رأيت في المدينة المنورة!

د. عبد السميع الأنيس

خواطر مدنية

د. عبد السميع الأنيس

ورأيت في المدينة شيخنا العلامة المحدث المربي اﻷستاذ الشيخ محمد زهير الناصر،

وهو من أساتذتي اللذين انتفعت بعلمهم وسمتهم وصلاحهم قبل أكثر من خمس وثلاثين سنة، فقد درسني شرح الشيخ خالد اﻷزهري على متن اﻵجرومية في علم النحو

في الصف الثاني المتوسط، وكان ذلك في المعهد الشرعي، ويعرف بالمدرسة الشعبانية في مدينة حلب.

وهو قد حقق وأشرف وأصدر عددا من كتب الحديث النبوي الشريف، وكان مشرفا على الباحثين في المركز العلمي التابع للجامعة اﻹسلامية في المدينة المنورة.

 ذهبت لزيارته مع أخي فضيلة الشيخ محمد حريتاني في الساعة (11) من يوم الثلاثاء (11) من شهر جمادى الثانية.

وتحدث  في اللقاء عن أمرين، هما:

ضرورة التربية العلمية، والتربية السلوكية.

قال حفظه الله ورعاه:

رأيت رجلا كبير السن من عامة الناس يبكي، فسألته  عن سبب بكائه؟

فقال: توفي اليوم شيخي الشيخ أحمد الشماع.

 والشيخ أحمد الشماع( 1873-1953) من شيوخ العلم الحلبيين، وقد عرف بعلم التفسير، وكان له فيه ذوق وفهم.

وكان يلقي دروس التفسير في مسجده، وكان عنده مقدرة على إيصال علم التفسير إلى طالب العلم والعامي واﻷمي!

وكان عدد من عوام الناس وعامتهم في حلب فضلا عن العلماء قد أتقنوا علم التفسير لمواظبتهم على حضور دروسه.

ولكن أين هذه النماذج؟ 

ولماذا فقدت؟

ولماذا فقدنا هذا التأثير بالناس؟

أسئلة تحتاج إلى أجوبة!

قلت: وعلى هذا المنهج أدركنا شيوخنا، العلامة الفقيه الحنفي الشيخ محمد السلقيني

والمحدث المفسر الشيخ عبدالله سراج الدين 

كانت دروسهما في المساجد، قبل رحيل الشيوخ إلى الجامعات، أو ترحيلهم، وتركنا الجوامع!

وعلى هذا المنهج أدركنا شيوخنا في العراق،

 ومنهم: شيخنا العلامة اﻷستاذ عبدالكريم المدرس في مسجد الحضرة القادرية،

وهو  خريج معاهد العلم في شمال العراق.

ومنهم: شيخنا العلامة اﻷستاذ عبد الكريم الدبان، وهو خريج معاهد العلم في مدينة العلم والعلماء سامراء، وليت طالب علم نابه يكتب عن أثر هذه المدرسة في عموم العراق

وخصوصا ضفاف الفرات التي أحيا العلم فيها الشيخ المربي الرباني اﻷستاذ عبد العزيز سالم السامرائي.

هذا الانفصام النكد بين الجامعة والجامع هو سبب من أسباب ظهور الفوضى العلمية، والتطرف الذي نجني ثماره اليوم!

ولا تسأل بعد ذلك عن فقدان التأثير، وعن غياب الوفاء! بل عن ضياع العلم نفسه!

ولماذا الوفاء وقد تساوت الرؤوس!

 وهي كلمة بها أحد الطلبة في شيخ من شيوخه ممن كان يجلس منه مجلس التلميذ! بعد أن لقب دكتورا.

كان شيخنا متألما من الوضع العلمي المخيف في بلادنا، وهو لا يرى الخلاص إلا بالعودة الصادقة إلى المناهج العلمية التي تم تأصيلها عبر  قرون من الزمن. والتي تبدأ بمتن اﻵجرومية.