الخطابة فنّ

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

قراءة في حديث

عن عائشة رضي الله عنها:

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرَأ هذه الآياتِ يومًا على المِنبَرِ : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] )ورسولُ اللهِ يقولُ هكذا بإِصبَعِه يُحرِّكُها يُمجِّدُ الرَّبُّ جلَّ وعلا نفسَه : ( أنا الجبَّارُ أنا المُتكبِّرُ أنا الملِكُ أنا العزيزُ أنا الكريمُ ) فرجَف برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المِنبَرُ حتَّى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به

أخرجه ابن حِبّانَ في صحيحه

سباحة في الحديث

1-  الإشارة بكلمة ( هذه الآيات )قبل أن تُقرأ تنبيهٌ واستحضار للذاكرة كي لا يضيع شيء من الكلام ، وهذا اسلوبٌ تربوي نجده كثيراً في أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم.

2-  وقراءتها على المنبر ليسمعها الكثير من الصحابة بيانٌ لأهميتها، والحاضرون في خطبة الجمعة – عادة – أكثر في غيرها من الصلوات.

3-  وتشير (قراءة الآيات) أنها غير الكلام الذي تجيء الآيات في طياته ، وتُقرأُ مجوّدة مرتّلةً وتجويد القراءة في القرآن مطلوب  لتتميّز عن كلام البشر، ومن يفعل غير ذلك جانب الصواب.

4-   اكتشف علماء الفلك مجرّة في السماء الدنيا قطرها خمسون مليار سنة ضوئية  وبينها وبين أقرب مجرة إليها أضعاف مسافة القطر ، فكم قطر السماء الدنيا؟! .

5-  والسماء الدنيا للسماء الثانية كحلْقة في فلاة ، والسماء الثانية للسماء الثالثة كحلْقة في فلاة ، - وهكذا – فكم عِظَمُ الإله الذي يقبض هذه المخلوقات العظام بيمينه ، سبحانه وتعالى ؟.

6-  لن يُقدّر البشر عظمة ربهم إلا أن يكون حبُّه وخشيته في قلوبهم، إنه سبحانه صاحب الاسماء الحسنى ، من جمعها وفهمها حق فهمها وعمل بمقتضاها كان من الناجين ، اللهم ارزقنا هذا الفهمَ وحُسنَ العمل ، وارضَ عنا يا رب.

7-  الحركة في الكلام دليل على أمور كثيرة ، منها :

أ‌-     الانفعال الإيجابي الذي تنتقل عدواه إلى المستمع الرائي.

ب‌-أسلوبٌ من أساليب التأكيد للفكرة المطروحة.

ت‌-الإيحاءُ بصدق الحديث والإيمانِ به ودعوةٌ إلى التصديق والاهتمام.

ث‌-الدعوة إلى تعظيم الإله وتمجيده

8-  حين يطرق سمعك كلام الله تعالى يمجّد نفسه تأخذك القشعريرة وترى نفسك تقترب من الله حباً وخشية وعبادة وسمعاً وطاعة. ونقلُ حديث من لا تسمعه أذناك ولا تراه عيناك ، ويُحس به قلبك وتحنّ له أضلاعُك أمرٌ في غاية التأثير الإيجابيّ، وهذا أسلوب تعليمي رائع آخر يستعمله المعلّم الناجح لإيصال الأثر إلى المتعلّم.

9-  تكرار الضمير ( أنا ) في ثنايا الأسماء الحسنى أربع مرات يعزز المعنى ويقرب الصورة ، ويحيطها بشعاع رائع من القداسة والعظَمة ، فتفعل في النفس فعلها.

10-                     اختيار الأسماء الحسنى الثلاثة ( الجبار ،المتكبّر ، العزيز )التي توحي بالقوة والسيطرة والهيمنة والعظمة والقوة أسلوب تربوي نسميه " التعظيم" ينشر ظلال الخشية والرهبة والتذلل لهذا الإله العظيم الذي يستحق العبادة والطاعة. وهذا نسميه أسلوب ( الترهيب )

11-                     اختيار الاسم الرابع ( الكريم) وفيه ما فيه من العطاء والكرم والمدد والإحسان يوحي بأن مع العبادة والطاعة أجرٌ كريم يناله المؤمن ، وهذا نسميه أسلوب ( الترغيب) وكثيراً ما يجتمع الأسلوبان ( الترهيب والترغيب ) – ومن الناس من يستجيب للاسلوب الاول " وهم الأكثرية" وبعضهم – اصحاب النفوس الشفافة – يستجيبون للأسلوب الثاني (الترغيب )، "وهم الأقلية" .

12-                     للجماد إحساس وشعور ، رجَفَ برسول الله وكاد يخِرُّ خوفاً وخشية وإجلالاً وتعظيماً ، وهو الجمادُ . ولعلنا نتذكر جذع الشجرة الذي أنّ لفراق الحبيب حين تركه ، وقد كان يتكئ عليه في خطبه السابقة، وصعِد المنبر ، فسمع الصحابة أنينه . أفلا يليق بالإنسان أن يخشى الله تعالى ويحبه ويطيعه؟!

13-                     (حتى قُلْنا : لَيَخِرَّنَّ به) تصوير للحالة النفسية للصحابة ، يقصد منه :

أ‌-     التفاعل مع الحدث.

ب‌-تصوير الأثر الإيجابي للخطيب الصادق في دعوته المتمكن من إيصال المعلومة حية نابضة ، وما خرج من القلب دخل القلبَ ، وما خرج من اللسان لم يتَعَدَّ الآذان.

14-                     استعمال الكلمات المناسبة والموحية ذات الاثر البيّن في إيصال الفكرة

أ‌-     الأرض جميعاً قبضتُه.

ب‌- السموات مطويّات .

ت‌- يمجّد الربُّ نفسَه.

ث‌-أسماء الله الحسنة الدالة على القوة والعظمة .

ج‌-  رجف وخرّ ، فيهما الحركة ذات الإيقاع السريع المفاجئ

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا.