سواء بتحريم أكل لحم الخنزير كما يحصل في الدول اﻹسلامية ، أو بتحليل أكله كما يحصل في الدول الغربية المسيحية ، لذلك رغم مرور أكثر من 3500 عام من ظهور الدين اليهودي ، الذي حرم بشكل قاطع على أكل لحم الخنزير ، نجد أن الدول الغربية لا تزال تعتمد في غذائها بشكل أول على لحوم الخنزير. للأسف معظم المقالات التي تتكلم عن موضوع لحم الخنزير في كلا الطرفين تعتمد على الرؤية المادية لذلك فجميع الإثباتات في كلا الطرفي تعتمد على مادية الموضوع ورغم أن العلماء المسلمون يحاولون أن يتكلمون عن بعض الصفات الروحية للخنزير كالقذارة والسلوك الجنسي ..... إلخ ،ولكن ومع ذلك فطريقة بحثهم في الموضوع يبقى في مجال الرؤية المادية فقط دون ذكر أية أشياء تتعلق بالرؤية الروحية وهذا ما جعل من هذه المواضيع أبحاث سطحية بعيدة عن منطق الفكر اﻹلهي... . من يريد البحث في تفاصيل هذه المقالات عن لحم الخنزير يمكنه العودة إلى النت والبحث هناك عن إثباتات رأي كل طرف ، ولكن هنا في صفحة عين الروح ، سنسلط الضوء على تلك المعاني الروحية لعناصر الموضوع التي لم يحاول أحد من كلا الطرفين أن يتكلم عنها حتى اﻵن ، فللأسف فإن إستخدام الرؤية المادية في معالجة هذا الموضوع جعلت من جميع المقالات المنشورة عنه من كلا الطرفين حتى اﻵن أن تكتب بروح هدفها ليس الوصول إلى الحقيقة ، ولكن إثارة العداوة والبغضاء بين الطرفين ، حيث نجد أن كل طرف يذكر إثباتاته فقط ليؤكد للطرف اﻷخر بأنه عل حق وأنه من شعب الله المختار وأن الطرف اﻷخر على خطأ وأنه من الضالين أو المغضوب عليهم. ورغم أن كلا الديانتين اﻹسلامية والمسيحية تعاليمها تعتمد على أسلوب ( وجادلهم بالتي هي أحسن. ..المحبة والسلام ) ولكن للأسف معظم المقالات الدينية في جميع اﻷطراف لا تستخدم هذا الأسلوب الراقي في المجادلة والبحث العلمي. فالله أنعم على اﻹنسان العقل وفن المجادلة ليس ﻹثبات صحة اﻵراء الشخصية ولكن بهدف الوصول إلى الحقيقة . ففي الحقيقة يكمن نور الله الذي يمكن بواسطته توحيد جميع شعوب العالم كما تقول اﻵية القرآنية ( يأيها الناس إنا جعلناكم من ذكر وإنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.... ) . فبدون إتحاد اﻷنثى مع الذكر لا يمكن إستمرار الحياة وكذلك بدون التعاون بين الشعوب لا يمكن إستمرار التطور للوصول إلى الكمال الروحي والجسدي. ولكن قبل أن نتحدث عن الرؤية الروحية لهذا الموضوع سنتكلم بشكل مختصر عن آراء كل طرف بمنظاره هو نحو هذا الموضوع. ليأخذ المسيحي فكرة عامة عن أسباب تحريم لحم الخنزير عند المسلمين ، وكذلك ليأخذ المسلم أيضا فكرة عامة عن أسباب عدم تحريم لحم الخنزير عند المسيحيين. في اﻹسلام تم تحريم لحم الخنزير بناء على عدة آيات قرآنية منها اﻵية 173 من سورة البقرة ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) وكذلك اﻵية 145 من سورة اﻷنعام ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن إضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ) وغيرها من اﻵيات الكريمة، ولكن في النصوص الشرعية لم يرد أي تعليل لهذا التحريم سوى قوله تعالى ( فإنه رجس ) ومعنى الرجس ( نجس،قذر، قبيح ،دنيء) . ومع مرور السنوات وتقدم العلوم الطبية راح علماء المسلمين يفسرون علاقة الخنزير مع اﻷمراض والصحة العامة للإنسان ، فكما تذكر جميع مقالات المنشورة من قبل علماء المسلمين عن أسباب تحريم لحم الخنزير ، بأن جسم الخنزير يعتبر مستودع ﻷكثر من 450 مرض وبائي ، حيث يقوم بدور وسيط لنقل 57 مرض إلى اﻹنسان ، منها مثلا الدودة الشريطية ، ومرض التريشينويز الذي يؤثر على على الجهاز العصبي في اﻹنسان ، وغيرها من اﻷمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية ،حيث بعضها تكون مميتة إذا لم تعالج في وقت مبكر. وعدا عن اﻷمراض التي يمكن أن ينقلها الخنزير إلى اﻹنسان فلحمه له صفات خاصة تختلف عن بقية اللحوم ، فهو مثلا يتأثر بالجراثيم أسرع من غيره من اللحوم ،لذلك فهو أسرع من غيره بالتعفن. وأيضا بنية لحم الخنزير تختلف عن بقية اللحوم سنذكر بعضها ، فمثلا من حيث توضع الخلايا الدهنية ، فالخلايا الدهنية تكون منتشرة بشكل كامل بين الخلايا اللحم اﻷحمر حيث يصل نسبتها إلى 50% ، وهذا ما يعطي لحم الخنزير اللون اﻷحمر الكاشف، لذلك في لحم الخنزير لا يمكن فصل الدهن عن اللحم ، بينما في اﻷبقار نجد أن لون اللحم البقري أحمر غامق حيث نسبة الخلايا الدهنية فيه لا تتجاوز 6% أما في اﻷغنام فنسبتها 17% ، ففي لحوم هذه الحيوانات الخلايا الدهنية تتجمع مع بعضها البعض لتكون كتل دهنية في مناطق خارج اللحم اﻷحمر لذلك يمكن فصل الدهن عن اللحم فيها بسهولة. وعدا عن هذا فدهون الخنزير تختلف عن دهون بقية الحيوانات حيث نسبة الكوليسترول في لحم الخنزير تعادل 15 ضعف كميته في اللحم البقري ، وهذه المادة عندما تزيد نسبتها في دم اﻹنسان تسبب تصلب الشرايين وإرتفاع الضغط والذبحة القلبية.وكذلك فإن لحم الخنزير يحتوي أيضا على هرمونات النمو والهرمونات المنمية للغدد التناسلية وهذه تسبب إصابة اﻹنسان ببعض اﻷنواع من مرض السرطان . عدا عن خطورة لحم الخنزير بالنسبة لصحة اﻹنسان ، هناك أيضا مشكلة في طبيعة سلوكه فهو حيوان نهم آكل كل شيء فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات والفئران والجيف حتى جيف أقرانه ، وهو شرس الطباع شبق شديد الجماع ،ولا يخصص لنفسه أنثى معينة ، لذلك يعتبره العلماء المسلمين فاقد الغيرة وحسب رأيهم بأن هذه الصفة تنتقل إلى أفراد سكان المناطق التي تربي الخنازير. فتزيد اﻹباحة الجنسية فيهم. لهذه الأسباب -حسب رأي المسلمين - حرم الله عليهم أكل لحم الخنزير. اﻵن لنذكر رأي سكان البلدان التي تتغذى على لحوم الخنزير ، فمن يعيش معهم لفترات طويلة ويسمع رأي اﻷطباء أو المثقفين دينيا وعلميا ، سنجدهم بأنهم يوافقون على كل ما ذكرناه في اﻷسطر السابقة عن مساوئ الخنزير ولكن ومع ذلك فهم يأكلون لحم الخنزير ولا يجدون أي مبرر لتحريمه ، فحسب رأيهم فقد يكون لحم الخنزير حامل للأمراض ولكن جميع الحيوانات اﻷخرى هي أيضا حاملة للأمراض وقد تكون بنسبة أقل تقريبا من الخنزير ولكن هذا لا يبرر تحريم لحم الخنزير ، فلحم البقر ينقل أيضا أمراض عديدة وخطيرة إلى اﻹنسان، ومن ينظر في الإحصائيات السنوية ﻷكثر اﻷمراض إنتشارا في الولايات المتحدة اﻷمريكية والدول اﻷوربية سيجد أن ألأمراض التي أصيب بها سكان هذه الدول معظمها إنتقلت إلى اﻹنسان من اﻷبقار واﻷغنام والدواجن ، كبكتيريا القلونية الخطرة EHEC group التي تنتقل من خلال لحم وحليب اﻷبقار أو من خلال الخضروات والفواكه الملوثة بسماد براز اﻷبقار الملوثة بهذا المرض. وكذلك أيضا جراثيم السالمونيلا والتي تسبب مرض حمى التيفوئيد وهي اﻷكثر خطورة ، وكذلك مرض الليستيريا الذي ينتقل من خلال الجبن واﻷلبان واللحوم ، ولعل أخطر تلك اﻷمراض هو مرض البقرة المجنونة ( كروتزفيلد جاكوب ) حيث اﻹصابة به تؤدي إلى تخريب خلايا الدماغ وتحويله إلى ما يشبه اﻹسفنج فيموت المريض خلال عام واحد وحتى اﻵن لا يوجد له أي علاج ، وقد نشر هذا المرض الذعر في البلدان اﻷوربية والولايات اﻷمريكية في التسعينات ، فكانت النتيجة أن سكان هذه البلاد لفترة طويلة توقفت عن إستهلاك لحم اﻷبقار وإستخدمت في غذائها بدلا منه اللحوم اﻷخرى وخاصة لحم الخنزير . بشكل عام لحم الخنزير في تلك البلاد يأتي في المرتبة اﻷولى في قائمة اللحوم المستهلكة وذلك بسبب قلة تكاليفه فأنثى الخنزير تلد في المرة الواحدة حوالي 10 خنازير صغيرة ،ونموها سريع جدا ﻷنها تأكل كل شيء وتهضم كل شيء، وهذا ما يجعل لحومها رخيصة جدا بمقارنتها مع لحوم اﻷغنام واﻷبقار ، وحسب آراء المنظمات الغذائية في تلك البلاد فإن لحم الخنزير يحتوي على عناصر غذائية هامة كالبروتينات والفيتامينات واﻷحماض اﻷمينية والمعادن ، وبسبب وجود تداخل الخلايا الدهنية مع الخلايا اللحمية في لحم الخنزير يعطيه نوع من الطراوة أثناء المضغ وهذا ما يجعله مرغوب به أكثر من لحوم اﻷبقار واﻷغنام في تلك البلاد، وخاصة في البلاد الباردة حيث لحم الخنزير هناك يعتبر غني بالطاقة حيث يتم حرقها لتعويض الحريرات المستهلكة في المحافظة على حرارة الجسم . أما بالنسبة لكون الخنزير بأنه يأكل القمامات والفضلات والنجاسات. .. فجواب سكان هذه البلاد على هذه الصفة هي أن الدواجن أيضا تأكل كل شيء تماما كما يفعل الخنزير ، فلماذا حرم لحم الخنزير ولم يحرم لحم الدواجن. أما بالنسبة لسلوك الخنزير الجنسي ، فمعظم أنواع الحيوانات تتزاوج أمام أعين البشر دون أي حياء، فإذا كانت طريقة التزاوج والجماع العشوائي بين الذكور واﻹناث في الخنازير يؤدي إلى فقدان الشعور بالغيرة في سكان التي تربي الخنازير وأنه سببا لإنتشار اﻹباحة الجنسية ، فهذا يعني أن وجود علاقة اللواط في الخرفان سيؤدي إلى تنمية علاقة اللواط في السكان التي تربي الخرفان ، إذا لماذا لم يحرم لحم الخروف على المسلمين فكما هو معروف علاقة اللواط في اﻷديان أبشع من علاقة الزنى التي تحصل بين إمرأة ورجل. هناك شيء آخر يجعل سكان تلك البلاد يستهلكوا لحم الخنزير وهي أن ديانتهم سمحت لهم بأكل لحم الخنزير ،فالديانة المسيحية لا تحرم أي نوع من المأكولات أو المشروبات، فكما فكما تذكر اﻵيات 10-17 من اﻹصحاح 15 من إنجيل متى بما معناه ( ليس ما يدخل الفم ينجس اﻹنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس اﻹنسان ) ويقصد ما يخرج من فم اﻹنسان من كذب وخداع وشتيمة وفسق وتجديف. وكما هو مذكور في كتاب أعمال الرسل أيضا بأن بطرس وبولص سمحوا للمسيحيين بأكل لحم الخنزير. خلاصة القول جميع إثباتات علماء المسلمين لتحريم لحم الخنزير لن تقنع شعوب البلد الغربية ،فلهم آلاف السنين يأكلون لحومه وحياتهم تسير على شكلها المألوف ، ولعل أقوى اﻷدلة التي يستخدمونها ﻹثبات صحة رأيهم في أكل لحم الخنزير ، هو أن متوسط عمر اﻹنسان في تلك الدول أكبر على اﻷقل ب10 سنوات من متوسط عمر اﻹنسان في الدول اﻹسلامية، فعلى سبيل المثال حسب اﻹحصائيات اﻷخيرة إن متوسط عمر اﻹنسان في سويسرا يعادل 82 سنة ، أما في السعودية والتي تعتبر دولة غنية ولديها مستشفيات حديثة فمتوسط عمر اﻹنسان السعودي يعادل فقط 73سنة. أما بالنسبة للدودة الشريطية التي يذكرها المسلمين في أول إثباتاتهم في تحريم لحم الخنزير ، فهذه الدودة تموت بسهولة بطهي لحم الخنزير على درجة حرارة أعلى من 66 مئوية ، وكذلك تموت أيضا عند تجميد اللحم الملوث لمدة على اﻷقل 12 ساعة ، وكما هو معروف في أسواق اللحوم فمعظم اللحوم التي تباع هناك تأتي مجمدة ﻷكثر من عدة أيام. بالنسبة لي كباحث يحاول الوصول إلى الحقيقة ، فأنا كمسلم ورغم وجودي في بلاد مسيحية ولا أتناول لحم الخنزير ولكن لا أتدخل في إقناع اﻷمم اﻷخرى في تحريم لحم أكل الخنزير ، ولكن بدلا من ذلك أعرض ما يحدث في الواقع كعلامات إلهية يجب البحث فيها لنصل إلى مضمون اﻷشياء فهناك فقط تكمن الحكمة اﻹلهية في خلق اﻷشياء واﻷحداث ، إذا نظرنا إلى موقع البلدان اﻹسلامية على الخريطة ، سنجد أن الشعوب اﻹسلامية بشكل عام تقع في المناطق الدافئة والحارة ، حيث في هذه المناطق يعتبر أكل لحم الخنزير مضرا جدا ﻷن درجات الحرارة العالية تجعل من إرتفاع نسبة الدهون فيه خطرة على صحة سكان هذه المناطق ، لذلك نجد أن مرض السمنة وأمراض القلب منتشرة بنسبة كبيرة في سكان الدول الأوربية الجنوبية ذات الطقس المعتدل كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وذلك بسبب استهلاكهم للحم الخنزير ، في حين ان سكان المناطق الشمالية في أوربا لا تعاني من هذه الامراض رغم أنها تأكل لحم الخنزير وذلك بسبب إنخفاض درجات حرارة الطقس، وكذلك نجد أن المناطق الحارة التي تأكل لحم الخنزير فإن متوسط عمر اﻹنسان فيها منخفض جدا فمثلا زامبيا التي معظم سكانها يعتنقون الدين المسيحي ، نجد أن متوسط عمر اﻹنسان هناك لا يتجاوز 42 سنة أي أقل ب 40 عام من متوسط عمر سكان أوربا الشمالية ، لذلك نجد أن الكنيسة اﻹثيوبية المسيحية تحرم أكل لحم الخنزير على مسيحيين بلادها وهذا ما يجعل متوسط عمر اﻹنسان فيها أكبر بأكثر من عشر سنوات من سكان زامبيا رغم أن الظروف اﻹجتماعية واﻹقتصادية بين البلدين متشابهة . والسؤال هنا لماذا الشعوب اﻹسلامية التي تم تحريم لحم الخنزير فيها تقع في المناطق الدافئة والحارة من العالم، ولماذا الشعوب المسيحية التي يسمح لها دينها أكل لحم الخنزير تعيش في المناطق الشمالية الباردة ( ونقصد هنا البلدان التي إعتنقت المسيحية واﻹسلامية قبل عصر النهضة اﻷوربية) ، هل إنتشار الديانات بهذا الشكل المناسب لتعاليم كل ديانة مع طبيعة طقس البلاد هو صدفة أم حكمة إلهية لها معنى ؟ حسب مبدأ أبحاثي لا يوجد شيء يحدث بشكل عشوائي ولكن كل شيء له حكمة إلهية. من يبحث في تفسير اﻷمور من خلال الرؤية الشاملة سيستنتج أن الله عز وجل نفسه من منع اﻹسلام من الوصول إلى تلك بلاد في أوربا ، ﻷن هذه البلاد لها دور في تطوير العلوم المادية ، لذلك كان لحم الخنزير بالنسبة لسكان هذه البلاد مثله مثل بقية لحوم الحيوانات اﻷخرى ، فمن يعيش مع سكان هذه المناطق لفترة طويلة من الزمن ويبحث في سلوكهم وطبيعة تفكيرهم يعلم تماما بأن الموضوع ليس له علاقة بلحم الخنزير ، ولكن بأشياء أخرى ، أما عملية محاولة ربط تربية الخنزير باﻹباحة الجنسية المنتشرة في تلك البلدان فهو ربط خاطئ وليس له علاقة فهناك مناطق كثيرة في الدول اﻷسلامية تعاني من اﻹباحة الجنسية رغم أنها لا تأكل لحم الخنزير ، ومن يتمعن ويبحث في أﻷمور أكثر سيجد أن تحريم لحم الخنزير عند المسلمين وتحليله عند المسيحيين وبعص الديانات اﻷخرى ، هو حكمة إلهية تساهم في توجيه طريق البحث إلى زاوية أخرى تساعدنا على فهم التطور الروحي للكائنات الحية وبالتالي فهم طريقة ظهور اﻹنسان على سطح الكرة اﻷرضية. إذا تمعنا في سلوك الثديات سنجد أن جميع الثديات العاشبة ( حصان ،جمل ،غزال،....إلخ ) تسير على اﻷربع وكذلك جميع الثديات اللاحمة ( أسد، نمر ، ذئب، ضبع.....إلخ ) هي أيضا تسير على اﻷربع ، أما الثديات آكلة كل شيء لحم ونبات ( قرد، دب ،فأر. .. إلخ ) نجدها أن لها المقدرة في اﻹنتصاب والسير على أطرافها الخلفية . إن إرتباط نوعية اﻷكل مع طريقة سير الحيوان ليس صدفة ولكن يتبع قانون إلهي ينطبق على جميع الثديات ، ورغم وجود شذوذ بسيط في بعض أنواع الحيوانات ولكن هذا الشذوذ أيضا يتبع قانون يرتبط بشكل كامل مع القانون الذي ذكرناه. الخنزير هو الحيوان الوحيد الذي يشذ عن هذا القانون ، وشذوذه لا يرتبط بأي قانون آخر، فرغم أن الخنزير هو حيوان آكل كل شيء كالقردة والدببة والقوارض ولكن نجده لا يستطيع ليس فقط اﻹنتصاب على أطرافه الخلفية ولكن أيضا لا يستطيع رفع رأسه ليرى السماء. وهذا ما يجعل روحه نجسة ﻷنه شذ بشكل كامل عن قوانين الخلق ، فهو تماما عكس اﻹنسان. فصفة آكل كل شيء كقانون في تطور سلوك الكائنات الحية يأخذ معنى روحي