حروب الشطرنج 8

د. حامد بن أحمد الرفاعي

من إشكالاتنا الكبرى المنتجة لظاهرة التناقض في فقه بعض المسلمين..التداخل المخل بين فقه حالتي السلم والحرب وما يلحق بهما من قيم ومبادئ..ومثل هذا التداخل يشكل مصدراً يغذي حالة الاضطراب بين فهوم بعض المسلمين بشأن التعامل مع تحديات الحياة ومستجداتها..قال لي أحد المفكرين:ماذا تقصد بالتداخل المخل بين فقه حالتي السلم والحرب ..؟قلت:كما تعلم فإن الإسلام شرع لكل من السلم والحرب قيماً ومبادئ وضوابط وآليات تحكمها وتنظم أداءها..والإسلام يقرر أن السلم أصل دائم في حكمه ونهجه ومقاصده لقوله تعالى:"وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ"وأن الحرب رخصة استثنائية مكروهة شُرّعت لرد العدوان والبغي لقوله تعالى:"وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا"وتنتهي الحرب بزوال مبرراتها لقوله تعالى:"فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"إلا أن بعض المسلمين يصرون على استمرارية الحرب اعتماداً على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الْجِهَادُ مَاضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"وذلك لفهمهم الخاطئ بأن الجهاد والقتال كلمتان مترادفتان..فحيثما يقال الجهاد يعني القتال..!والصحيح أن الجهاد هو جهاد كلمة وبيان وبلاغ لقوله تعالى:"وَجَاهِدْهُمْ بِهِ(أي القرآن) جِهَادًا كَبِيرًا"أما القتال فهو رخصة لقوله تعالى:"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا"والنصان القرآنيان الفيصلان بمسألة التداخل بين حالة السلم والحرب قوله تعالى في السلم:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ"وقوله تعالى في الحرب:"إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"فالسلم له أشراطه والحرب لها أشراطها..والتداخل المخل هو المناقلة المخلة للنصوص بين الحالتين..ورحم الله المتنبي إذ يقول:

وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى

                                            مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى

وسوم: العدد 671