الخاطرة 149 : دعاء المسلمين واﻹعصارات اﻷمريكية

خواطر من الكون المجاور

قبل أيام حدثت في مواقع التواصل اﻹجتماعي مناقشات حادة حول موجة اﻷعاصير التي إجتاحت أمريكا وأدت إلى خسائر إقتصادية كبيرة ، فذهب بعضهم يكتب عن هذه اﻷعاصير ويفسرها بأنها عقاب وغضب وإنتقام إلهي ، لما تفعله أمريكا في البلدان العربية و اﻹسلامية بشكل عام ، ووصلت اﻷمور من بعض المشايخ أن يستشهدوا بآيات قرآنية ليؤكدوا على أن هذه الأعاصير قد حدثت بسبب غضب الله على أمريكا. وبعضهم ربط حادثة إجلاء سكان فلوريدا بسبب قدوم إعصار إيرما مع حادثة إجلاء يهود بني نضير عن المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن طرف آخر نرى نظرة عقلانية تسخر من هذه التفسيرات وتنظر إليها على أنها تفسيرات خرافية تعبر عن مدى جهل هؤلاء الشيوخ بعلوم الطبيعة وبحقيقة ما يحدث، فحسب رأيهم أن هذه اﻷعاصير ليست إلا مجرد ظواهر طبيعية يمكن شرحها علميا بعيدا عن التفسيرات الخيالية التي لا تدل سوى على ضعف وعجز المجتمعات العربية وخيبتها من نفسها.

ما يهمنا هنا ليس معرفة أي الطرفين على حق ، فهذا موضوع آخر ، ويكفي أن نقول هنا أنه لا يوجد شيء يحدث صدفة وأنه لكل حادث له معنى ، ولكن تفسير موجة اﻹعصارات اﻷخيرة التي ضربت أمريكا يحتاج إلى تحليلات عديدة وعميقة مختلفة نهائيا عن تلك التفسيرات السطحية التي يذكرها الشيوخ في المساجد أو في البرامج التلفزيونية أو في مختلف مواقع التواصل اﻹجتماعي، فلو إعتمدنا نفس المنطق الذي يستخدمه هؤلاء الشيوخ لرأينا أن ما يحدث من خراب ودمار وخسائر بشرية في الدول الإسلامية في السنوات اﻷخيرة أكبر بكثير من الدمار الذي حدث بأمريكا ولخرجنا بنتيجة أن غضب الله عز وجل على العرب أو على المسلمين بشكل عام أكبر بمئات المرات من غضبه على أمريكا ﻷن الخسائر التي حدثت بسبب اﻹعصارات اﻷخيرة في أمريكا هي خسائر إقتصادية ، وهذا النوع من الخسائر يرهق فقط الفقراء المساكين الذين لا علاقة لهم بأي شيء مما تفعله الحكومة اﻷمريكية من أخطاء بحق العرب أو المسلمين أو الشعوب اﻷخرى ، فالرؤساء والوزراء وكبار السياسيين وقادة القوات المسلحة هناك الذين هم أساس تلك المشاكل التي وقعت على الدول العربية واﻹسلامية فهم يعيشون في أمان ونعيم ، وكذلك اﻷغنياء الذين بعضهم يشارك في أخطاء الحكومة اﻷمريكية فهؤلاء لديهم من المال ما يكفيهم ليعوضوا خسائرهم التي حدثت بسبب الكوارث الطبيعية فهذه اﻷعاصير لن تؤثر عليهم بشيء . بينما خسائر الدول اﻹسلامية هي خسائر كبيرة على الصعيد اﻹقتصادي وعلى الصعيد البشري ، فعدد ضحايا المسلمين بسبب الحروب اﻷهلية في الفترة اﻷخيرة تعادل آلاف أضعاف ضحايا اﻹعصارات في أمريكا حيث ضحايا إعصار إيرما والذي يعتبر من أخطر اﻷعاصير التي مرت على أمريكا لم يتجاوز ضحاياه في أمريكا الـ10 وفيات . ومعظم ضحاياها وخسائره كانت في بلدان أخرى ليس لها علاقة بولايات اﻷمريكية المتحدة ككوبا مثلا ، فما علاقة كوبا بمشاكل الدول العربية واﻹسلامية ؟

ما يهمنا هنا في هذه المقالة هو نوعية الدعاء الذي دعا به العديد من المسلمين على الشعب اﻷمريكي اثناء معاناته من موجة اﻹعصارات المدمرة التي إجتاحت بلاده ، فقبل أيام رأيت مقطع فيديو يظهر به شخص مسلم عراقي وهو في ساحة الكعبة يشكو أمره لله ويدعو له أن يعاقب أمريكا وإنكلترا وإسرائيل ﻷنهم قتلوا أفراد عائلته . ....... فذهب البعض ونشر هذا الفيديو على أن الله عز وجل إستجاب لدعاء هذا الشخص وأرسل هذه اﻹعصارات لتدمر الشعب اﻷمريكي.

ونرى أيضا داعية إسلامية مشهور في تغريدة كتبها عن إعصار إيراما يقول فيها (اللهم إنا نستودعك المبتعثين وكل المسلمين والضعفاء ، اللهم اجعل شدته وبأسه على الظلمة والفجرة وأعداء الإسلام وأرهم ضعفهم وقوتك ).

هناك تعليقات كثيرة تذكر أدعية إلى الله عز وجل أن يدمر أمريكا وتعليقات أخرى تعبر عن الفرح والرضى لما يعاني الشعب اﻷمريكي من هذه الكوارث الطبيعية . ومن يتمعن جيدا في نوعية ردة فعل المسلمين من خلال تعليقاتهم على تلك الإعصارات ، سيتساءل مع نفسه ما علاقة صفات هؤلاء المسلمين مع صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما علاقة هذا الدين الذين يؤمنون به اليوم مع دين اﻹسلام وتعاليمه كما أنزله الله على نبيه محمد. هناك تناقض مطلق بين سلوك مسلمين اليوم مع سلوك الرسول ، وسنحاول شرح هذا التناقص بهذا المثال الذي ذكرته في مقالات سابقة :

معظم اﻷدعية والتعليقات المذكورة بخصوص موجة إعصارات التي إجتاحت أمريكا (هارفي ، كاترينا ، ويلمان،إيراما،نورما ، خوسيه) تحمل في مضمونها اﻹنتقام والحقد والرضى والفرح لما أصاب الشعب اﻷمريكي ، تشابه تماما ذلك الدعاء الذي ظهر في الفترة اﻷخيرة بعد إحتلال فلسطين وتكوين دولة إسرائيل والذي يقول ( اللهم أحصي اليهود عددا، وأهلكهم بددا ،ولا تبقى منهم أحدا ) من صاحب هذا الدعاء لا أعلم. ولكن رأيته في مواقع كثيرة كتبت عن مواضيع تتعلق بالشعب اﻹسرائيلي ، ومن لا يعلم حقيقة هذا الدعاء سيظن من كثرة إستخدامه بأنه ربما مقطع من حديث شريف أو من آية قرآنية للتعبير عن حقد اﻹسلام على اليهود.ولكن في الحقيقة اﻷمر مناقض تماما لما هو موجود في اﻵحاديث واﻵيات القرآنية.

لننظر إلى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم . يقول الرسول وهو يقف على باب قرية خيبر اليهودية الذين أساءؤوا إلى النبي والمسلمين ( اللهم. .....نسألك خير هذه القرية ،وخير أهلها ،وخير ما فيها ،ونعوذ بك من شر هذه القرية ،وشر أهلها ،وشر ما فيها ) . في دعاء الرسول نرى أنه قد فصل بين أعمال الخير واعمال الشر و طلب من الله أن يحمي الخير في اليهودي الصالح وان يهلك الشر في اليهودي السيء. ولم يعمم موضوع الهلاك على جميع سكان هذه القرية اليهودية. تمعنوا جيدا في دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام فهو لا يطلب من الله أن يهلك اليهودي السيء ولكنه يطلب منه أن ينزع الشر منه ليتحول إلى إنسان صالح وهو لا يطلب من الله أن يدمر المدينة ولكن أن ينزع منها الشر لتتحول إلى مدينة صالحة .....والسؤال هنا : ما علاقة دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام مع ذلك الدعاء الذي يستخدمه اليوم المسلمين ضد اليهود ؟ في هذا الدعاء يطلب المسلم من الله ان يهلك جميع اليهود اﻷطفال والنساء والشيوخ واليهود الطيبين واليهود الفاسقين هكذا فطالما أنه يهودي فيجب عليه الهلاك ،هذا الدعاء لا يمكن أن يكون دعاء إنسان مؤمن ﻷنه دعاء مناقض لدعاء الرسول ومشابه تماما لدعاء فرعون نفسه الذي أراد القضاء على قوم موسى عليه الصلاة والسلام ولكن الله لم يستجب له وأهلكه هو وجنوده.

لذلك اليوم وبسبب ظهور هذا النوع من الدعاء في نفوس المسلمين، نرى أنه قد أصبح عكس ما يتمناه المسلمين ، حيث الشعب الإسرائيلي يعيش معزز مكرم ومعظم دول العالم تفتح لهم أبوابها ، بينما نجد ملايين المسلمين مشردين نزحوا من بلادهم بسبب الحروب الطائفية يبحثون عن دولة مهما كانت ديانتها لتأويهم ، ومعظم دول العالم راحت تغلق أبوابها أمامهم وتنظر إليهم وكأنهم وباء يهدد سلامتهم وسعادتهم. كثير من هؤلاء النازحين المسلمين غرقوا في البحر اﻷبيض المتوسط أثناء عبورهم نحو الدول اﻷوربية ، وكثير منهم يعيشون بعيدا عن بلادهم في معسكرات مغلقة وكأنها سجون عائلية يعانون فيها من سوء التغذية وسوء المعيشة. .....

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم في اﻵية 53 من سورة فصلت " سنريهم آياتنا في اﻵفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. ... " لذلك قبل أن يحاول هؤلاء الشيوخ المسلمون تفسير ظهور تلك الموجة من اﻹعصارات التي ضربت الشواطئ اﻷمريكية فيما إذا كانت عقاب أو غضب أو إنتقام إلهي ، عليهم أن ينظروا إلى ما يحصل في الدول العربية واﻹسلامية التي معظمها وصلت أحوالها إلى أسفل السافلين ، علينا أن نتوقف عن السخرية لما يحدث من كوارث في اﻷمم اﻷخرى وأن ننظر إلى أنفسنا وما يحدث بنا ، علينا أن نفهم أن سبب تلك الكوارث التي تعيشها اليوم المجتمعات اﻹسلامية هي علامات إلهية تبين لمسلمي العصر الحاضر بأن اﻹسلام كما أنزل على نبيهم محمد قبل 1400 عام قد أصبح بالنسبة لهم دين غريب وأنهم قد خرجوا عن تعاليم دينهم السامي وجعلوا هذا الدين

مناقض لدين اﻹسلام ، لذلك أصبحت اﻷمة اﻹسلامية أمة ضعيفة متخلفة تنهش بها الطائفية من كل جانب. ما تعاني منها اﻷمة اﻹسلامية أيضا تعاني منه الكثير من اﻷمم بسبب تلك الكراهية والبغضاء التي سيطرت على نفوسهم وسلوكهم.

إن سفر التكوين اول كتاب من التوراة يبدأ بقصة جريمة قتل قابيل ﻷخيه هابيل بسبب حقده على أخيه ، وهابيل الضحية اﻷولى في تاريخ البشرية يقول ﻷخيه " لئن بسطت يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي إليك ﻷقتلك إني أخاف الله رب العالمين. ..28 المائدة " ، وينتهي سفر التكوين بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام الذي بسبب غيرة أخوته منه وحقدهم عليه باعوه ليصبح عبدا في مصر ، في نهاية هذه القصة نجد أن يوسف عندما أصبح وزيرا على مصر ورغم أنه كان يملك من القوة ليعاقب وينتقم من أخوته كما يشاء ، ولكن نجده بدلا من ذلك يسامحهم وينقذهم من سنوات العجاف ، هذا هو الهدف الحقيقي لخروجنا من الجنة أن ننزع شوائب الحقد والكراهية من أنفسنا لنصل إلى مستوى هابيل ويوسف ، ليس من الصدفة أن يذكر الله في سورة يوسف اﻵية 3 ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن. ..." فسبب وجود هذه اﻵية في سورة يوسف هو ليؤكد الله عز وجل للمسلمين بأن المحبة والمسامحة ومساعدة اﻵخرين هي من أرقى صفات اﻹيمان ، وأنه عليهم أن يصلوا إلى هذا المستوى من اﻹيمان.

جميع الحضارات ولدت على يد مفكرين وعلماء يؤمنون بهذا السلوك والذي عبر عنه الفيلسوف اﻹغريقي سقراط " لا يوجد إنسان يريد عمل الشر ، إذا كان باستطاعته عمل الخير ". هكذا يجب أن ننظر إلى كل إنسان مهما كان عرقه أو دينه، بأنه يحمل جزء من روح الله في داخله ،ويجب علينا مساعدته لتستطيع روح الله في داخله أن تسيطر على سلوكه وأفعاله. يجب أن ننظر إلى شعوب اﻷمم اﻷخرى من خلال أطفالها فهؤلاء اﻷرواح البريئة مسؤوليتهم تقع على جميع الكبار في جميع اﻷمم والديانات ، ومن أجل هؤلاء اﻷطفال لينموا في بيئة روحية صالحة يجب أن نساهم في زرع المحبة والسلام بين اﻷمم والشعوب.

الدعاء على اﻵخرين بالدمار والكوارث سيجلب على الداعي وعلى شعبه الدمار والكوارث ، هذا قانون كوني ، وهذا تماما ما يحدث اليوم في اﻷمة اﻹسلامية واﻷمم اﻷخرى ، حيث كل أمة تتمنى السوء للأمم اﻷخرى فنجد السوء قد أصاب جميع اﻷمم فمعظمها تعاني اليوم من سوء اﻷحوال اﻹجتماعية والطبيعية..... دعاء المؤمن الحقيقي لكل من أساء إليه يجب أن يكون مشابه لدعاء اﻷنبياء الذي يمكن تلخيصه بهذه العبارة ( إلهي زدهم علما وإهديهم إلى صراطك المستقيم لعلهم يفلحون ) عندما يصل المسلمون إلى إستخدام مثل هذا النوع من الدعاء ، عندها سيحن الله عليهم وينقذهم من ذلك الوضع الفظيع الذين يعيشون فيه.

وسوم: العدد 739