درس ما بعد غزوة أحد

العلامة محمود مشّوح

14 / 10 / 1974

( 5 )

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

استعرضنا نهار البارحة صورة المقاتل المسلم الذي يستحق أن يتنزّل عليه النصر من عند الله تعالى ، وهي صورة المقاتل الذي لا يهاب الموت ولا تقعده الآلام ولا يتسرب الضعف إلى نفسه ، ولكنه يمضي لأمر الله تعالى مصمماً صابراً واثقاً بأنه صائر إلى ما وعد الله عباده المؤمنين ( وكأين من نبيٍ قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) ولا يشك أي متأمل في هذا الكلام الإلهي أن صورة المقاتل الذي يمضي تحت راية الأنبياء صورة فريدة في بابها ، وعند التحليل لهذه الصورة فإن من المؤكد أنه سيكشف عن عوامل القوة ومرشّحات النصر فإذا هي هذا الصبر ومغالبة الضعف وعدم الاستكانة والالتصاق بجناب الله جلّ وعلا ، ثم التبرؤ من كل حولٍ وقوة واللجوء إلى حول الله جلّ وعلا وقوته ..

من أجل ذلك فإننا نجد مشركين على اختلاف مللهم ونحلهم ، كما نجد منافقين أهل الشك والريب لا همّ لهم إلا أن ينتقصوا من هذه الصورة وأن يضعفوا من أثرها ، لأن هذه الأوصاف وهذه الخصائص وهذه الخلائق هي التي تشكّل عوامل الامتياز في هذه الأمة المؤمنة . فمن أجل ذلك كان إيمان هذه الأمة هو هدف الهجوم المستمر من أعداء الله تعالى ، يقول الله جلّ وعلا بعد الآيات التي استعرضناها نهار أمس ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) والله جلّ وعلا ذكر الكافرين الذين كفروا بهذا اللفظ الشامل الذي يجمع المشرك مع اليهودي مع النصراني مع المجوسي مع المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، فكل هذه الملل والنحل وكل هذه الأمم الضالة لها هدف واحد عند هذه الأمة هي أن يزحزحوها عن دينها ، النصارى يريدونهم نصارى ، واليهود يريدونهم يهوداً ( وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين) كما أن الكافرين مطلقاً لا يهتمون لشيء إلا بأن تكفر هذه الأمة ، قال الله تعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) إن الكافرين على اختلاف مشاربهم جرّبوا المسلمين في مواقع الصدام فرأوا قلة المسلمين تغلب كثرة الكافرين ، وجرّبوا المسلمين في ميدان العلاقات الشخصية فوجدوا المسلمين يتحلون بالذمة والوفاء والشرف والاستقامة ، وجرّبوهم في ميادين الفكر والعلم فوجدوا المسلمين يمتازون عليهم بصفاء النظرة وسلامة الإدراك وسدادة التفكير ، وجدوا المسلمين يمتازون على الكافرين في أي ناحيةٍ من نواحي الحياة ، وليس من تعليل لهذا الامتياز إلا بهذا الإسلام الذي جاء للناس فاستمسك به المسلمون ورفضه الكافرون .

لولا هذا الإسلام لكان المسلمون في ميدان الأخلاق الشخصية قوماً سفلةً منحرفين كغيرهم من الأمم بلا غَيرة وبلا شرف وبلا كرامة ، ولولا الإسلام لكانت العلاقات الشخصية بين المسلمين قائمةً على أساس الصدام والصراع والعداء والبغضاء ، ولكن الإسلام الذي هذّب النفوس أبقى للأخوّة وللمحبة مكاناً في هـذه العلاقات ، ولولا الإسلام ما كان ممكناً أن ينتصر المسلمون في أية موقعة ، لأن المسـلمين بالنسبة إلى الآخرين كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، هم قلة ، فلما رأى الكافرون ذلك وعرفوا مصدر القوة في هذه الأمة صبّوا نقمتهم على هذا المصدر ، أرادوا أن يسلبوا الأمة امتيازها وهو الإسلام ، كما أرادوا أن يزيلوا مـن الوجود شهادةً حيةً ناطقةً على هوان الكفر وضعف شأنه . ولهذا فالمسلمون ما تحركوا حركةً في صدر تاريخهم بل حتى هذه الأيام إلا كانت مثار تشكيكٍ وارتيابٍ وطعنٍ من قبل الكافرين على اختلاف نحلهم .

حينما عاد المسلمون من بدر ، وهذه واقعة ذكرناها لكم ، لقيه اليهود بالرغم من المعاهدات والمواثيق التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين قبائل يهود حين الهجرة إلى المدينة ، وبدلاً من أن يرفعوا إليه التهنئة بانتصاره على المشركين وهم على الأقل ـ أي يهود أهل كتاب ـ لم يمسكوا أنفسهم ولم يسيطروا على سخاء قلوبهم ، فقد قالوا له عند اللقاء : يا محمد لا يغرنك أنك لقيتَ قوماً لا علم له بالحرب فوالله لو حاربتنا لعلمتَ أننا نحن الناس . وهكذا الحقود ، في مواقف الشرف والبطولة ، في مواقف الامتياز التي يقفها الآخرون ، لا يستطيع أن يكفكف غرب أحقاده ، والله جلّ وعلا يقول ( أم حسب الذين كفروا أن لن يخرج الله أضغانهم ) لا يمكن لصاحب الضغينة والريب والشك أن يستر ما به من مرضٍ أكولٍ يفتك بفؤاده ويفتك بقلبه .

كذلك فحين حاول المسلمون الخروج إلى غزوة أُحد كان المنافقون يشككون ويطعنون ، وكانت اليهود تشكك وتطعن ولو من وراء ستار ، كانوا يشككون في جدوى الخروج ، ويرون أن المسلمين يلقون بأيديهم إلى التهلكة ، ويضعون فلذات أكبادهم بين براثن الأسد ، ويغامرون المغامرة التي لن تبقي ولن تذر . ولم يكتفوا بهذا ، فقد يكون ثمة عذرٌ لمن يرى جمعك قليلاً ويرى أعداءك كثيرين فينصحك بالخروج ، قد يكون له عذرٌ من الشفقة وعدم القدرة على تصور النصر ، ولكن ما معنى الطعن في الدين والتشـكيك في العواقب حينما يتحرك المسلمون للقاء أعدائهم ، هذا لا معنى له إلا إرادة أن يقع المسلمون في الهزيمة والخذلان . الحركة التي أتى بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بانسحابه بثلث الجيش في منتصف الطريق لم تكن بعيدةً عن سحابة التشويش التي رافقت الاستعداد للخروج إلى أُحد ، ورافقت أيضاً عملية الخروج إلى أُحد . فالكافرون إذاً أثاروا غباراً كثيفاً ، وقالوا ( غرّ هؤلاء دينهم ) ورأوا أنهم بهذا التشكيك والطعن قد يستميلون بعض المسلمين فيردوهم عن دينهم إن استطاعوا . والله جلّ وعلا استحيا هذه الوقائع ، أما درسها بالنسبة للذين كانوا كتيبة الصدام مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد وعاه المسلمون آنذاك ، ولقد كانوا يتقلبون مع أعداء الله في دار واحدة وفي جوارٍ واحد ويرون منهم ما تخبره الصدور من أحقاد ومن ضغائن ويكشفون عما يبيتونه من مؤامرات ومن دسائس ، ولكن الله جلّ وعلا مضت حكمته البالغة بأن لا يسجل في القرآن من دروس الدعوة إلا ما تحتاجه الأمة أبد الآبدين . هذه الحركة لم تنتهِ حتى اليوم ، ولن تنتهي ما بقي على الأرض إسلام وكفر .

فاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيون  الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا يرجون معاداً لا همّ لهم إلا أن ينتكس المسلمون إلى حالةٍ يفقدون معها الامتياز الذي منحهم الله جلّ وعلا إياه . كما يشاركهم في هذه الرغبة المجنونة فسقة المسلمين وأصحاب الأهواء منهم ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) ومع ذلك فإن الله جلّ وعلا مع رسم الصورة ومع إبراز وتشخيص العدو حدد العلاج ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) لاحظوا ما تعني الكلمة ، ولعل نابتة اليوم وشباب اليوم يصيخون إلى هذا التعبير الدقيق ، إطاعة الكافرين بقلب العقيدة من إيمانٍ بالله إلى إيمانٍ بالمادة والحياة وأشيائها ، إطاعة الكافرين من تقطيع علاقات الأخوّة بالله والتعارف على الإسلام وجعلها علاقاتٍ قائمةٍ على أساس الأرض أو القومية أو الطبقة أو الصراع أو ما أشبه ذلك ، إطاعة الكافرين في رفض أخلاقيات الدين من عفةٍ وأمانةٍ واستقامةٍ وورع وجعلها علاقات وأخلاقيات قائمة على الشره والطمع والجشع والفسوق والعصيان والاستهتار والخمر والميسر والنساء ، إطاعة الكافرين في محو معالم الدين من الأرض بالتمكين لأبالسة البشر كي يسيطروا على أعناق الناس فيتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً ، إطاعة الكافرين في هـذا يسميه الله جلّ وعلا ارتداداً على الأعقاب ، يعني رجعية ، ويسميه السفهاء الذين لا يعلمون تقدمية ، سمعتم ؟ يجب أن يُعلَم أن تقدم الحياة واستمرارها للتقدم وازدهاره متعلق بالتمسك بأخلاقيات الدين وشرائع الدين ومنهجية الدين ، وأن الرجعية الحقة والإغراق في الحيوانية يكون فيما يدعو إليه أناس في هذه الأيام من إطلاقٍ للشهوات وانفلاتٍ لها من إسارها لكي تعمل عملها المخرب الذي يمهد للأبالسة كي يسيطروا على عقول الناس وأقوات الناس ومقدرات الناس ، إطاعة الكافرين دمار إذاً وخراب يتهدد الحياة الإنسانية بأخطار ماحقة وأمراضٍ وبيلة ، والله جلّ وعلا يشخّص العلاج لهذه الأمة .

كما أنه ذكر لنا حين تحرك المسلمون بجحافلهم إلى أُحد أن شيئاً من الخور اعترى بعض المؤمنين فتداركهم الله باللطف ، وكان التوكل عليه مفتاح العلاج كذلك يجعل الله جلّ وعلا ولايته للمؤمنين للعلاج ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) قد يتسرّب الوهن والضعف إلى بعض القلوب والنفوس ، ولكن إذا كانت هذه القلوب على صلةٍ بالله ، وإذا كانت هذه النفوس على شيءٍ من الثقة بالله ، فلن يضيع أهلها ولن يُترك أصحابها للشيطان يعبث بهم ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) فكان الله وليهما ، ومن يكن الله له ولياً فلا سبيل للشيطان عليه ( وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) إذا أردتم أن يكون الله لكم ولياً وكافلاً وضامناً وناصراً فعلى الله توكلوا إن كنتم مؤمنين .

كذلك ها هنا ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ، بل ) يعني لا يكون ذلك منكم ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ) إن كنتم تريدون بقاءكم على قواعد الإيمان فليكن الله مولاكم ، الله مولى الذين آمنوا  والكافرون لا مولى لهم ، وولاية الله للمؤمنين تكون بالتمسك بحبله المتين وبالتوكل عليه جلّ وعلا .. يلفت الله جلّ وعلا نظر المؤمنين لفتاً دقيقاً إلى ناحيةٍ قد لا يتحدث بها الناس ولكنها تمارس تأثيرها على سلوك الناس ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ، سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) لأي سبب ( بما أشركوا بالله ما لم يُنزّل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) فائدة هذا الكلام تتضح لكم حينما تتصورون أن هذا الكلام يُقال لسبعمائة مقاتل ، سلاحهم هين ، عتادهم هين ، مددهم الذي ينتظرونه هين ، يقابلون قوماً يعدون ثلاثة آلاف عندهم من الخيل فقط ما لا يقل عن مائتي فرس . وكذلك من ورائهم جحافل لا تُعدّ ولا تحصى يمدونهم عند الحاجة ، لأن الكفر ملةٌ واحدة ، وحينا يقع الكافرون في مأزق تتداعى لنصرتهم جميع عناصر الكفر والشقاق والنفاق .

أرأيتم حينما اصطدمنا عدة مرات مع اليهود في فلسطين ، اليهود يهود ، المستشار هو الذي شرب الطلى فعلامَ يا هذا الوزير تعربد ؟ أنت يا بابا روما مثلاً ، اليهود يقولون : نحن قتلنا مسيحك ، فلماذا تأخذك الشفقة على هؤلاء الأعداء الألداء فتقف إلى جانبهم ؟ دول النصرانية تهب لنجدة اليهود ونصرتهم ، آمنا أنهم أهل كتاب ، لكن ما شأن الملاحدة من الروس والبلغار والرومان وما أشبه ذلك ؟ ما شأن هؤلاء ؟ الشأن واضح بالرغم من ثرثرة الدجالين عندنا الذين يصورون لنا المعسكرات الاشتراكية أصدقاء ، بينما هم أعداء ألداء ، الكفر ملةٌ واحدة ، لن يشفق عليك صيني ملحد ، كما لن يشفق عليك الهندي الملحد ، كما لن يشفك عليك المجوسي ، كما لن يشفق عليك الدهري الماركسي ، كما لن يشفق عنك النصراني ، كذلك اليهودي لن يشفق عليك ، كلهم أعداء . ما نحن فيه الآن بالرغم من الدبلجة التي تقوم بها السياسة العربية يكشف لنا عن هذه المأساة ، الأصدقاء الألداء الذين حجبوا السلاح في ساحة العسرة يقفون جنباً إلى جنب وعلى أرضٍ مشتركة مع الأعداء الذين رفعوا في وجهنا السلاح ، شاهدنا من ذلك أن الكافرين ملةٌ واحدة وأمةٌ واحدة ، والله جلّ وعلا أوجب علينا أن نقاتل الكافرين كافة كما يقاتلوننا كافة .

