خواطر من الكون المجاور الخاطرة 144 : الحكمة اﻹلهية في الخسوف والكسوف

في يوم اﻹثنين الماضي المصادف للسابع من شهر آب ( أغسطس ) . حدثت ظاهرة خسوف جزئي للقمر ، حيث تم حجب جزء من قرص القمر ورافقه تحول لونه إلى اللون اﻷحمر. وكما هو معروف مثل هذه الظواهر عادة تجلب إنتباه الرأي العام ، فنجد ظهور بعض علماء الفلك في البرامج التلفزيونية والصحف ليشرحوا هذه الظاهرة ليؤكدوا على أنها ظاهرة طبيعية ولا حاجة ﻷن يشعر اﻹنسان بأي نوع من أنواع القلق ، فنسمع أحدهم يقول ( في الماضي كان الناس يعتقدون أشياء لا علاقة لها من الصحة ، فكانوا ينسبون هذه الظواهر لغضب الرب ، إلا أن اﻷبحاث العلمية في العصر الحديث بينت أن الخسوف يحدث عندما تقع الشمس واﻷرض والقمر على إمتداد واحد.....) ، ولكن من طرف آخر نجد بعض رجال الدين يعارضون رأي علماء الفلك بحجة أنه يعارض الجانب الشرعي وأنه لا يجوز لمسلم مهما بلغ من منزلة بعلم الفلك أو غيره من العلوم أن يتجاهل اﻷحاديث الشريفة فهي صادرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقوله الرسول هو وحي من رب العالمين.فكما نقل عن الرسول أنه لما كسفت الشمس فزع فزعا شديدا ، ومن مظاهر فزعه إطالته الصلاة طول غير معهود. وقد أكدت ذلك أسماء - رضي الله عنها - بقولها (فأطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القيام جدا حتى تجلاني الغشي ، فأخذت قربة من ماء إلى جنبي فجعلت أصب على رأسي أو على وجهي من الماء ).

ومن طرف آخر أيضا نجد بعض الملحدين يستغلون هذه الظاهرة الكونية في صفحاتهم الالكترونية من أجل إثبات جهل اﻹسلام بحقيقة هذه الظاهرة الكونية ليؤكدوا أن الدين اﻹسلامي من صنع إنسان وليس من صنع إله يعلم كل شيء ، فحسب رأيهم مثل هذا اﻹله ليس له وجود أصلا.

حتى نستوعب أكثر سبب تناقض هذه اﻵراء عن حقيقة ظاهرة الكسوف والخسوف ، من اﻷفضل أن نشرح كل رأي على حدى لنستطيع في اﻷخير فهم الحكمة اﻹلهية في هاتين الظاهرتين التي تحدث بسبب حركة القمر حول كوكب اﻷرض، وحركة اﻷرض حول الشمس.

علماء الفلك ينظرون إلى عملية كسوف الشمس وعملية خسوف القمر، على أنهما ظاهرتان فلكيتان مثل أي ظاهرة طبيعية أخرى ، فكسوف الشمس يحدث عندما تقع اﻷجرام الثلاثة الشمس والقمر واﻷرض بالتسلسل على خط مستقيم واحد فعندها يكون القمر بين الشمس واﻷرض يؤدي إلى حجبها عن اﻷرض أي أن اﻷرض في هذه الحالة تتواجد في ظل القمر فلا تستطيع رؤية الشمس، فاﻹنسان الموجود على سطح اﻷرض سيرى القمر المظلم يعبر أمام الشمس ويحجب ضوءها عن اﻷرض، بينما ظاهرة خسوف القمر فهي تحدث عندما تقع اﻷجرام الثلاثة أيضا على خط مستقيم واحد ولكن هنا اﻷرض هي التي تقع بين الشمس والقمر فيقع ظلها على القمر وتحجب عنه ضوء الشمس ، فنجده يختفي لعدة دقائق ثم يظهر بعد ذلك بشكل تدريجي وعادة يصبح لونه أحمر بسبب إمتصاص الغلاف الجوي للأرض معظم اﻷشعة ما عدا اللون اﻷحمر فيبدو القمر بلونه اﻷحمر .

بمعنى آخر أن ظاهرة الكسوف والخسوف حسب علماء الفلك هي ظواهر طبيعية مثلها مثل تعاقب الليل والنهار ، أو تعاقب الفصول اﻷربعة ، أو مثل ظاهرة تحول شكل القمر من هلال إلى بدر، ومثلما يمكن حساب وتحديد زمن بدء النهار أو بدء فصل الشتاء هكذا أيضا بالنسبة للكسوف والخسوف، الكسوف يحدث مرتين في العام والخسوف أيضا مرتين ويمكن حسابيا تحديد زمن حدوثه بدقة، فعلماء الفلك ينظرون إلى الشمس على أنها نجم مثل بقية النجوم يتكون بشكل عام من غاز الهيدروجين الذي يتحول في مركزها إلى الهليوم وهذا التحول ينتج عنه طاقة كبيرة تخرج على شكل ضوء فتبدو الشمس وكأنها كتلة كروية مضيئة ، وأيضا الكرة اﻷرضية هي عبارة عن كوكب يتألف من مواد صلبة وماء ويحوي على كائنات حية ، أما القمر فهو عبارة عن كرة صخرية تدور حول اﻷرض. فحسب رأيهم بأن هذه اﻷجرام الفلكية هي أشياء كونية مادية ليس لها معاني روحية تستدعي أي شعور روحي سواء كان خوف أو نوع من أنواع التقديس أو العبادة.

للأسف العصر الحديث يعاني من إنفصال بين العلوم الروحية والعلوم المادية ، وهذا ما أدى إلى إبتعاد النوعين من العلوم عن اﻹهتمام بسعادة ومصير اﻹنسان ، فنجد أن الأبحاث ودراسات الفضاء قد إنقسمت قسمين ، علم فلك ، وعلم تنجيم ، حيث أصبح علم الفلك يهتم بدراسة الكواكب والنجوم وكأنها أشياء مادية لا أكثر ولا أقل فيدرسون تركيبها وخصائصها الفيزيائية ، أما علم التنجيم فأصبح علم مزيف يهتم بالتنبؤ بالمستقبل ، وكأن اﻹنسان ليس إلا كائن مسير تلعب به اﻷقدار كما تشاء دون أن يكون له أي رأي في السيطرة على سلوكه ومصيره.

ولكن الحقيقة تختلف عن رأي الطرفين نهائيا ، ﻷن اﻹنسان ككائن حي هو في الحقيقة ثمرة التطورات التي حدثت في المجموعة الشمسية ، والمجموعة الشمسية هي بدورها ثمرة تطور الكون بأكمله ، فتكوين اﻹنسان المادي والروحي لم يحصل بالصدفة أو بشكل عشوائي ولكن له علاقة كبيرة مع تكوين الشمس وكواكب وأقمار المجموعة الشمسية ، فالشمس والقمر والكواكب لهما معاني روحية تساعدنا على فهم التكوين الروحي للإنسان ، ولهذا السبب كانت هذه اﻷجرام ذات أهمية كبيرة في الديانات واﻷساطير على مر العصور ، حيث أوحى الله لكل أمة شيئا من هذه المعاني.

فرغم أن اﻹنسان في الماضي كان لديه معلومات بسيطة جدا عن مادية اﻷجرام السماوية ولكن كان له معارف روحية عنها ساعدته في فهم تكوينه الروحي ، وربما لولا هذه المعارف لما وصل علم الفلك أو بشكل عام جميع العلوم إلى ما هي عليه اﻵن. ولكن للأسف فعلماء اليوم ينظرون إلى المعاني الروحية للأجرام الفلكية بشكل عشوائي بدون محاولة التمييز بين ماهو من وحي إلهي وما هو خرافات من صنع فكر اﻹنسان ، فهناك كثير من تلك المعاني والرموز التي تم تحريفها فحولت المعارف الفضائية إلى خرافات لا تدل سوى على جهل اﻹنسان القديم بما يجري حوله. ولكن هناك أساطير ورموز أوحى الله بها إلى اﻹنسان تحمل معاني روحية تفسر لنا أشياء كثيرة لها علاقة بتكويننا الروحي، مثلا ما فائدة دراسة تكوين القمر ونظام دورانه حول نفسه وحول اﻷرض ؟ قد تكون إجابة علماء الفلك بأنه هناك فائدة كبيرة ، وفعلا هناك فائدة من دراسة القمر من الناحية المادية ولكن هذه الفوائد لا تتعدى الحاجات المادية للإنسان ، ولكن اﻹنسان ليس كائن حيواني حتى يعطي جميع إهتماماته لحاجاته المادية ، فهو كائن إنساني وحاجاته الروحية أهم بالنسبة له بكثير من حاجاته المادية ،فجميع نشاطاته في تحقيق حاجاته المادية هدفها الحقيقي هو المساعدة في تحقيق حاجاته الروحية التي هي الهدف الرئيسي من وجوده على سطح اﻷرض ،فوجود اﻹنسان على سطح اﻷرض ليس ليأكل ويشرب ويتزاوج ، ولكن من أجل تصحيح خطيئته التي كانت سببا في طرده من الجنة وهذه الخطيئة أصلا أساسها روحي وليس مادي، لذلك نجد اﻹنسانية مع مرور الزمن تتطور إجتماعيا وروحيا بإستمرار نحو اﻷرقى.

لهذا السبب نجد أن الديانات في مختلف مناطق العالم بشكل عام قد أعطت أهمية كبيرة إلى المعاني الروحية للأجرام السماوية لتساعد في متابعة التطور الروحي للإنسانية. فإذا تمعنا جيدا في الثقافات القديمة سنجد أن عددا كبيرا منها يعتبر كسوف الشمس وخسوف القمر على أنه أمر سيء سببه أرواح شريرة أو تنين أو حيوانات مفترسة تريد إلتهام الشمس ( في حالة كسوف الشمس ) أو إلتهام القمر ( في حالة خسوف القمر ). لذلك عادة تكون ردة فعل الناس على هذه الظاهرة هو محاولة إحداث الكثير من الضوضاء بمختلف الوسائل ( صراخ ، قرع الطبول. ..إلخ ) ﻹبعاد تلك اﻷرواح الشريرة ومنعها من اﻹقتراب من الشمس أو القمر.

ولعل ما يهمنا هنا هو ما تذكره ثقافات الهند حيث كان اﻹعتقاد أن القمر أثناء الخسوف يتم إلتهامه من قبل شيطان إسمه راحو ، وكان هذا اليوم بالنسبة لهم يوم مشؤوم لذا كانوا يمتنعون عن الطبخ واﻷكل.

قد نظن أن هذا السلوك بإتجاه الكسوف والخسوف ليس إلا نوع من جهل الشعب الهندي لنظام المجموعة الشمسية ، فهذا صحيح ماديا ولكن خطأ روحيا فاﻷمر هنا مختلف تماما ، ويجب النظر إليه برؤية روحية ، فالمقصود هنا ليس الشكل المادي للظاهرة ولكن الشكل الروحي ، فهذا اﻹعتقاد يعبر بشكل عام عن المعنى الروحي لهاتين الظاهرتين ، فالمقصود هنا ليس المعنى الحرفي لما يحدث ولكن المعنى الروحي.

فالشمس هي مصدر الضوء ومصدر الحياة بشكل عام ، وبدونها ينهار كل شيء في حياة اﻹنسان ، لذلك كانت الشمس تعتبر اﻹله اﻷكبر في العديد من الديانات الوثنية القديمة ،والمقصود بكلمة ( إله ) هنا ليس اﻹله الخالق كما نعلمه اليوم ، ولكن حسب أهميته في حياة ومصير اﻹنسان أي من حيث فائدتها الكبيرة للإنسان. فعبادتها وتقديسها كان يحمل هذا النوع من الشعور. فالشمس لها فائدة عظيمة في حياة اﻹنسان ، لذلك فهي ترمز بشكل عام إلى روح الخير.

بالنسبة للقمر فاﻷمر مختلف ، فهو تارة يأخذ دور روح الخير وتارة أخرى يأخذ دور روح الشر. وهذه الازدواجية في التعبير لم تنتج عبثا ولكن لها علاقة بتكوين القمر نفسه. فالقمر له تكوينه المادي حسب نوع ونسبة العناصر الكيميائية الموجودة فيه، ولكن أيضا له تكوين روحي يشرح لنا سبب إزدواجية معناه الروحي ، وفهم هذا التكوين الروحي هو أهم بكثير من تكوينه المادي التي يركز عليها علماء الفلك ،فهناك عدة ميزات في القمر تجعله يبدو وكأنه يؤكد بأن نشأته لم تكن صدفة ولكن حسب حكمة إلهية تجعله يأخذ أهمية كبيرة في تأثيره الروحي على اﻹنسانية ، بحيث تؤكد معنى الحديث الشريف ( الشمس والقمر آيتان....) فعلى الرغم من أن القمر كجرم سماوي في المجموعة الشمسية ماديا لا أهمية له بسبب حجمه الصغير جدا ولكن تأثيره على اﻹنسانية روحيا أهم بكثير من بقية اﻷجرام. ،فقد شاءت الحكمة اﻹلهية في تصميم المجموعة الشمسية أن تكون مدة دوران القمر حول اﻷرض مرة واحدة كل 27 يوم وثلث اليوم تقريبا ، وكذلك أن تكون مدة دورانه حول نفسه مرة واحدة أيضا بنفس المدة أي 27 يوم وثلث اليوم ،هذا التطابق الزمني في مدة الدوران أدى إلى أن وجها واحدا من القمر يبقى دوما متجها نحو اﻷرض ، وهذا يعني أن القمر له وجهان وجه متجه نحو اﻷرض ووجه متجه نحو الطرف الخارجي ، بمعنى أن نظام دورانه حول الأرض وحول نفسه جعلت اﻹنسان الموجود على سطح اﻷرض يرى فقط صورة الوجه الواحد للقمر، أما الوجه اﻵخر فلم يظهر لعين اﻹنسان إلا في عام 1959 عندما تم إرسال المركبات الفضائية التي صورته من الخلف.

هذه الظاهرة هي التي أعطت القمر معناه المزدوج ، فالوجه المعرض لعين اﻹنسان الموجود في اﻷرض هو الذي يأخذ رمز روح الخير ، أما الوجه الذي لا يسمح للإنسان رؤيته فهو رمز روح السوء.

الميزة الثاني هي حجمه وبعده عن اﻷرض ، فهكذا أيضا شاءت الحكمة اﻹلهية في تصميم المجموعة الشمسية أن تكون العلاقة بين حجمه وبعده عن اﻷرض بشكل متقن بحيث تعطيه خاصية غريبة ، وهي أنه يبدو لعين الإنسان الموجود على سطح اﻷرض وكأنه مساوي تماما لحجم الشمس رغم أن الشمس أكبر منه حجما بملايين المرات، فإذا نظرنا إلى الشمس عند شروقها سنشعر بأن حجم قرصها مساوي لحجم قرص القمر أثناء ظهوره من خط اﻷفق ، وكذلك عندما يمر أمام الشمس أثناء ظاهرة الكسوف الكلي للشمس ، نجده يحجب الشمس تماما ولا يظهر منها إلا الهالة الضوئية التي حولها. هذه الميزة تجعله وكأنه يلعب الدور الثاني في إضاءة اﻷرض، بمعنى أن الشمس هي مصدر الضوء في النهار ، والقمر مصدر الضوء في الليل. ولكن بسبب كونه إزدواجي في تكوينه الروحي، لذلك فشدة إضائته غير ثابتة وتختلف من يوم إلى يوم فهو تارة يصبح قرص مظلم وتارة قرص كامل مضيء، فهو يظهر في البداية من العدم كخط رفيع نصف دائري ( هلال ) ثم يزداد حجمه حتى يصل إلى قرص دائري كامل ( بدر ) ثم يعود فينقص حجمه ثانية بالتدريج وهكذا حتى يختفي . ..

حتى نفهم بشكل أوضح طبيعة القمر الروحية ، لا بد أولا أن نذكر شيئا عن طريقة نشوءه ، فعلماء الفلك وبسبب عدم إعطائهم أي أهمية للرموز التي يحملها القمر ، جعلتهم ينظرون فقط إلى طبيعة تركيبه المادي ( الجيوكيميائي )، فهناك خمس نظريات يقترحها بعض الباحثين في تفسير منشأ القمر ، ولكن وبسبب شدة التشابه الجيوكيميائي بين اﻷرض والقمر فإن أكثر هذه النظريات قبولا هي نظريتان ، اﻷولى تفترض أن القمر قد تكون عن طريق إنفلاق اﻷرض أي أن القمر تشكل من المواد التي قذفت من اﻷرض إلى الفضاء في بداية نشوء المجموعة الشمسية عندما كانت اﻷرض كتلة منصهرة تدور بسرعة عالية. ولكن هذه الفرضية لا يقبل بها الكثير من العلماء ﻷن اﻷرض لم تكن تدور بالسرعة الكافية لتستطيع قذف الصخور السائلة إلى الفضاء. أما أكثر النظريات قبولا فهي نظرية اﻹصطدام العملاق ، حيث تفترض هذه النظرية أن القمر تشكل نتيجة تجمع وتكاثف مواد قذفت إلى الفضاء بعد أن أصطدم جسم كبير بكوكب اﻷرض المتشكل حديثا أي قبل 4،4 مليار سنة تقريبا. والدراسة الحديثة تقول بأن الجسم الصادم والجسم المصدوم كان حجمهما في تلك الفترة يعادل نصف حجم اﻷرض اليوم.

هذه النظرية تفسر المعنى الروحي للقمر عن أزدواجية تكوينه ( نصفه روح خير ، ونصفه اﻵخر روح سوء ) فكما ذكرنا في خواطر سابقة ، بأن اﻷرض التي تمثل الكوكب الثالث في المجموعة الشمسية هي رمز كوكب الشيطان وهو مكان نفي اﻹنسان بعد أن تم طرده من الجنة ، فالقسم الذي يرمز لروح السوء في القمر هو ذلك الوجه الذي مصدره قد أتى من اﻷرض والذي لا يظهر نهائيا لعين اﻹنسان. أما القسم الثاني فهو الذي مصدره الكوكب الصادم والذي نراه بشكل دائم في القمر.

ما نستطيع هنا طرحه بشكل مختصر ، بأن ما تذكره الديانات واﻷساطير عن الظواهر الفلكية ، ليست نتيجة جهل الثقافات القديمة لطبيعة تكوين وعمل نظام المجموعة الشمسية كما يعتقد علماء الفلك وخاصة الملحدين منهم ، ولكن نوع من أنواع التعبير الرمزي الذي يوضح لنا أشياء لا يمكن الوصول إليها عن طريق العلوم المادية ، حيث فهم هذه الرموز وتفسيرها يساعدنا على فهم تلك العلاقة بين تكوين المجموعة الشمسية والتكوين الروحي للإنسان.

إن معرفة أسباب الكسوف والخسوف والمقدرة على تحديد أوقات حدوثهما بشكل دقيق ، لا يعني كما يظن الملحدون أنه يجب علينا الشك في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بسبب ما أصابه من خوف عند كسوف الشمس، فرسول الله أبعد عن هاتين الظاهرتين علاقتهما بالخرافات ، فعندما خسفت الشمس يوم موت إبراهيم إبن النبي ، إعتقد بعض الناس أنها خسفت من أجل موته تعظيما لموته ، وأن موته سبب خسوفها ، فقال لهم رسول الله ( لا تنخسف ﻷجل موت أحد أو ﻷجل حياة أحد ). فحادثة خوف الرسول لم يكن لها معنى مادي كما يظن الملحدون ولكن كان لها معنى رمزي روحي يعبر عما شرحناه قبل قليل ، حيث لدينا هنا حالتين كسوف الشمس وخسوف القمر :

- في حالة كسوف الشمس يكون القمر هو الذي يحجب ضوء الشمس عن اﻷرض ،وطالما أن القمر له إزدواجية في المعنى ، في هذه الحالة يكون القمر هنا رمز لروح السوء ، أي أنها ترمز إلى أن روح السوء بعض اﻷحيان تصبح هي المسيطرة على سلوك اﻹنسانية ، فالخوف هنا لا يعني خوف من الظاهرة نفسها ولكن من معناها الروحي ، فعندما تسيطر روح السوء على سلوك اﻹنسانية تختفي القيم السامية واﻷخلاق الحميدة وعندها تصبح المجتمعات اﻹنسانية مثلها مثل بقية المجتمعات الحيوانية.

أما في الحالة الثانية ( الخسوف ) حيث اﻷرض هي التي تحجب ضوء الشمس عن القمر ، هنا كوكب اﻷرض يأخذ رمزه البدائي أي رمز الشيطان أي أن روح الشيطان هنا هي التي تحجب النور عن روح الخير في اﻹنسان الذي رمزه هنا هو القمر ، ويعني هنا أيضا سيطرة روح الشيطان على سلوك اﻹنسانية كما في الحالة اﻷولى لذلك نجد تحول القمر إلى اللون اﻷحمر واللون اﻷحمر كما هو معروف هو لون العنف والحروب والتي هي أهم الأهداف التي يحاول الشيطان تحقيقها عن طريق زرع العداوة والبغضاء بين الشعوب واﻷمم. فعملية الكسوف والخسوف هما في الحقيقة رموز لها معنى سيطرة روح السوء على اﻷمور المتعلقة بمصير اﻹنسانية ، فالخوف الذي شعر به رسول الله أثناء كسوف الشمس ، له معنى رمزي وليس معنى حرفي. فهاتين الظاهرتين الفلكيتين هما آيتان من الله عز وجل ليعلم اﻹنسان أنه يعيش في مكان يوجد فيه صراع بين روح الخير العالمية وروح السوء العالمية لذلك عليه أن يكون حذر وأن يواصل صلاته وإيمانه لكي لا يخرج عن الصراط المستقيم الذي رسمه الله له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى ينجليا ) . بمعنى أن الكسوف والخسوف هما آيات تذكر اﻹنسان أنه هناك روح سوء عالمية تسعى إلى تضليله لتمنعه من العودة إلى الجنة.

عدا عن المعنى الروحي للكسوف والخسوف ، أيضا فإن سلوك الرسول وشعوره بالخوف عندما حدث كسوف الشمس ، له فائدة مادية مهمة في حياة اﻹنسان ، حيث أثبتت اﻷبحاث الطبية أن النظر إلى كسوف الشمس بالعين المجردة يحدث أضرار بالغة في العين وتؤدي إلى العمى. فعند الكسوف يكون اﻹشعاع القادم إلى اﻷرض عبارة عن ثلاث أنواع من الاشعاعات :

- أشعة ضوئية تقوم بتعطيل خلايا البصرية في العين

- أشعة تحت الحمراء تسبب تسخين شبكة العين وتدمر الخلايا الحساسة للضوء

- أشعة فوق البنفسجية وتسبب حروق في شبكية العين

وجميع هذه اﻹشعاعات اﻹنسان لا يشعر بها عندما ينظر إلى كسوف الشمس ، ﻷن نورها باهت تسمح له بأن ينظر إليها لفترة طويلة ، بعكس الحالات العادية ،فالنظر إلى قرص الشمس مزعج ومؤلم جدا للعين لذلك فاﻹنسان لا يستطيع النظر إلى الشمس بالعين المجردة ﻷن الألم الذي سيشعر به سيجعله يتوقف مباشرة من متابعة النظر إليها، ، ولكن أثناء الكسوف اﻷمر مختلف حيث العين لا تشعر بأي ألم أو إنزعاج فيستمر اﻹنسان بالنظر إلى كسوف الشمس ، لذلك يعتبر النظر إلى كسوف الشمس خطر جدا على عين اﻹنسان ، فخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكسوف هو أيضا حكمة إلهية هدفها أيضا منع المسلمين من الخروج والنظر إلى الكسوف بهدف التسلية والتمتع بهذا المنظر الغريب. فبدلا من أن يتهم الملحدين الرسول بجهله بحقيقة الكسوف كظاهرة فلكية ، يجب عليهم أن ينظروا إلى سلوك الرسول على أنه سلوك فيه فائدة كبيرة لحماية الناس من اﻹصابة من العمى أثناء حدوث الكسوف .

اﻷحاديث الشريفة عن الكسوف والخسوف أرقى بكثير مما يتصوره الملحدين ، وهي علامات إلهية تؤكد على أن الله موجود وأن كل شيء يجري حسب خطة وضعها هو من أجل خير البشرية....

وسوم: العدد 733