لمن قرعت الأجراس

عـام آخـر

 زهير سالم

كانت أجراس عامنا نواقيس ضخمة، جلجلت في آذاننا صاخبة. كانت أجراس عامنا نواقيس، كانت موسيقاها حمراء، سوداء، صفراء، جشاء، سحقت القلوب، قرحت الأعين، فتتت الأكباد.

كان بوش سيمفونية حمراء تشع كراهية، حين تختلط معاني كلماته بألفاظها، بنبرة صوته، بتقاطيع وجهه، بالشعاع المسموم المنطلق من عينيه اللتين خطفت بريقهما علة إدمان قديم ؛ حين تختلط أشكال الإيقاع تلك في لحن واحد.. تشعر أنك تفور، وتتآكل، حتى تكاد تميز، ثم لا تلبث أن تفتح عينيك أمام مرآتك فلا ترى أحداً.

وكان شارون سيمفونية أخرى سيمفونية سوداء للحقد المكبوت المتوارث، حقد الأجيال إذا يكرس في رجل.. شارون ذاك الديناصور الكهربائي الذي يخبط بقدميه الضخمتين الغليظتين، فيدوس في كل خطوة مدينة أو قرية، يهدم البيوت يسحق الرجال والنساء والأطفال، يحطم غراس الزيتون. والعالم كله ينظر إليه حتى نحن، نتفرج على الحدث واجفين خائفين.. والذي يحرك الديناصور بمقوده الكهربائي شامتاً يتسلى.

كانت بغداد من الأسوار إلى حفرة تكريت السيمفونية الصفراء، التي ألبستنا الذلة والصغار، وأشاعت في النفوس روح الهزيمة واليأس والتخاذل. وأعطت المتهالكين ذرائعهم ليرفعوا راياتهم البيضاء..

وتوجت المواجع (بام).. بام الشهيدة بكل أعزائها وأحبائها، رجالها وأطفالها ونسائها.. بشعرات الألوف من أبنائها الذين قضوا في ثوانٍ، كانت (بام) الدرس الفاجعة الأليمة التي قالت للمختبئين وراء الجدر (أينما تكونوا يدركّم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة..) وأوضحت للمتهيبين من الموت: من لم يمت بالسيف مات بغيره.. فللأحبة الأشقاء المكلومين هناك أطيب العزاء.

مر عام قرعت أجراسه حمراء سوداء صفراء.. إلا لحناً لازوردياً انسل من تحت الأنقاض ومن بين الركام وانبعث من دم الشهداء ومن صدور الآباء والأمهات وبغام الأطفال ومحراب التاريخ، لحن المقاومة الرهيف ينطلق من أكناف بيت المقدس ليضيء شرره المتطاير آفاقنا في العالمين.

           

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية