مما علمتني الحياة - 17

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الإسلام يؤكد الموازنة الدقيقة بين حقوق الإنسان وواجباته..ويعتبر أي إهمال لحقوق الإنسان أو واجباته إنما هو اعتداء وانتهاك لتكامل وتوازن رسالة الإسلام في الحياة.لا أحسب أحدًا يجادل أن البشرية اليوم تعاني من أزمة حادة في القيم..ومما لا شك فيه أن تدهور كرامة الإنسان وانتهاك البيئة من أبرز سمات أزمة القيم في العالم..غياب العدل مصدر أساس لكل الشرور والمفاسد التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة..واغتصاب إسرائيل لفلسطين ينبغي أن تفهم في هذا السياق..فهي بكل المعايير أسوأ وأخطر حالة للظلم والعدوان في التاريخ البشري. من حق كل أمة أن تغضب وأن تحدثها نفسها بالثأر ممن اعتدى عليها وانتهك سيادتها وأمنها..إلا أن الأمة العظيمة وهي تمارس حقها في رد العدوان..يجب أن تبقى ملتزمة بقيمها وأخلاقيات رسالتها الحضارية،فإن لم تفعل بررت للمعتدي تحقيق أهدافه..إقامة العدل وإجلال قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته وممتلكاته..وصون سلامة البيئة وتحقيق التنمية المستدامة..تبقى المعايير الصحيحة لسير حضارة ما في الحياة..الجوع والخوف آفتان خطيرتان تهـددان أمن المجتمعات واستقرارها..وهما مصدر كل الفتن التي تجتاح المجتمعات وتصدع جدر سيادتها وهيبتها..ومقاومتهما واستئصال أسبابهما وتوفير أسباب التنمية والازدهار تبقى معايير السير الراشد في الحياة.تَعليم الإنسان,وتحريره,وتأمينه من الجوع والخوف هي من أولويات اهتمام رسالة الإسلام في بناء الأمم وتحقيق التنمية والازدهار والارتقاء بطموحات الأجيال.شركاء..أم أوصياء ..؟بل شركاء..إن من خطأ الفهم والتفكير القول:أن المسلمين أوصياء على الآخرين يجب إجبارهم على الإيمان بالإسلام..والصحيح أننا شركاء مع الآخر نحاوره ونتعارف ونتفاهم معه لنعمل معاً لبناء الحياة الآمنة للجميع..ولكل حريته في تقرير خياره الديني من غير إكراه..فلا يصح في الإسلام اعتقاد مع إكراه.نحن شركاء مع الآخر ولسنا أوصياء عليه..ولا نقبل الآخر أن يكون وصيًا علينا..فالوصاية والولاية المطلقة لسلطان الله وحده لاشريك له..فهو سبحانه رب الناس ومدبر أمـــرهم.نحن شركاء مع الآخر في عبودية لله تعالى..نحن شركاؤه في أداء مهمة الاستخلاف في الأرض..وإقامة العدل وحياة كريمة للناس.نحن أوصياء على أنفسنا نُسأل أمام الله تعالى عن تفعّيل قيمنا وإقامة مقاصد رسالة الإسلام في حياتنا..لنكون من بعد الأنموذج العملي لقيم الإسلام ومبادئه ورسالته الإنسانية السامية.  

وسوم: العدد 722