الغزو الفكري!

الشيخ حسن عبد الحميد

clip_image002_05db3.jpg

انتهيت منذ لحظات من قراءة كتاب عظيم جدا جعلني أردد  :

كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي 

وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي  .

قال تعالى ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ٨٥ الإسراء  .

والمأخذ الشنيع على بعض الدعاة أنهم اكتفوا بما قرأوا ، وشبعوا مما تعلموا فصار عندهم اكتفاء ذاتي !

 بل وغرور فكري ؟ 

فالمثل العامي يقول : اطلب العلم من المهد إلى اللحد  . 

وكلنا يعلم أن أول آية نزلت من كتاب الله تقول ( اقرأ ) لكن تلفت نظرنا أن القراءة تكون ( باسم ربك ) 

من لم يعرف عدوه ! 

كيف سيحاربه ؟ 

أساليب الأعداء في محاربة الإسلام مدروسة جيدا ، تصوغها عقول ضخمة تسمى أحيانا باسم الاستشراق وأحيانا باسم التبشير ، وكلاهما يمهد للاستعمار !

في كليات الحقوق في إحدى الدول العربية ٢٠ محاضرة للقوانين الأوربية ومحاضرتين فقط للشريعة الإسلامية !

ومن الوسائل الخبيثة :

 القروض الربوية كما فعل الخديوي إسماعيل أغرق بلاده بالقروض حتى جاء اليوم الذي باع فيه حصة مصر من قناة السويس !

وكان المفروض أن يحقق ما طلب منه الاختلاط في المدارس ، وفتح الملاهي الليلية ونصب تماثيل للعظماء ! ففعل .

يحدثنا مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني رحمه الله عن مفاوضات جرت بين وزير خارجية بريطانيا واسمه كرزون وبين مندوب دولة إسلامية سنة ١٩٢١ والمطلوب : 

١/ أن تقطع صلتها بالإسلام ٢/ أن تلغي الخلافة ٣/أن تختار لنفسها دستورا مدنيا لا علاقة له بالشريعة !

وقد استجاب زعيم عربي مشهور ( العبد الخاسر ) فألغى المحاكم الشرعية واستبدلها بالمحاكم المختلطة ؟

ونهب الرجل أوقاف المسلمين لينشىء كلية طب الأزهر ليخرج أطباء مسلمين وأنا اعرف بعضهم بعد التخرج لا يصلون ولا يصومون رمضان ! 

ونسأل بحسرة لماذا لم يجعل هذا الزعيم كلية للشريعة في جامعة القاهرة لتخرج علماء رياضيات مؤمنين ؟

في سوريا هيىء كرسي وزارة المعارف للسيد ميشيل عفلق وسمي وزيرا للمعارف ! 

استغل الرجل منصبه فأرسل بعثات إلى فرنسا وبريطانيا لطلب العلم فعادوا بأجسام عربية وعقول غربية ، وفتحت المدارس في حلب باسم اللاييك والفرنسيكان والغرير في دمشق لتخريج بدائل للاستعمار إذا رحل ؟ 

نحن نحتفل بعيد الجلاء والمستعمر يضحك بعبه ! رحل وترك عملاء وغرس في عقولهم حب الغرب وماحوى ! 

طلب مني وزير من عائلة حلبية كبيرة ومشهورة أن أدرس أولاده في البيت ، استجبت طمعا بدراهم معدوات ، دخلت البيت استقبلتني الأم وهي في أبهى زينة وبثوب قصير جدا وأصباغ وألوان وشعر رتبه الكوافير الرجالي  !

المهم جاء الأولاد قلت لأحدهم درست اللغة العربية ، قال نعم ، قلت هات مثالا على الفاعل ، قال : جاء بطرس !

قلت للثاني هات مثالا على المفعول به قال : رأيت يوحنا ؟ 

انسحبت من هذا القليط الذي وقعت فيه ولم أعد ! 

وتفو على رغيف مجبول بالدنس والشهوات ؟

أعود للعنوان : 

الكتاب دراسة علمية وتاريخية عن الغزو الفكري وآثاره المدمرة على أمتنا الإسلامية ، والتي تدَرَّجَ عليها الأجيال الآن في صمت ورضا ، مع مصادمتها لمعالم ديننا العظيم 

متى دخل علينا هذا الوباء؟ 

وكيف استقر ثم استمر ؟ 

ولماذا تحولت العقول والأذواق والأفهام إلى النقائض والاضداد حتى أصبحنا في وضع بئيس غير مسبوق في تاريخنا ! 

كيف ماتت روح المقاومة بهذه التربية القاتلة !

الكتاب تشخيص للداء وتعرية جذور الوباء ، حتى يمكن لاجيالنا المعاصرة أن تتدارك حياتها بالعلاج الناجع ، والدواء النافع من هدي القرآن الكريم وطب الإسلام ، حتى تستأنف رسالتها في الحياة مرة أخرى على بصيرة ونور  .

قالوا اعرف عدوك ؟ 

ونحن لا نعرف عدونا ! ولا أساليبه فكيف سنحاربه أو نقتلعه !

صار تلاميذ عفلق يسرحون ويمرحون في المعارف ؟ 

طردوا أساتذة الدين من المدارس كي لا يفسدوا الجيل ، وجعلوا علامة الديانة في البكالوريا شكلية ولا علاقة لها بالمجموع ، لا تؤثر في نجاح أو رسوب ؟ فالدين لايهم الطالب وهو على أبواب الجامعة ! 

وأخيرا ألغوا كلمة ديانة واستبدلوها بكلمة أخلاق !

لأن كلمة ديانة تعني الإسلام ، أما كلمة الأخلاق فكلمة عامة مطاطة ؟

هل أخلاق الكفار ، أم أخلاق الملحدين ، أم أخلاق العرب ! 

المهم اقتلاع هذا الدين من عقول الناشئة ! 

وصار المحقق يسأل السجين المعتقل هل تحفظ سورة التوبة ؟

عيب دعاة الإسلام أنهم لا يقرأون ، واكتفوا بما قرأوه في كتب الدراسة !

ألححت على إخواننا الأحياء ممن اعتقلوا وعذبوا في تدمر وصيدنايا اكتبوا مذكرات عن السجن وأهواله فتكاسلوا ؟

إن إخواننا في مصر قدموا للمكتبة العربية ما لاقوه من أهوال !

اقرأ مذكرات واعظ أسير لأحمد الشرباصي العالم الازهري ، اقرا كتاب عندما غابت الشمس لعبد الحليم خفاجي ، اقرا : البوابة السوداء لأحمد رائف . اقرأ أهوال التعذيب في السجون المصرية 

بل أن مسيحيا أخذ في الاعتقال العشوائي ولاقى في سجن طرة أهوالا فأخرج كتابا اسمه ( أقسمت أن أروي )  

أخيرا 

آمل من دعاة الإسلام والقادة أن يطبعوا كتاب الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام ، تاليف الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ويضعوه في أيدي الشباب في بلاد المهجر والاغتراب ، اقرأوه يا أخوة مرتين واحفظوا مراجع الكتاب لعلماء كبار ربانيون أمثال الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في كتابه ( الحمد لله هذه تجربتي ) 

وتحية إلى قادة الصف الأول قائلا ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) التوبة ١٠٥

يارجال الدعوة ، ياشبابها وقادتها اقرأوا عن الغزو الفكري وسعوا قدراتكم فقد قرأت في صغري قصص كامل الكيلاني ومغامرات طرزان  .

وصيتي الأخيرة:

اقرأوا وابحثوا عن كل جديد ولا تكونوا ممن قيل فيهم ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم !

وليسقط كلام من قال : 

إنما الدنيا طعام وشراب ونكاح  فإذا ما نلت ذاك كنت من أهل الفلاح ؟

بل :

 وخير جليس في الأنام كتاب  .

والله أكبر والعزة للإسلام  .

وسوم: العدد 721