الشهيد الراحل

الشهيد الراحل

 زهير سالم

الشهيد الراحل أمسى..

رحل خفيفاً إلا من ضعفي ونقصي وإثمي..

الشهيد الراحل يومي..

حين ناداني يا (ابن آدم) أنا كنت أغفو، تكررت نداءاته خمساً، وأنا عنه غافل، كَبَّرَ الله ليصغر في عينيَّ ما أنا متعلق به ؛ ولكني أصررت على أن أرى الصغير كبيراً، وأجري خلفه.

أتركه ينضم إلى أخيه، ثم لا أزوده إلا بشيء يسوءني أن أراه. أفارقه، وهو الشهيد علي، دون وداع، دون أن أهمس في أذنه كلمة ترضيه، أو ألمس جبينه الفضي، أو أطبع قبلتي على وجنتيه الزهراوين.. حين سيلفه الغروب سيكون بلا شك، هو الآخر، مزوراًّ عليّ..

في أمسي ويومي، وقد تساويا دائماً بتسطير عجزي، أنا المغبون. كل عزم ينقضي دون إنجاز، كل أمل يخبو دون نفاذ، وبين السين وسوف ضاع عمري وتكدس خلفي آلاف الشهود ؛ كلهم أوغرت صدورهم بما جنيت..

الشهيد الراحل غدي..

بل لا أدري أينا سيرحل أولاً.. ؟! أعلم يقيناً أن ثمة (غداً) سأرحل قبله، كما رحل كل من غبر وسبق أبي وجدي وأخي وصديقي، لكل واحد منهم كان (غد) لم يصل.

في ذلك الغد الذي لن يكون غدي، سأندم طويلاً لأنني لم أندم قبلاً، سأندم طويلاً لأنني لم أقلع عن.. ولم أعزم على ألا أعود.. سأندم طويلاً لأنني ارتضعت حتى تضلعت ثدي الأماني، سأندم طويلاً لأنني لم أصطنع عند الشهود يداً، أولئك الذين بحت أصواتهم في ندائي وفي دعائي.

غدي الآتي أيضاً سيرحل، وسنكون أنا وهو في سباق، حين تأخذي اللهفة وتحاصرني (السكرة) سأهتف: رب ارجعون.. ارجعون.. ارجعون..

أعلم كل ذلك وماتزال سكرات الفانية تنسيني السكرة الباقية.. !! 

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية