بين الغائية.. والعبثية

 زهير سالم

إذا كان كل شيء في هذا الكون مخلوقاً لغاية، ووفق شبكة دقيقة من الترابط الحيوي في التبادل والتكامل، فهل يمكن أن يكون للمصادفة العمياء التي تعني العبثية بكل معانيها دور في تفسير الكون والحياة ؟!

وجود القوانين المحكمة الضابطة، واستقرارها على النحو البديع الذي يكتشفه الإنسان يوماً بعد يوم أليس هو أساس الحضارة والتقدم الإنسانيين ؟! والنماذج النمطية لعالم الحياة، بل ولعالم المادة والجماد  أليس هو المدخل الأول لاستقرار العلوم وازدهارها ؟!

لو كان لكل إنسان طريقة خاصة في خلقه، لا في سحنته فقط، وإنما في بناء خلاياه وتركيب أجهزة جسمه وطرائق نموه وتكاثره إي علم كان يمكن أن يدرس الإنسان وأي طب كان يمكن أن يقدم العلاج لبلواه.. ؟!

أليست النمطية التي أتاحت للمناطقة أن يصنفوا الموجودات إلى نوع وجنس وفصيلة وفرد، وهي التي جعلت العلم الإنساني يجد قواعده واستقراره ؟!

التبجح الذي يبديه بعض الجهلة لأنهم اكتشفوا بعض أسرار الغابة الفسيحة التي اسمها العالم يدعو إلى السخرية والإشفاق.. والاكتشافات التي توالت قبل حي بن يقظان وبعده إلى مسلسل اكتشاف الخارطة الجينية هذه الأيام كل هذه الاكتشافات تقود باتجاه واحد.. هو أن ثمة نظاماً دقيقاً قام عليه أمر هذا العالم.

حقيقة يؤكدها عالم الفلك الذي يسبح في بحار السموات السبع ولا يزال يكتشف في كل يوم سراً من أسرارها، اكتشفوا منذ أيام أن ثمة ما كان خفياً في المجموعة الشمسية، ومثلهم في ذلك كمن يكتشف بعد أربعين عاماً أن له جاراً على ميمنته، ويؤكدها أيضاً عالم الذرة وهو يدرس بنية المادة في أصغر وحدة، عرفت حتى الآن.. وعالم الخلية وعالم الصبيغ (الجين) الذي يدور حول حقائق لا تقابل إلا بالسجود لعظمة الخالق البارئ المصور.

لقد أصبح من السخف في عصر العقل والعلم الحديث عن عبثية وسط هذه الغابة الكثيفة من الحقائق والقواعد والأنظمة التي تتقاطع بشكل عجيب وتتكامل بشكل أعجب.. يقول د. رولتر سيس في كتابه (الدين والعقل الحديث) (يسير العالم طبقاً لخطة محكمة كل شيء في الكون له هدف أو غرض أو غاية.. من أضأل الأشياء إلى أعظمها كل شيء يتضمن هدفاً وغاية..)

الغائية في مقابلة العبثية.. والنظام في مواجهة الفوضى.. والإيمان في مواجهة الجحود والإلحاد.. هذه هي ترابطات قضايا الوجود.

وإذا كان الإنسان قد خلق وفق نظام غائي مترابط محكم.. فإن للمسلم أن يتساءل مع القرآن (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون).

حين يكتشف الإنسان غايته ودوره في هذا الترابط الحيوي المحكم سيجد أنه بحكم خلافته لهذا الجزء الصغير من الكون أكبر من بريق برق لمع ثم تلاشى، وأن خلافته على هذه الأرض أسمى غاية من إرواء غريزة أو إشباع نهمة.

           

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية