لماذا التطرف والتوحش؟!

أ.د. مُحمَّد سَعيد حوّى

خطبة الجمعة 27/ 3/ 2015م

7/ جمادى الآخر/ 1436ه

أ.د. مُحمَّد سَعيد حوّى

من خصائص هذا الدين المجمع عليها اليُسر و الاعتدال ونبذ الغلو قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ، يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ﴾ [النساء:26- 28]

﴿ ... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]

قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[الحج: 78]

وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143]

وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]

وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]

وقال r: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا» البخاري، حديث رقم 6463 .

وقال r:  عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ «الْقُطْ لِي حَصًى» فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ وَيَقُولُ «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ، فَارْمُوا» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ»سنن ابن ماجه، صحيح، حديث رقم: 3029 .

 وغيرها من النصوص كثيرة تبين خصائص هذا الدين أن الله أراد لنا به الخير والهداية والرحمة ورفع الحرج والإصر والأغلال وتحقيق الطمأنينة والسكينة والاعتدال والتسامح.

نعم القوة من واجبنا السعي لامتلاكها ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]

لكن استخدام القوة له ضوابطه وأصوله، وأسبابه فمثلاً قال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج:39- 40]

وقال تعالى:﴿ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ﴾ [النساء: 75]، فحدد منهجية الجهاد رفعاً للظلم وإحقاقاً للحق ودفعاً للباطل وتحقيقاً لكرامة الإنسان وحرية الاختيار.

وقال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]

وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]

ومع ذلك فعندما يُسالمنا الآخرون فلا سلطان لنا عليهم قال تعالى:

﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 90]

وقال تعالى: ﴿ لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]

وغاية الجهاد إذن تحقيق معنى قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]

فإذا كان هذا شأن ديننا واضحاً في رسالته الإنسانية والوسطية ورسالة الرحمة ورسالة القوة في مكانها المنضبطة؛ فلماذا إذن يقع التطرف والارهاب من بعضهم؟

بدايةً في كل أمة ودين وملة وقوم من هو متطرفٌ وإرهابيٌ وغالٍ ومتعصب ومجرم فهذه الأمور ليست مقصورة على جهة بعينها وأيضاً أخطر أنواع الارهاب إرهاب الدول؛ فهؤلاء الصهاينة يُقتلّلون وينفون أهل الأرض ويحاصرون ،وها هم أهلنا في غزة يكاد يقترب حصارهم العشر سنوات وبأيدي بعضنا نحاصرهم، وها هم أهلنا في سوريا يكاد يقترب عدد الشهداء من النصف مليون، وها هم أهلنا في العراق يتعرض أهل السنة إلى حرب إبادة وتطهير عرقي، وها هي إيران تعبث بأمن المنطقة، وها هم الدولة الكبرى يسعون لإيجاد الفوضى في كل مكان لمزيدٍ من الاستنزاف والتمزيق والسيطرة، إذن احصرُ سؤالي هنا في ظاهرة التطرف والارهاب والقسوة والتوحش المنسوب إلى بعض الإسلاميين، لماذا؟!

هل بسبب الفقر والتهميش والاقصاء؟

جواب: قد تولد هذه الأمور إجراماً لكن ليس بالضرورة أن تولد إرهاباً وتطرفاً، وكثير ممن ينسب للتطرف والارهاب ليسوا فقراء.

هل بسبب الجهل والأمية وعدم وجود التعليم المناسب؟

جواب: كثير ممن يُنسبون للتطرف والارهاب ليسوا كذلك.

هل طبيعة العرب أو بيئة الصحراء أو ثقافتنا سبب ذلك كما يزعم البعض؟

جواب: إن كثيراً ممن يُنسبون للتطرف والارهاب والتوحش ربما جاءوا من بيئات أوروبية وغيرها فليس لها بيئة واحدة.

هل اليأس ؟، لا إذ أكثر من يفعل ذلك لو أراد أن يعيش حياة طبيعية لكان له ذلك.

هل النصوص الموجودة عندنا سواءً آيات قرآنية أو الفتاوى عامة التي تدعو إلى مطلق. هل هذه تولد مثل هذا التفكير وغيرها من الفتاوى المنسوبة إلى بعض الفقهاء؟

جواب: هذه موجودة عبر 14 قرن واختلف الناس في فهمها وتطبيقها حاشَ الآيات القرآنية، ومع ذلك ليس هي التي تولد ظاهر التطرف والقسوة مهما كان بعضهم أساء الفهم لكن ربما البعض يستغلها بعد وجود الظاهر.

إذن لماذا يوجد التطرف والتوحش؟ نريد إجابة صريحة و واقعية وحقيقة.

الجواب عندي:

القهر والظلم الشديد الذي تُمارسه الدول ضد شعوبها و سحق هذه الشعوب وسحق كرامتها وانتفاء العدالة الإجتماعية عموماً، فأنت ترى في العراق كيف يُتعمد سحق فئة من الناس من أهل العراق لأنهم لم يوالوا إيران، وكيف يُسحق الشعب الفلسطيني، وكيف يموت الناس في التعذيب في السجون وفي بعض البلدان، وكيف يحاصر أهلنا في غزة، وكيف يُقتّل الناس في سوريا، عندما تجتمع هذه الظواهر لا بدَّ إذن أن يكون هنالك ردات فعل، إضافة إلى ما يلمسه بعض الشعوب من تآمرٍ عالمي على أبناء الإسلام.

المحادة لله ولرسوله ورفض تحكيم شرع الله، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [المجادلة: 5]
وقال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ﴾ [المجادلة: 20]
وقال:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]

وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]

وقال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]

إقصاء المعتدلين من ذوي الفكر الإصلاحي ومحاربتهم.

ممارسة بعض الجهات الإرهاب الفكري الذي يقوم على التكفير أو التضليل التبديع،مما يؤدي إلى احتكار الحقيقة مما يولد مثل هذه الحال، وهذا يحتاج إلى بيان.

وبالتالي لا يمكن أن نعالج هذه الظواهر (تطرف، وتوحش) إلا:

1- صلحٌ حقيقيٌ مع الله.  

2- تحقيق العدالة الإنسانية والحرية الإنسانية الكريمة.