في سلوك اﻹنسان ومعناه الرؤية الشاملة والتي تعني إستخدام جميع المعارف من مختلف العلوم للحصول على معرفة شاملة لشيء أو الحدث كما تذكر اﻵية 67 من سورة يوسف ( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة. ... ) فكل باب هو علم ، وهي الطريقة الوحيدة التي بها يستطيع اﻹنسان الوصول إلى رؤية علاقة الإنسجام بين الشكل والمضمون وبالتالي إلى فهم حقيقة الشيء أو الحدث. لذلك يرمز لهذه المعرفة الشاملة بالنور اﻷبيض فالنور اﻷبيض ليس إلا إتحاد جميع ألوان قوس قزح مع بعضها البعض، لذلك إستطاع اﻹنسان مع مرور السنين إنشاء الحضارات واﻹنتصار على الجاذبية اﻷرضية ليخرج من الكرة اﻷرضية إلى الفضاء الفسيح . أما بالنسبة للخنزير فاﻷمر معاكس تماما فهو رغم أنه آكل كل شيء ولكن بطريقة مادية بحتة ، لذلك رمزه ألوان الرسم المادية حيث إتحاد ألوان الرسم اﻷساسية مع بعضها البعض يعطي اللون اﻷسود ، وهو رمز الموت والفناء.لذلك الخنزير لا يستطيع رفع رأسه رؤية السماء ﻷن نمو روحه يتجه نحو اﻷسفل وليس نحو اﻷعلى واﻷرقى كما هو عند اﻹنسان. الحكمة اﻹلهية وجهت إنتشار الدين المسيحي في بداية ظهوره إلى القارة اﻷوربية ، وسمي هذا الدين نسبة إلى اﻹسم (المسيح) وليس (عيسى ) ﻷن كلمة المسيح هي القسم المادي من شخصية عيسى عليه الصلاة والسلام ، وإسم ( عيسى ) هو القسم الروحي من شخصية المسيح، لذلك نجد الشعوب اﻷوربية قد ساهمت بشكل كبير في تطوير العلوم المادية كالطب والفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم ، بينما الشعوب الشرقية ومنها اﻹسلام فقد ساهمت في تطوير العلوم الروحية ،لذلك المسيحي الذي يعيش في أوربا لن يقتنع ولن تؤثر به مساوئ لحم وتربية الخنزير التي يذكرها العلماء المسلمون في مقالاتهم عن تحريم لحم الخنزير ﻷن الدور الذي أعطاه الله هو تطوير العلوم المادية التي تحتاجها اﻹنسانية، وعلى علماء المسلمين أن يعلموا ذلك وبدلا من أن يبحثوا في الكتب المقدسة المسيحية ﻹثبات تحريم لحم الخنزير فيها ،عليهم أن يذهبوا ويبحثوا في طبيعة روح الخنزير فهذا هو دورهم لذلك حرم الله عليهم لحم الخنزير ، فدراسة تطور الحياة تعتمد على دراسة التطور الروحي للكائنات الحية وليس دراسة التطور المادي كما حدث في نظرية داروين والتي قلبت موازين الطبيعة الروحية للإنسان رأسا على عقب فجعلته ينظر إلى نفسه وكأنه كائن حيواني مثله مثل بقية جميع الحيوانات. المنهج العلمي الحديث الذي يستخدمه العلماء اليوم بمختلف العلوم المادية والإنسانية يحمل في داخله مبدأ روح الخنزير ولكن الجميع لا يعلم ذلك. الدول اﻷوربية قامت بواجبها في تطوير العلوم المادية ووصلت اﻵن إلى مرحلة الافلاس ، وحان اﻵن دور الشعوب الشرقية لتنمي هذه العلوم بالمعلومات الروحية لتصل بها إلى اﻷرقى لتستطيع اﻹنسانية الخروج من هذا الطريق المسدود الذي وصلت إليه في عصرنا الحاضر وتتابع طريقها نحو الكمال الروحي والمادي......والله أعلم

وسوم: العدد 652