الفجر ...وعصافير الجنة

من أراد أن يتكلم عن الطفولة فليتكلم عن الفجر ، الطفولة جمال وإشراق الطفولة جدول حب يجري مزغرداً ليلتقي ببحر الرجال ، والفجر نور يزحف ليسلم ضياءه لنور الشمس حتى تهز بأشعتها سرير الكون .

- الطفولة والفجر توأمان كل منهما يهدي لمن حوله البسمة وسنابل الزمن المتواثبة بالعمل والحصاد المفرح . وجه الطفل مصنع للياسمين وخيمة للبراءة وحقل أعواد أغصانه سهام تنير المستقبل ... وجه الفجر يشرح الصدر ويحرك النفس باليقظة ، ويمد الإرادة بالعزيمة لتحقيق الأماني ..

- وجه الطفولة غابات من أشجار يتدلى منها ثمار الحياة المتجددة بالصلابة والإبصار ، ووجه الفجر بحر سعادة يعتلي سطحه مراكب العاملين الأخيار .

- شدتني صور عن الطفولة وشعرت أنها التصقت بي ، فالأطفال جزء من المجتمع ، أو هم غالبية المجتمع ، وهم المشاعل على طريق الأمل .

- وقفت مشدوها بين صور محزنة سجنت لساني وبين صور جميلة أسعدتني .

- عصافير أمام باب العمارة ينتظرون سيارة المدرسة حتى تأخذهم إلى حضن السعادة ، يتكلمون فيما بينهم ، يتدافعون بأجسادهم الغضة ، يتهامسون بأسماء أكلاتهم التي يحملونها ، يطأون أقدام بعضهم بعضاً ، وتأتي سيارة المدرسة فيركضون نحوها كما تقفز العصافير من شجرة إلى أخرى وتطير السيارة مسرعة لتجمع أطفال المدرسة من أمام منازلهم .

- يا إلهي .. ما سر هذا الكون العجيب ؟

- تسعى الصحافة والإذاعة والتلفزيون لتسجيل حوارات بين صانعي القرار وبين فئات المجتمع كثير من الحوارات فيها الكذب والنفاق والدجل ، والناس يتلذذون بكلام الأبالسة الأشرار ، لم أسمع أن أجهزة الإعلام ذهبت لتسجل حوارات بين الأطفال ( عصافير الجنة ) وهم يلعبون ويتسامرون في ساحة المدرسة .. ضحك الأطفال يقدح السعادة في القلوب ، وصخبهم موسيقى يشبه حركة أغصان الأشجار حين يداعبها نسيم الربيع ، أحاديثهم تفوح بالصفاء والبراءة والمودة وحب الخير .

- هزت مخيلتي عواصف الأيام ، هجمت عليَّ كالأعاصير التي تقلع الأشجار وتهدم البيوت وتجعل السفن أشلاء بين عضلات الأمواج ، استعذت بالله من الشيطان الرجيم ،وتسمرت عيناي أمام فتى أكل الجوع لحمه وأظهر عظام صدره وقد حمّر الموت عينيه ، وهناك فتاة ناحلة الرجلين ، تجر قدميها تبحث عن أهلها ، يسعفها لسانها بالرحمة عليهم ، اقترب خيالي من طفل بائس ثيابه مرآة من الأيام المحزنة ، بيده قطعة خبز جافة ، يقضمها بفم جائع ، وهناك فتاة كغصن الورد مشى الفقر في عينيها وحفر البؤس مقعداً على وجنتيها مزق الزمن حذاءها تتسول أمام المسجد مطرقة رأسها تأكل أسنانُها شفاهها خجلاً .. تتوارى خلف عباءة أمها الأرملة ، والأرملة المسكينة ، تنادي قلوب المحسنين أولادي .. أيتام .

- وقفت الإنسانية على طرف خيمة الأحزان تبكي وقد توشحت بالسواد، لبّدت الآلام لسانها ، وكومته بلا حراك نفر الدم من عينيها وهي ترى طفلاً رضيعاً رمته الأقدار على عشب ملوث وقد حجب الهواء أنفاسه.

- اضطربت مخيلتي وتشابكت الألوان أمامها واعتلى اللون الرمادي ساحة الأيام وسقى الدم الأسود خلايا الذاكرة بصور النبال التي أدمت الأكباد وصور الفراشات التي مزقها الرعد، خاصمت الأزهار الرعد لأنه عدو الجمال ، كسح أغصان الأشجار وأسقط الثمار وجعل البساتين ملعباً للعناكب والغربان.

- صحوت من غفلتي وشعرت أن البؤس سرق نفسي وجعلني راعياً للرمال في صحراء الهموم ، تباً لك يا حزن ، جعلت كلماتي أحجاراً باكية ، عدت إليك يافجر الجمال ، يا فجر ...أنت موقد الحب والأحلام ، رفرفي على بلدي يا عصافير الجنة ، فأنت ... أنت ، أزهار الفجر .. وأقمار الحياة .

وسوم: العدد 652