إن خطب الجمعة التي لا تعرض واقع الناس على الكتاب والسنة للعودة بهم إلى هديهما لهي محض لغو

يكاد الناس في زماننا هذا يحضرون الجمع لمجرد خوفهم من مخالفة أمر الله عز وجل  بحضورها ،  وتجنب ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم  في قوله : " من ترك ثلاث جمع من غير عذر طبع الله على قلبه " وقوله : " لينتهيّن أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمنّ الله على قلوبهم ثم ليكوننّ  من الغافلين "، ولولا هذا لتخلفوا عنها بسبب ضجرهم مما يلقى عليهم من خطب لا هي  تلامس واقعهم ، ولا هي تعرضه على الكتاب والسنة لتعود بهم إلى هديهما وليكون  خوضهم غمار الحياة محتكما إليهما ، وقد صارت بذلك محض لغو مع أن حديث منع اللغو يتلى كل جمعة على الناس إلا أن من يخطبون فيهم يتورطون في اللغو بما يتناولونه من مواضيع فارغة المضمون بعيدة عن واقعهم ، ولا تعالج منه شيئا ، ومعظمها مستهلك مكرور .

ومما زاد بلة في الطين  كما يقال بخصوص خطب الجمع أنها بعد انقطاع طويل بسبب الجائحة ،عادت وهي لا تزال تحت تأثير أجوائها حيث اختزل وقت إلقائها اختزالا مخلا بذريعة تجنب مكث الناس في المساجد أطول مما يجب . ومع اختزالها المخل لم تعد تؤدي وظيفتها على الوجه المطلوب بل صار هاجس معظم الخطباء تجنب الرقباء الذين يبلغون عنهم إلى  الوزارة الوصية إن هم زادوا  في توقيت إلقاء خطبهم دقائق معدودات أو حدثتهم أنفسهم بعرض أحوال معلومة من الواقع على الكتاب والسنة ، والكشف عن مخالفتها لهما ،علما بأن على رأس هذه الوزارة وزير كل همه هو تعقب الخطباء ومحاسبتهم وفصلهم  إن هم لم يوافقوا هواه ، وهو هوى معروفا لم يعد خافيا على أحد ، و له ما يدل عليه في بعض ما  يحسب على ما يسمى  بأنشطة دينية ،والتي  إذا ما عرضت على الكتاب والسنة أنكراها إنكارا.

ولقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام غير الرسمية تنوب عن منابر الجمعة في إنكار ما يعرفه الواقع من منكر ، وتصحيح ما يعتريه من انحراف عن هدي الكتاب والسنة ، وكان الأولى أن تضطلع تلك المنابر بهذا الأمر لما لها من مصداقية لدى الناس . فما معنى أن تحصل على سبيل المثال  زلة لسان من وزير، فتنتقدها وسائل الإعلام ،ووسائل التواصل الاجتماعي في حين لا يجرؤ الخطباء على تناولها في خطبهم لتصحيحها ،لأنهم إن فعلوا ذلك كان لهم وزير " جارات موسى" بالمرصاد ، وكان مصيرهم العزل ، وهو الذي عزل من عزل منهم لمجرد انتقاد بعضهم المهرجانات العابثة التي هي عنده في حكم المقدس الذي لا يجوز انتقاده  ، وهناك أسباب عزل أخرى على غرار المهرجانات  عزل بسببها خطباء  .

أليس في واقع الناس أخطاء يقع فيها مسؤولون كبار وصغار يوجب ديننا الحنيف أن تصحح من باب النصح لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام أم أن خطباءنا في هذا الزمان يخشون الوزير ،ولا يخشون الله عز وجل ؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، ومن تبعهم بإحسان  من التابعين وتابعيهم يعالجون الواقع بتصحيح ما اعوج منه لا يخشون في ذلك لوم لائم ، ولا يميزون في انتقادهم بين عظيم وحقير ، أو قوي وضعيف ... وكان القوي عندهم ضعيفا ومتهما حتى يخضع لشرع الله عز وجل، والضعيف قويا ما دام متمسكا به .

وفضلا عن انصراف الخطباء عن معالجة ما يعج به الواقع من انحرافات خوفا من سطوة الوزير ، فإن بعضهم ـ ودون تعميم ـ تحتاج ألسنتهم إلى أن تقوّم ببعض قواعد اللسان العربي  إلى جانب افتقارهم إلى ما يتطلبه أدب الخطابة من بلاغة وفصاحة ، وحسن استشهاد وحسن أداء  ... مما يجعل من يحضرون خطبهم يشفقون عليهم من مسؤولية الخطابة  الجسيمة ، وتكاد أحاديث الناس عقب الانصراف من الجمع تدور حول خطبهم وما يعتريها من هفوات وزلات على مستوى المباني والمعاني  ، وهو ما لا تعيره الوزارة الوصية اهتماما لأن شغلها الشاغل هو ألا يطيل الخطباء في إلقاء خطبهم ، وألا تعالج قضايا الواقع المعيش بعرضها على الكتاب والسنة بل تريدهم تنكب ذلك ، والخوض فيما لا طائل من ورائه لحمل الناس على التضجر من حضورها حتى صار كثير منهم لا يحضرون سوى الصلاة التي تعقبها لأنهم يئسوا من جدواها ، وصاروا يجدون في وسائل  الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي ضالتهم المنشودة  وبديلا عنها.

ومع أن تحت قبة البرلمان من استأمنهم الناس على الحديث باسمهم  والنيابة عنهم في انتقاد أداء المسؤولين ، فإنهم قلما ينتقدون الوزير الوصي على الشأن الديني بخصوص خطب  الجمع التي حادت عن نهجها الذي رسمه لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون مسايرة لواقع الناس فتعرضه على الكتاب والسنة ، لا تحابي  ، ولا تجامل أحدا مهما كان  ، ولا تخشاه . وإذا ما حصل أن انتقد وزير الأوقاف ، فإنه  يعبس ويغضب ويزبد ويرغي ، وهولا يرضى بنقد، ولا حتى  بنصح أو إهداء عيب لأنه يعتبر نفسه فوق النصح والنقد والعيب  ، وكل ردوده تكون عبارة عن تبريرات  ينطبق عليها القول المشهور " أعذار أقبح من الزلاّت " .

وأخيرا نقول إذا كان الناس يحضرون الجمع على ضحالة خطبها  حتى لا يطبع على قلوبهم ، فعلى الخطباء الذين لا يقومون بواجبهم على الوجه الأكمل أن يخشوا أيضا من  أن يطبع على قلوبهم بسبب ذلك . وعلى الوزير الوصي على الشأن الدين أن يستحضر أنه سيوقف بين يدي الله عز وجل ويسأل عن وصايته على هذا الشأن وما فعل  به أو فيه  .

وسوم: العدد 960