خواطر من الكون المجاور الخاطرة : 146 لعنة توت عنخ آمون 2

بعد ظهور تلك اﻷخبار التي نشرت في الصحف العالمية والتي تتحدث عن اللعنة التي اصابت عدد كبير من الذين شاركوا في فتح مقبرة توت عنخ آمون وفحص موميائه ، وبسبب النظرة السطحية في تفسير هذه الظاهرة، ذهبت الصحف تكتب وبشكل عشوائي عن كل مصيبة تصيب شخص ما يساهم في اكتشاف وفحص أي آثار من الآثار الفرعونية ، وهكذا تحولت " لعنة توت عنخ آمون " من علامة إلهية تركها الله لنا لنفهم ما حدث روحيا قبل 3300 عام تقريبا إلى ظاهرة غامضة محاطة بالعديد من اﻷحداث الخرافية والتفسيرات العشوائية وتم ضمها إلى بقية اﻷحداث الكاذبة لبقية الآثار لتأخذ إسما جديد يسمى " لعنة الفراعنة ".

هذا التشويه الذي حدث في نشر إشاعة الظاهرة الجديدة " لعنة الفراعنة " أحدث نوعا من القلق عند المسؤولين في شؤون اﻵثار والسياحة في مصر ، حيث أن تصديق هذه اﻹشاعات الخرافية عالميا سيؤثر سلبيا على إقتصاد البلاد ، فالسياحة في مصر تعتبر أقوى الموارد اﻹقتصادية للبلاد ، وإنتشار هذا النوع من اﻹشاعات سيؤثر على السياحة ويمنع الكثير من اﻷجانب في اﻹبتعاد عن التفكير في زيارة مصر بسبب خوفهم من أن تصيبهم تلك اللعنة. لهذا السبب إضطر جميع العاملين في مجال اﻵثار والسياحة إلى محاولة تكذيب هذه اﻹشاعات للمساعدة في دعم السياحة وكذلك في تشجيع العلماء اﻷجانب في الإستمرار في إكتشاف الآثار الجديدة.

إن ردة الفعل هذه كانت أكبر خطأ قام به المسؤولين المصريين في حق بلادهم وتاريخها وكذلك في حق اﻹنسانية بأكملها. فما فعله المسؤولون في مصر كان من أسوء أنواع تشويه الحقيقة ﻷنها حطمت العلاقة بين تاريخ مصر القديمة والقصص الدينية المذكورة في الكتب السماوية. فكانت النتيجة أن اﻷمور إنقلبت رأسا على عقب ، فبدلا من أن تكون مصر التي تملك أعظم الآثار التاريخية في العالم هي أول دولة سياحية في العالم نجدها قد خسرت الكثير من سياحها ليس بسبب إشاعة اللعنة ولكن بسبب تشويه الحقيقة ، فهل من المعقول أن يكون زوار فرنسا أكثر من 80 مليون سائح سنويا ، وزوار تركيا 30 مليون ، في حين أن مصر لا يتجاوز زوارها الـ 10 مليون. ... قبل حوالي 15 سنة ومن كثرة ما تحدثت مع بعض اﻷصدقاء اليونانيين عن مصر وآثارها العريقة قرروا الذهاب للسياحة إلى مصر بدلا من إسبانيا ، وعندما عادوا كان كلامهم سلبي عن مصر من جميع النواحي ، وكان أهم شيء سلبي ذكروه عن مصر بالنسبة لي هي كثرة اﻷطفال الشحادين الذين يلاحقون السواح في كل مكان من أجل قطعة نقدية صغيرة يرموها لهم.

كثير من الكتب والمقالات ظهرت لتؤكد صحة أو خرافة إشاعة " لعنة الفراعنة " وإذا بحثنا فيما كتب عن هذا الموضوع سنجد أن جميعها تحمل عنوان " لعنة الفراعنة " ،ولكن الحقيقة هي أن اﻷحداث الغامضة كانت تتعلق فقط بمقبرة توت عنخ أمون ، وكان من واجب كل إنسان يسعى وراء الحقيقة أن يؤكد على أن هناك شيء غريب قد حدث مع إكتشاف مقبرة توت عنخ أمون ، وأن حل لغز سبب هذه الحوادث الغامضة مهم جدا في فهم الناحية الروحية لتلك الفترة التاريخية التي عاشها الفرعون توت عنخ أمون. فالروح لها طريقة مختلفة في التعبير عن نفسها، ومن أجل الوصول إلى الحقيقة الكاملة عن شخصية الفرعون توت عنخ أمون علينا فهم سبب ظهور تلك اﻷحداث الغامضة التي لا يستطيع أحد أن ينفي حدوثها واقعيا.

الدكتور زاهي حواس وزير السابق لشؤون اﻵثار ورئيس المجلس المصري اﻷعلى لﻷثار وأشهر عالم في آثار مصر القديمة . والذي في جميع مؤلفاته والبرامج التلفزيونية التي يشارك بها ، يؤكد على أنه لا يوجد شيء إسمه "لعنة الفراعنة " . ولكنه نجده في نفس الوقت يذكر تلك اﻷحداث الغريبة التي حدثت معه عندما ذهب إلى مقبرة توت عنخ آمون لفحص موميائه بجهاز تصوير اﻷشعة المقطعي ، تمعنوا جيدا في تسلسل اﻷحداث :

- بمجرد أن يركب سيارته مع سائقه متجها نحو مقبرة توت عنخ أمون في وادي الملوك ، بعد حوالي 500 متر من إنطلاقه يظهر فجأة طفل صغير أمام السيارة ولكن السائق في اللحظة اﻷخيرة يتمكن من الكبس على المكابح ، ويتفادى إصطدام الطفل ، نظر السائق إلى الدكتور زاهي مذعورا مما حصل وقال له ( يبدو أن لعنة الفراعنة قد بدأت! ).

- السيارة تنطلق ثانية في طريقها إلى المقبرة ، تتصل شقيقة الدكتور زاهي وتخبره بأن زوجها قد مات.

- عندما يصل وادي الملوك يخبره سكرتير وزير الثقافة أن الوزير أصيب بأزمة قلبية وتم نقله إلى المستشفى.

- في وادي الملوك يلتقي بصحفيين من قناة التلفزيون الياباني وعندما يجري معهم الحديث التلفزيوني تهب عاصفة رملية شديدة وتحدث سيولا قوية في نهر النيل تسبب الفيضانات. .. الصحفيين اليابانيين يشعرون بالذعر من تغير الطقس الفجائي ويقولون بأنها لعنة الفراعنة.

- بعد هدوء العاصفة يتم إخراج مومياء توت عنخ أمون وتوضع تحت جهاز التصوير اﻹشعاعي المقطعي ، ولكن الجهاز يتعطل ويتوقف عن العمل رغم أنه حديث الصنع ولم يستخدم من قبل ، عندها الدكتور زاهي حواس وهو لا يصدق حدوث كل هذه اﻷحداث فيقول ( يا نهار إسود دا فيه فعلا لعنة إسمها لعنة توت عنخ أمون ) .

الدكتور زاهي حواس بعد ذكره جميع هذه اﻷحداث بطريقة مشوقة نراه بدلا من أن يؤكد على اﻷقل أنه ربما يوجد شيء غامض في شخصية الفرعون توت عنخ أمون ، نجده يناقض نفسه ويقول أنه لا يوجد لعنة الفراعنة وأن جميع تلك اﻷحداث قد حدثت بالصدفة ، ويؤكد على أن "لعنة الفراعنة " هي فقط جملة مشوقة للسينما والصحافة واﻹثارة. فيذهب ويعلل وفيات العلماء بأنها قد حصلت بسبب الهواء الفاسد المحصور في المقبرة نتيجة الجو المغلق الذي ظلت فيه المومياء لمدة آلاف السنين، ويعلل - مثلا - سبب وفاة الدكتور جمال محرز المدير العام للمتحف المصري بأن الدكتور جمال لم يكن عالم آثار فرعونية ولكن عالم آثار إسلامية ، وأنه لم يكتشف أو يفحص أي أثر أو مومياء فرعونية. وأنه كان إنسانا مريضا لذلك فكان يمكن أن يموت في أي لحظة.

تعليلات زاهي حواس هذه - حسب رأيي - لا تدل سوى على أنه يستخدم رؤية مادية بحتة في تقييمه للأمور لذلك فهو لا يشعر بوجود أبعاد روحية لظاهرة " لعنة توت عنخ أمون " ، فإذا ركزنا جيدا في نوعية عمل الشخص الذي أصابته اللعنة ، أو نوعية الحادثة ، سنلاحظ أن اللعنة تظهر عند النظر إلى الناحية المادية فقط لشخصية فرعون توت عنخ امون ، فمثلا جميع اﻷحداث التي حصلت مع الدكتور زاهي التي ذكرناها قبل قليل كانت بسبب محاولة فحص المومياء للحصول على معلومات مادية تتعلق بجسد هذا الفرعون ، ولكن في الحقيقة أن أهمية هذا الفرعون هي روحية وليست مادية ، فالدراسة الروحية لهذا الفرعون توضح لنا شيئا من الطبيعة الروحية التي كان يعيشها شعب مصر في تلك الفترة التي عاشها الفرعون توت عنخ أمون. لذلك اللعنة أصابت أيضا الدكتور جمال محرز رغم أنه لم يكن له أي علاقة بمومياء توت عنخ أمون ،والسبب ﻷنه عالم آثار إسلامي حاول أن يتحدى وجود اللعنة ،وكونه عالم آثار إسلامي فهو قد أصبح هنا رمزا للدين اﻹسلامي، فبسلوكه هذا حاول أن يفصل بين شخصية الفرعون توت عنخ امون والقصص الدينية ،فأصابته اللعنة لكي تدفع العلماء إلى الربط بين توت عنخ أمون والقصص الدينية المذكورة في الكتب السماوية.

الدكتور زاهي حواس كتب 13 كتابا عن الفرعون توت عنخ أمون ، ورغم ذلك لم يذكر أي شيء على الإطلاق ما يربط بين حياة هذا الفرعون مع القصص الدينية المذكورة في الكتب المقدسة ، وإذا تمعنا جيدا في جميع مؤلفاته وجميع أقواله التي ذكرها في البرامج التلفزيونية سنتأكد بأن معلوماته عن القصص الدينية سطحية جدا ومعظمها خاطئة ، لا تساعد نهائيا في محاولة ربط أحداث تاريخ الشعب المصري القديم مع أحداث القصص الدينية. وإذا تمعنا جيدا في آراءه نلاحظ أيضا بأنه يحاول بشتى الوسائل حذف وجود اليهود من تاريخ مصر ، وكأنهم دخلوا مصر وخرجوا منها بدون أن يكون لهم أي أثر في هذه البلاد ،وكأن الدكتور زاهي ينظر إلى يهود تلك الفترة على أنهم هم نفسهم اليهود الذين أسسوا دولة إسرائيل في عصرنا الحاضر، لذلك يظهر نوع من التعصب الديني والقومي في آرائه وأبحاثه ، ولكن الحقيقة غير ذلك نهائيا ، فيهود تلك الحقبة المقصود بهم هو إبراهيم ويوسف وموسى وهارون صلوات الله عليهم. وهؤلاء اﻷنبياء لم يذهبوا مصر ليتعلموا من الشعب المصري ولكن ليعلموا الشعب المصري، والتعليم هنا نقصد به في أرقى أنواعه وهي تلك العلوم التي تعتمد الرؤية الروحية ، وليس الرؤية المادية ، ولهذا السبب كانت ظاهرة لعنة توت عنخ أمون ذات طبيعة روحية وليست مادية. فحادثة وفاة الدكتور جمال محرز - مثلا - ذات طابع روحي وليس مادي ﻷنه لم يصاب بجرثومة من جراثيم المقابر ،ولكن وفاته كانت فقط ﻷنه تحدى وجود اللعنة.

الدكتور زاهي حواس يقول في إحدى مقابلاته التلفزيونية، أن اليهود دخلوا مصر تقريبا عام 1700 قبل الميلاد، ولكن إذا عدنا إلى التسلسل التاريخي لمصر القديمة سنجد أنه في تلك الفترة كانت بلاد مصر قد غزاها شعب الهكسوس ، القادم من المنطقة الساحلية لجنوب فلسطين وشمال سيناء، وشعب الهكسوس هو شعب بدوي همجي عندما غزا بلاد مصر قام بحرق المدن والمعابد وقتل النساء واﻷطفال، وحكم المنطقة الشمالية لبلاد مصر في فترة (1700- 1580 قبل الميلاد) .

فخطأ الدكتور زاهي هو أنه يعتبر أن شعب الهكسوس هو نفسه الشعب اليهودي ، فهل من المعقول أن يكون هؤلاء الهمجيين هم نفسهم قوم يعقوب ويوسف عليهما الصلاة والسلام؟ فوجود شعب الهكسوس في مصر كان له نتائج وخيمة جدا على جميع نواحي الحياة للشعب المصري ، فهل من المعقول أن تكون الفترة التي كان النبي يوسف وزيرا في مصر بهذا المستوى من التخلف الروحي واﻹجتماعي التي عاشها الشعب المصري في تلك الفترة؟ الجواب طبعا لا، ﻷنه عندها يعني بأن التاريخ يناقض نفسه بنفسه ، ﻷن وجود اﻷنبياء دوما قد لعب دورا كبيرا في تطور اﻹنسانية ،فعيسى عليه الصلاة والسلام ظهر لمدة ثلاث سنوات فقط ، وإستطاع تكوين ديانة عالمية أتباعها اليوم يزيد عن 2،2 مليار نسمة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم النبي اﻷمي إستطاع تحويل قبائل صغيرة تعيش في عصر الجاهلية إلى أمة حضارية عريقة لعبت دور كبير في تصحيح و تطوير العلوم الروحية والمادية. فالنبي ليس شخصية بسيطة ولكنها شخصية خارقة لعبت دور كبير في تطوير اﻹنسانية، وهكذا تماما يجب أن تكون اﻷمور مع اﻷنبياء في العصور القديمة ( إبراهيم، يوسف، موسى ) . وعلى هذا اﻷساس يجب أن نبحث في الوثائق التاريخية التي إكتشفها علماء اﻵثار في بلاد مصر.

من هذا التوضيح المختصر نستطيع أن نؤكد أن الدكتور زاهي حواس ومعظم علماء تاريخ مصر القديمة بأنهم فعلا لم يعطوا في دراساتهم وأبحاثهم عن الحضارة المصرية القديمة أي أهمية لوجود أﻷنبياء في مصر، وإعتبروهم وكأنهم عبارة عن أشخاص عاديين دخلوا مصر وخرجوا منها دون أن يتركوا أي أثر فيها ،وأنهم ليس لهم أي علاقة بكل شيء خارق وجميل حدث في مصر القديمة.

عندما يتكلم علماء التاريخ عن مصر القديمة يصفوها بالدولة الخارقة المليئة باﻷسرار والمعجزات ، وهذا لا أحد يستطيع إنكاره ﻷن الحضارة المصرية فعلا ظهرت بطريقة فجائية غامضة لا يستطيع تفسيرها العقل اﻹنساني وسرعان ما أصبحت من أعظم دول العالم على جميع النواحي . ولكن ما الذي جعل هذه البقعة من العالم أن تصبح تلك الدولة العظمى التي عجز العلماء عن تفسير العديد من الظواهر فيها ؟ ماذا كان تأثير وجود إبراهيم في مصر ؟ ماذا فعل يوسف في مصر ؟ لماذا أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون مصر ؟

إذا قرأنا جميع مؤلفات الدكتور زاهي حواس ومؤلفات معظم علماء العصر الحديث عن الحضارة الفرعونية ، لن نجد أي جواب يعطينا ولو فكرة بسيطة عن سبب وجود هؤلاء اﻷنبياء في مصر، وطالما أن كتب التاريخ التي تتحدث عن مصر القديمة لا تذكر هؤلاء اﻷنبياء ، فهذا يعني أنها جميعها عديمة الفائدة في إعطائنا صورة واضحة عن حقيقة الحضارة المصرية ، ﻷن اﻹنسان هو كائن روحي أولا، ووجوده له تأثير روحي وعدم رؤية هذا التأثير يعني أنه لا يمكن فهم سببا وجود هذا اﻹنسان ، وبالتالي فإن معلوماتنا عنه ستكون معلومات سطحية لا تفيد في شيء. وهذا تماما ما يحصل اليوم في كتابة تاريخ بلاد مصر القديمة. لذلك وجب ولادة ظاهرة روحية تسمى "لعنة توت عنخ أمون " لتؤكد لعلماء العصر الحديث بأن ما يكتبونه عن تاريخ اﻹنسانية وخاصة تاريخ بلاد مصر القديمة هي معلومات سطحية وإذا ظلت في هذا المستوى فلن تفيد في شيء على اﻹطلاق ﻷنها خالية من اﻹدراك الروحي لتلك المعاني التي تحملها الوثائق التاريخية المكتشفة .لذلك يجب على كل عالم مختص في علم آثار الحضارة المصرية القديمة ، إما أن يعلن أنه لا يؤمنون بصحة القصص الدينية المذكورة في الكتب المقدسة وأن يؤكد على أن قصص إبراهيم ويوسف وموسى هي مجرد أساطير خرافية ، أو أن يعترف بأن كل ما يعلمه علماء التاريخ عن بلاد مصر القديمة هو فقط القشور ، وأن يؤكد على أن المعلومات المذكورة في كتب التاريخ هي معلومات فقيرة جدا لا تساعد نهائيا في فهم حقيقة الحضارة المصرية القديمة.

معظم علماء الدين اﻹسلامي يعتقدون أن القرآن الكريم يذكر فقط مضمون اﻷحداث في قصص اﻷنبياء وأنه لا يذكر التفاصيل لا المكان ولا الزمن الذي حدثت بها تلك القصص ﻷنه لايهتم بهذه المعلومات. ... هل من المعقول أن الله عز وجل الذي يصف كتابه الله بأنه " ......هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. .... 49 سورة الكهف ) أن يناقض نفسه بنفسه ، طبعا لا ، والحقيقة هي أن آيات القرآن الكريم تذكر بشكل رموز كل ما يتعلق بالحدث لتحدد بالضبط مكانه والفترة الزمنية التي حصل فيها ليستطيع اﻹنسان فهم الحدث شكلا ومضمونا. فكما هو معروف أن أهمية كل وثيقة تاريخية مرتبط كليا بمكان إكتشافها، فإذا أخفينا مكان إكتشافها عندها تخسر هذه الوثيقة الكثير من هويتها وأهميتها ، هكذا تماما أيضا هي قصص اﻷنبياء ، فمثلا ما هي الأبعاد الروحية لقصة النبي يوسف إذا لم نعرف في أي حقبة زمنية من تاريخ مصر القديمة عاش فيها ، فقصة النبي يوسف كانت في العصور الماضية لها دور موعظة ، ولكن اليوم مع تقدم العلوم ودخول اﻹنسانية في عصر الذرة وما تحتها ، فإذا بقيت هذه القصة بشكلها البسيط كما نعرفها اليوم ستصبح قصة فقيرة لا تفيد اﻹنسان المعاصر في تصحيح أي شيء من مفاهيمه لما يجري داخله وما حوله لفهم حقيقة ما يحدث في التطور الروحي والمادي التي مرت بها اﻹنسانية. لذلك نجد أن الحكمة اﻹلهية في تصميم الكتاب اﻷول من التوراة " سفر التكوين " قد وضعت قصة يوسف كخاتمة لهذا الكتاب ، فبدون فهم قصة يوسف شكلا ومضمونا لن نفهم حقيقة التكوين الروحي للإنسان ولا حتى سبب طرده من الجنة.وحتى نفهم قصة يوسف شكلا ومضمونا يجب معرفة شيء هام جدا وهو الفترة الزمنية التي عاشها في مصر، لنستوعب نوعية تأثيره على محور تطور اﻹنسانية.

اﻷرقام المذكورة في التوراة والتقويم اليهودي عن تاريخ ولادة اﻷنبياء للأسف حتى اﻵن لم يستطع العلماء فهمها ، بسبب عدم فهم الرموز التي يستخدمها الله في كتبه المقدسة ، فعلماء اليهودية والمسيحية يعتمدون التقويم اليهودي وحسب هذا التقويم نجد أن النبي يوسف ولد عام 1564 قبل الميلاد، وبعمر 17 عام دخل مصر ، وبعمر 30 عام أصبح وزيرا لمصر ، وبعد سنوات قليلة ( سنوات العجاف ) ذهب يعقوب وقومه ( الشعب اليهودي) إلىمصر وظلوا هناك فترة طويلة من الزمن.

طبعا هذه الأرقام هي رمزية وليست حقيقية ، فإذا نظرنا إلى هذه الأرقام حرفيا سنجد أن فترة ولادة يوسف تصادف تماما فترة إنتصار المصريين على حكام الهكسوس وطردهم من بلاد مصر لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر معروفة بأسم الدولة الحديثة . وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الأرقام الرمزية المذكورة في التقويم اليهودي، فبعد طرد حكام الهكسوس من مصر تبدأ فترة حكم العائلة الفرعونية التي تحمل الرقم ثمانية عشر ، وهذا الرقم ليس رقما عشوائيا ولكنه رقم رمزي روحي مقدس وقد تحدثنا عنه في العديد من المقالات.

حسب دراساتي الخاصة إذا حسبنا خطوة خطوة الأرقام المذكورة عن تاريخ سلالة آدم واﻷنبياء من بعده في الكتب المقدسة اليهودية ، مثلا اﻹصحاح 5 من سفر التكوين يذكر أن ( ..بين خلق آدم وولادة إبنه شيث 130سنة ، بين شيث وولادة إبنه أنوش 105سنة ، وبين أنوش وولادة إبنه قينان 90 سنة..... وهكذا حتى ولادة نوح ثم إبنه سام ) ثم اﻹصحاح 11 الذي يتكلم عن سلالة سام ( بين سام وولادة إبنه أرفكشاد 100 سنة، وبين أرفكشاد وولادة إبنه 35 سنة. .... وهكذا حتى ولادة إبراهيم). ..ومن إبراهيم إلى يوسف. ..ومن يوسف إلى موسى. .ومن عام خروج موسى مع قومه من مصر إلى عام بناء هيكل سليمان ومن عام بناء هيكل سليمان إلى عام دماره على يد الملك الكلداني نبوخذ نصر عام 586. ... إذا إعتمدنا على هذه اﻷرقام سنجد أن رقم تاريخ ولادة يوسف هو عام 1965 قبل الميلاد وبما أن عيسى ولد عام 6 قبل الميلاد هذا يعني أن عدد السنوات بين ولادة يوسف وولادة عيسى هو الرقم ( 1959) وهذا الرقم هو أيضا رمزي ويتألف من رقمين ( 1000+ 959) الرقم (1000) مذكور في القرآن واﻹنجيل ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) أما الرقم (959) فهو القيمة الرقمية لكلمة ( شيطان) في النظام الرقمي المركب للغة العربية، القرآن الكريم أيضا يستخدم هذا الرقم فإذا حسبنا مجموع القيم الحرفية لعناوين السور من البداية (سورة الفاتحة ) وحتى سورة يوسف سنجد أن المجموع هوالرقم ( 958)وهو القيمة الرقمية لكلمة شيطان كما تكتب في القرآن الكريم (شيطن ).

هذه اﻷرقام التي ذكرناها عن ولادة النبي يوسف ليست أرقام تاريخية مادية أي بمعنى أن كل عام يعادل 365 يوم ، ولكنها أرقام رمزية تشرح لنا دور يوسف الروحي في مصر بشكل رمزي وفي نفس الوقت عن طريق حسابات أخرى تساعدنا على تحديد عام ولادة يوسف والفترة التاريخية التي عاشها في مصر ، سيرة حياة يوسف معقدة جدا وتحتاج إلى شرح طويل ، وهنا سنذكر بشكل مختصر ما له علاقة بموضوع لعنة توت عنخ أمون، فهذا الفرعون يعتبر من أواخر ملوك العائلة ثمانية عشر التي أعطاها الله رمز يوسف، فلعنة توت عنخ أمون لا تسببها روح أو مومياء هذا الفرعون ﻷن الفرعون توت عنخ أمون روحيا قد إنتهى من الوجود ﻷنه لم يفعل شيئا صالحا يستحق عليه أن تصبح روحه خالدة ، فتلك القوة الروحية التي تصيب كل من يعطي أهمية مادية فقط لشخصية الفرعون توت عنخ أمون هدفها توجيه إهتمام العلماء إلى البحث عن دور النبي يوسف عليه الصلاة والسلام في مصر. فمصر الخارقة التي يتكلم عنها الدكتور زاهي حواس وغيره من علماء تاريخ مصر القديمة هي من صنع النبي يوسف، لذلك كانت مكافأته من الشعب المصري على ما قدمه لهم أنهم رفعوا مكانته في قلوبهم عاليا ليكون هو ملك الملوك . ولكن الذي حصل في عصرنا الحاضر أنه بعد إكتشاف مومياء الفرعون توت عنخ أمون الذي كانت فترة حكمه تافهة وبلا فائدة على اﻹطلاق ، ولكن بسبب كنوز مقبرته أصبح هو أشهر ملوك مصر القديمة عالميا ، لذلك كنوع من العدالة اﻹلهية وجب ظهور لعنة إسمها ( لعنة توت عنخ أمون ) ،ﻷن الحقيقة لا تموت.

في المقالة القادمة إن شاء الله سنبين العلاقة الروحية بين الفرعون توت عنخ أمون والنبي يوسف لنوضح سبب ظهور تلك اللعنة التي تطارد أولئك الذين يهمهم فقط دراسة شخصية هذا الفرعون من الناحية المادية فقط.

وسوم: العدد 735