حب الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم

حب الصحابة الكرام

رضي الله عنهم وأرضاهم

محمد جمعة ابو الرشيد

[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد :

خطبتنا اليوم تدور حول

{ حب الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم }

وكيف لا نحبهم؟  وقد احبهم الله ، وأحبهم نبينا الكريم عليه ازكى الصلاة والتسليم   ، وكيف لا يُحَبُون؟  وأقوالهم وأفعالهم تأثرُ الألباب، وتدل على عظمة شخوصهم، وقوة شكيمتهم، وصدق إيمانهم ، ونقاء قلوبهم، وطيب سجاياهم .

لماذا الحديث حول حبُ الصحابة الكرام ؟

الصحابة – رضي الله عنهم – هم قدوة هذه الأمة بعد الأنبياء رضوان الله عليهم . والقدوة هي مصدر الإعجاب، والفخر ، والإقتداء ، وهي سرُ الحماسة ، وقوة العمل ،ومن طعن فيها ، فقد طعن في حاضر الأمة ومستقبلها ، وسلك بالأمة مسالك التيه والحيرة ،وقد استبشرت هذه الأمة في العصور المتأخرة بفضل الله عليها ، حيث اتجه شباب هذه الأمة الى التدين ، والإلتزام بالدين ، وقد كان للشيخين المجددين ، الشيخ / محمد بن عبد الوهاب/  والشيخ / حسن البنا/ رحمهما الله ، الدور الكبير بعد الله تعالى في حث هذه الأمة بالعودة الى معين العقيدة الصافي ، والفكر السليم، وازكاء القلب بنور التوحيد، وتحرير عقل الأمة عن الخرافات والدجل ، كما استبشر المسلمون بالثورة الإسلامية التي  تمكنت في إيران ،وقد جددت فيها اشواق الوحدة ، واشرابت أعناقُها للمجد التليد ، وحلمت بتوحيد الكلمة ، وجمع الصفوف.

ولما اصبح لتلك الثورة شارات وشعارات ، وصواريخ ودبابات ، وقناة ومذياع ، فإذا بها تسخر كل ذلك للنيل من اصحاب النبي ، والتعرض لعرض الحبيب عليه الصلاة والسلام ، وبذل الملايين لنشر المذهب الشيعي، فكيف يمكن أن تتوحد الأمة ، والثوابت تهدد ، والقدوات تهاجم ، والمثل الجميلة في حياتنا تشوه ؟؟؟

أيها الأخوة المؤمنون : صفات الصحابة من الصعب أن نحصيها ، ويكفينا في هذه الخطبة أن نتناول صفتين من صفاتهما ، ومن خلال الصفتين سوف يتضح لكل مسلم صادق الإيمان مكانة الصحابة الكرام ، ومنزلتهم في هذه الأمة ، ولن اتناول مسيرة جهادهم العظيم ، وبذلهم أقصى طاقاتهم لنصرة هذا الدين ، ولكن سوف اتناول صفتين ارتبطتا بسلوكهم، واصبحتا معلما بارزا في سيرتهم ،وهما :

1- صفاء قلوبهم .

2- الرحمة في معاملاتهم.

أما الصفة الأولى : فيكفينا أن نورد قول صاحب الظلال رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ). يقول سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة :

هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين , وحديث مع المؤمنين . مع تلك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] تحت الشجرة . والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها , ويده فوق أيديهم فيها . تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه وسلم: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة , فعلم ما في قلوبهم , فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) .

وسمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول لها:أنتم اليوم خير أهل الأرض " . .

وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف واربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين . أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون ; وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم , عن أولئك الرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود . .

وأحاول أن أستشعر بالذات شيئا من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم , أنهم هم بأشخاصهم وأعيانهم , يقول الله عنهم: لقد رضي عنهم .

ويحدد المكان الذي كانوا فيه ،والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: (إذ يبايعونك تحت الشجرة)

يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق , على لسان ربه العظيم الجليل . .

يالله ! كيف تلقوا - أولئك السعداء - تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي ؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد , في ذات نفسه , ويقول له:أنت . أنت بذاتك . يبلغك الله . لقد رضي عنك . وأنت تبايع . تحت الشجرة ! وعلم ما في نفسك . فأنزل السكينة عليك !

إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع: (الله ولي الذين آمنوا). . فيسعد . يقول في نفسه:ألست أطمع أن أكون داخلا في هذا العموم ؟

ويقرأ أو يسمع: (إن الله مع الصابرين). . فيطمئن . يقول في نفسه: ألست ارجو أن أكون من هؤلاء الصابرين ؟

وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون . واحدا واحدا . أن الله يقصده بعينه وبذاته .

ويبلغه: لقد رضي عنه ! وعلم ما في نفسه . ورضي عما في نفسه !

يالله ! إنه أمر مهول !

علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم .

وعلم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم .

وعلم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز ،

وضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] طائعين مسلمين صابرين .

فانزل السكينة عليهم . . بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار , تضفي على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة , بردا وسلاما وطمأنينة وارتياحا     .انتهت كلمات( صاحب الظلال) رحمه الله رحمة واسعة ، مع تصرف يسير فيها .

اذن كانت خطوة الى الله بالقلوب النظيفة ، والمخلصة ، والمتبتلة ، قلوب لم تحمل حقدا ولا ضغينة ، ولا حسدا ، ولا مكرا ، ولا خديعة ، نظر الله في قلوبهم ، فوجد فيها صدق التوجه اليه سبحانه وتعالى ، فأكمل لها صفاءها ، وبهاءها، ورونقها وجمالها ، وطهرها، وعفافها ، فهم أرق هذه الأمة أفئدة ، وأعذبها حلاوة ، وأقواها ايمانا ، واشدها ثباتا ، وأكثرها حبا لله ورسوله ، قلوب مخمومة  نقية طاهرة سليمة،

قلوب تحمل الإخلاص والصفاء .

قلوب تحمل الطهر والعفاف .

قلوب اذا رأت الباطل اشمأزت منه ، ودفعته .

قلوب اذا جدَ الجد نهضت  ووثبت وتقدمت .

قلوب لو طلب منها ازالة الجبال لأزالته .

قلوب لو طلب منها أن تشرب كل مياه المحيطات لشربته .

قلوب تعلقت بكتاب الله فحفظته .

قلوب احبت رسول الله فجالسته وخدمته .

قلوب تضحك للنكتة ، وتحب الجمال ، وتأنس بالسمر الطيب ، واللهو المباح.

قلوب اشتفت بظلام الليل ، وهجرت المضاجع ، وعافت الكرى ، ونفضت غبار الكسل .

أما الصفة الثانية : فهي صفة الرحمة ، يقول الله تعالى في وصفهم : (  مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ .... )

رحماء بينهم ( أي يكثرون الرحمة لبعضهم البعض ) لا ينظرون في بذل رحمتهم للآخرين الى وشائج القربى ، أو رابطة الدم ، بل كانوا يبذلونها لجميع المؤمنين ، فقد كان  يرحم بعضهم بعضا ، وقد سمعوا من نبيهم ، ( من لا يرحم لا يرحم ) بل كان عليه الصلاة والسلام كما وصفه ربه: ( حريص عليكم  بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ، وضَعك من رحمة بعضِهم بعضا ، فقد علَمهم – صلى الله عليه وسلم – الرحمة حتى بالبهائم العجماوات ، والإحسان لكل شيئ .

مزاعم الشيعة حول كراهية الصحابة لبعضهم :

صحيح أن الصحابة اختلفوا ، وحمل بعضهم على بعض السيوف ، ولكن لم يكن ذلك حقدا، مقتا ، وكراهية ، ولم يتآمر بعضهم على بعض ، ولم يكفِر بعضهم بعضا ، ولم يفسق بعضهم بعضا ،بل اختلفوا في فهم المسائل ، وترجيح المصالح ، وحتى عندما حارب بعضهم بعضا ، كانت قلوبهم تعتصر الما ، حتى قال على لمن جاء يبشره بقتل الزبير بن العوام : ( بشِر قاتل الزبير بالنار ) ، و هذا معاوية – رضي الله عنه - يزوره ( ضرار بن ضمرة) فيطلب منه أن يصف له الإمام على كرم الله وجهه فيقول ضرار : (أما إذ لا بد فإنه والله كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، ويتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب – ( أي غلظ أو بلا أدم )  كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدينا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ، ولا نبتديه لعظمته ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سجوفه ، وغارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم يعني ( الملدوغ ) ويبكي بكاء الحزين ، فكأني أسمعه وهو يقول : يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت ، أم لي تشوقت ، هيهات هيهات ، غري غيري ، قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ، ووحشة الطريق . قال فذرفت دموع معاوية رضي الله عنه فما يملكها وهو ينشفها بكمه ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، ثم قال معاوية : رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ، ولا تسكن حسرتها)

هكذا كانوا رضي الله عنهم .

يحب بعضهم .

يرحم بعضهم .

اما ما يردد الشيعة ، من أن الصحابة يكره بعضهم بعضا ، ويتآمر بعضهم على بعض ، فذلك ادعاء ينقصه الدليل والبرهان ، وقد سقتُ لكم آنفا بكاء معاوية  رضي الله عنه ، عندما سمع صفات امير المؤمنين على كرم الله وجهه، ولو كان نصب المنابر لشتم  سيدنا على ، فكيف يتنازل له الإمام الحسن رضي الله عنه عن الخلافة ؟ هل يتنازل الإنسان عن شاتم ابيه ؟ وخاصة عند الشيعة القائليين بركنية الإمامة ، فهل يجوز المسلم أن يتنازل عن ركن من اركان الدين؟ بل اعظم اركان الدين كما تدًعون !!

فإن قلتم أنه تنازل مكرها: !!! كيف يستقيم هذا وقد كانت البيعة معقودة له في جل أمصار المسلمين ، وسيوف الجموع الهادرة من مختلف الأمصار تحت امارته، وهو الذي عرف بشجاعته ، وبسالته ، ودهائه ، فكيف تتهمونه بالجبن والخور ؟

فقه الإمام الحسن رضي الله عنه وأرضاه :

الإمام الحسن بن على من شباب اهل الجنة،وسبط رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سماه جده الحسن ، كان أشبه الناس برسول الله  عليه الصلاة والسلام إذا أردت أن تصف النبي تصف الحسن، وإذا أردت أن تصف الحسن تصف النبي - عليه الصلاة والسلام-  يشبهه في جمال وجهه، وشموخ وقفته، وحسن مشيته ،وجلال قعوده .

كان أحيانا هو والحسين ينتظران النبي يلعبان معه فإذا سجد يثَِبان على ظهر النبي  عليه الصلاة والسلام فيأتي الصحابة وأهل بيته ليزيلانهما عن ظهره فيشير إليهم أن دعوهما خلوهم يفرح النبي  عليه الصلاة والسلام بهذا.

بل يوم من الأيام كان يقوم في الخطبة خطيبا فرأى أحد ولديه يمشي في الرمضاء وعليه ثياب حمراء، وقد تعثر بها وسقط ، فنزل النبي من المنبر فحمله ثم جاء به، وأكمل خطبته أي حب هذا أي تعلق هذا بالصبي؟؟؟

ويدخل بيت انته فاطمة – رضي الله عنها - فيسألها أثم لُكَعْ؟ لكع في اللغة العربية تأتي في أحد معانيها الصبي الصغير يعني وين الصبي الصغير؟ وين ولدي؟ يقصد وين الحسن؟ وكانت فاطمة تغسله،وتلبسه، وتنظفه، وتطيبه للنبي  عليه الصلاة والسلام، يقول أبو هريرة: فإذا به يخرج- الله أكبر- كفلقة قمر شبيه النبي يخرج والنور يملأ محياه يخرج وقد غسلته ،وطيبته فاطمة، يقول أبو هريرة: فركض الصبي وركض النبي واعتنقا بعضهما.

ميراث الحسن لهذه الأمة :

  قد ترك الحسن لهذه الأمه فقه الإصلاح ، حيث اقنع في زمنه المتخاصمين بأهمية وحدة الأمة الإسلامية، سواء كان ذلك من حيث الفتوحات ، اومشروع النهضة الشاملة ، أوالتمكين لدين الله ، وقد اصَل بفعله هذا كيف يكون ادب الخلاف ، وكيف نُعمِل فقه المقاصد ، ونرتب الأولويات ، فبدلا من ان تنظر الأمة في فقهه الجامع ، وتحاول أن تسير على منهجه في فقه الإصلاح ، وجمع الأمة ، يريد قطاع من هذه الأمة ، أن ينسج المشانق للقطاع الآخر من حبال التاريخ ، ويجعل الأمة اسيرة لنتوءات الماضي وقد افضى القوم الى ما قدم ،( تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمَا كانوا يعملون ) ورحم الله الجميع ، نقول كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : تلك حرب عصمنا منها أيدينا فلا نخوض فيها بألسنتنا .