أبو سفيان حينما كان يقود جيوش المشركين والأحابيش ويقود من حالفهم من أعراب البادية لملاقاة المسلمين في أُحد كان على يقينٍ بأنه يستند إلى كتلةٍ كبيرة تعينه وتآزره في حرب الإسلام والمسلمين ، مع ذلك ، مع عدم التكافؤ الواضح ، قلةٌ مؤمنة ليس وراءها إلا الله ، وكثرة كافرة وراءها كل فسادٍ وكافرٍ على الأرض ، يقول لها الله جلّ وعلا هذا الكلام قاطعاً جازماً ( بل الله مولاكم )  ( إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين ) اقطعوا أي صلة بينكم وبين الكافرين ، انزعوا أية ثقة يمكن أن تكون في قلوبكم بأي كافرٍ على الأرض ، ذلك لا ينبغي ولا يجوز أن يكون ، بلى فهـو منافٍ للإيمان مجانب اليقين ، قال الله تعالى في المجادلة ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) من هم أولئك ؟ ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) الإيمان يوجب عليك أن لا تقوم في قلبك أي ثقة بأي كافر ، اقطع كل شيء ، دع هؤلاء ، لأنه لا شيء يربطك بهم ، ولا توجد أرض مشتركة تضمك وتضمهم ( بل الله مولاكم ) طريقك أن تتولى الله جلّ وعلا وأن تتولى جماعة المؤمنين ( بل الله مولاكم وهو خير الناصرين ) الولاية حين تمت بين الله وبين المؤمنين كان مفهوماً لدى المؤمنين أن يقول الله لهم : انظروا إلى هذه الجحافل ، أليسوا كثرةً كافرة ؟ أليس أبو سفيان يتحرك بمن معه مزهوين واثقين من النصر ؟ ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) وعد قاطع من الله ، والسبب في إلقاء هذا الرعب أن هؤلاء تخلّت عنهم يد العناية الإلهية ( بما أشركوا بالله ما لم يُنزل بهم سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ) هؤلاء الكافرون لا يكن في قلوبكم لهم هيب ، هؤلاء بالفعل غثاء كغثاء السيل ، لا شيء ، بشرط واحد وهو أن تؤمنوا وأن تتقوا وأن تتبعوا المنهجية التي خطها الله لكم ، حينما تكونون سائرين في صراعكم مع أعداء الله على القواعد التي رسمتها العناية الإلهية وحُددت لكم في قرآنكم وعلى لسان نبيكم صلى عليه وسلم إيماناً وطاعة وتضامناً وبعداً عن الفشل والتنازع واتكالاً على الله ومضياً مع الصبر والتصميم حتى النهاية ، فلوا اجتمعت عليكم جيوش الدنيا قاطبة بما فيها من مدمرات وبما فيه مبيدات وبما فيه من قنابل مختلفةٍ الأنواع ، فإنها لن تغلبكم ، هؤلاء نزع الله منهم كل أسباب النصر وكل مهيآت النصر ومرشحاتها ، بسببٍ واحد هو أنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً .

فالله جلّ وعلا يضع لنا لونين من القلوب ، قلباً آمن بالله فهو على بصيرةٍ من أمره ، يخطو الخطوة ويعرف نتائجها ويعرف الخطوة التي تليها . بلى هو يعرف خطاه من هنا إلى الله جلّ وعلا . وقلب آخر لا صلة له بالله ولا صلح له مع الإيمان ، فهو قلب هواء ، قلب خرب ، ترى صاحبه جثةً رائعةً جميلة ولكنه كما وصف الله ( خُشب مسندة يحسبون كل صيحةٍ عليهم ) الكافرون يجب ألا تكون لهم في قلوب المسلمين أية منزلة وأية مكانة وأية هيبة وخوف ، الكافر جبان ، الكافر ذليل ، لأن الله جلّ وعلا أذله بالإشراك ، لأنه أشرك فهو لا يرجو عاقبةً ولا يرجو وقاراً لله ولا يعرف له شيئاً إلا ما بين يديه من هذا المتاع الخسيس ، لمجرد أن يهدد في هذا المتاع يفقد توازنه ويفقد اتزانه ، ومتى فقد الإنسان توازنه في المعركة فقد انتهى .

الله جلّ وعلا إذاً يحدد للمسلمين وصفهم أنهم أمةٌ مؤمنة متكلةٌ على الله متوليةً لله جلّ وعلا ، ويحدد لهم العلاج الذي يجب أن يستمسكوا به وهو هذا اللجوء المطلق إلى الله جلّ وعلا وهذه الولاية المطلقة بينهم وبين الله كي يكونوا على بينةٍ وعلى بصيرةٍ من أمرهم .

أتصور أن هذا الذي قلناه الآن يكفي لتحديد هذه القضية التي حرصنا على أن نشرحها شرحاً كاملاً ، والتي تشكل في الحقيقة فرقاً حاسماً بين الناس الذين يستحقون النصر ويحصلون عليه وينالونه ، وبين الناس الذي لا يستحقون تأييداً ولا نصراً ولا ينالونه ولا يحصلون عليه . وأرجو إن شاء الله تعالى أن أكمل لكم هذا المقطع غداً بحوله وقوته وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين .