نفحات طاغوتية (1)

نفحات طاغوتية (1)

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

ظلمة مكفهرة تلف المكان بصمت مرعب ، ليل حالك السواد يجثم مخيما فوق الزنازين الضيقة المتعفنة والمكتظة بآلاف الكتل البشرية والعاهات الدائمة.

أنفاس حرى مخنوقة ، زفرات وآهات مرة مكتومة.............. أحزان وأشجان مكظومة.

ريح هوجاء تعصف بكل اتجاه ، دوامات وزوابع تحاول اقتلاع الأشجار الشماء من جذورها الثابتة الراسخة ، أمواج تتلاطم في جميع الأنحاء والاتجاهات ، زبد أهوج وقش فارغ يطفو على السطح  ويعلو فوق المياه العكرة ، وخيوط الشمس الفضية عاجزة عن الإنسياب خلال حجب الغيوم الداكنة الكثيفة التي اعترضت مسارها فخيمت على الأرض جاثمة بظلالها الثقيلة ، تضغط فوق الشعب المقهور المسكين ، وكأنما يأس مطبق قد حلّ بالشمس ، وحال من قدرتها على اختراق تلك الغيوم الداكنة بخيوط ذهبية وهّاجة تبدد ظلامها الحالك .

 دعا حضرة الوالي المعظم جميع مستشاريه من وزرائه وقادته وعلمائه إلى اجتماع طارئ لأمرهام في قصره ، نقر الوالي نقرات رتيبة  خفيفة بإصبعه على المكتب أمامه ليبدد الصمت والسكون الذي يخيم على قاعة  الإجتماعات الفخمة .ثم بدأ حديثه لمستشاريه من وزراء وعلماء ومفكرين ... وغيرهم .

أصغوا إلي أيها السادة المستشارون  من وزراء وعلماء وقادة ومفكرين : لعله لا يخفى عليكم ما يكتنف العالم جميعا من تطور وتغير في النظم والسياسات ، مما يسمونه إصلاحا ، وما يترتب على ذلك من خلق أجواء ديموقراطية إضافية ، ومنح قدر أكبر من الحرية ، والتي أطلقناها منذ أمد بعيد ، من لحظة تقلدي لحكم هذا البلد المعطاء ، وتحقيق سوق اقتصادي حر ومفتوح ، يفخر به بلدنا أمام العالم أجمع ، كما أننا قمنا بتوفير أقصى وسائل الراحة والترفيه لشعبنا العظيم ، وبدأنا بخطة إخلاء السجون لتتحول قريبا إلى مدارس ومستشفيات ، وقد لاحظتم جميعا ما نالته بلادنا بعد هذه الخطوات الرائدة من تأييد شعبي عارم ، وكسب كبير للرأي العام المحلي والعالمي ، إلا أن بعض الناس من قادة بعض الأحزاب المعارضة فهموا هذه الإصلاحات بشكل خاطئ وقرأوها بشكل مغلوط ، وبدلا من أن يستفيدوا من هذه الإصلاحات ويقدموا شكرهم وولاءهم  للحكومة ، اشتطوا في أمرهم وتجاوزوا حدودهم ، وها أنتم تشاهدون وتتابعون مقالاتهم وتصريحاتهم وبياناتهم وهم يتهجمون على الحكومة ويثيرون القلاقل هنا وهناك

 إن الإصلاحات مطلوبة وزيادة مساحة الحرية الممنوحة أمر طيب ، ولكن أن تفهم بشكل معكوس ، وتقلب المناقب إلى مثالب ، ثم تثار القلاقل والفتن من البعض ، فهذا أمر لا نسمح به ، لأنه يضر بمصلحة الوطن والشعب ، بل يضر بمصلحة هؤلاء الذين يثيرون الشغب والفوضى ، فهؤلاء أناس مدفوعون من الخارج وينفذون أجندة أجنبية تستهدف مصالحنا وشعوبنا ، وتؤثر عاى استقرار وأمن البلد ، وهذا كما تعلمون جميعا - مثل علمي - أن هذا خط أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه ولو كنت أنا الوالي نفسه ! .

  تصفيق حار ، وعبارات هتاف ومديح انطلقت بالجملة من أفواه الوزراء والمستشارين :

-  أمن البلد واسقراره خط أحمر.

-  لا أحد فوق القانون .

-  مصلحة الشعب هي المرجع .

-  يسقط الإمبرياليون والعملاء .

-  الإصلاحات الوطنية تقدم لشعب معطاء ومعارضة وطنية حرة ، لا ترتبط بأذيال خارجية وأنشطة تخريبية وأهداف عدوانية .

تناول سبادة الوالي كأسا من الماء ، رشف منه قليلا ، ثم نقر على المكتب أمامه نقرات خفيفة لبتم خطابه :

كما تفضلتم قبل قليل في هتافاتكم إن وضع الأمن في البلد واستقراره هو في رأس القائمة والأوليات ، والتي يجب ألا نغفل عنها أبدا ، إذ لا بد أن يكون أمن البلد ثابتا وراسخا ، لا يتأثر ولا يتزحزح قيد أنملة بكيد الخائنين ومكر العملاء الموتورين .

وإلا فما معنى الإصلاح وإطلاق مساحة أكبر من الحريات العامة وخلق الأجواء الديموقراطية ، والسوق الاقتصادي الحر والاستثمارات الأجنبية ، إذا انقلبت  وبالاعلينا  وهددت مصلحة البلد   وأمنه واستقراره ، وهددت الوضع الإقتصادي الراهن والأمن القومي ، ومسّت بمصلحة الوطن العليا ، وأضرت بجميع أفراد  الشعب الطيبين المخلصين .

ولأكون صريحا معكم وكما عهدتموني دائما ، ليس العيب في الإصلاح ، أو الديموقراطية أو الحرية . بل العيب في الذين فهموها بشكل خاطئ ، واتخذوها ذريعة لتحقيق مآربهم الشخصية مدفوعين من الخارج ضد مصلحة الوطن ومبادئه ، مستغلين حزمة الإصلاح والحريات التي قدمناها للشعب ،

لذا لا بد من الموازنة  الدقيقة ، وضبط الأمور ووضعها في نصابها ، لا بد أن تكون قراراتنا صادرة عن دراسة محكمة يتبعها دقة في التطبيق ، وهنا بيت القصيد في القضية ، وإلا فبدلا من أن نكون في الإصلاح نجد أنفسنا أصبحنا في الفوضى والتخبط وانعدام الأمن والاستقرار في البلد . وعندها نكون قد وصلنا إلى النهاية ، والتي لا أظن أن نهاية أخرى بعدها  .

 إني أتقدم بهذا العرض مع قناعتي الكاملة والتي لا أظنها تختلف عن قناعاتكم جميعا !!

إن كل ما نتفق عليه في حوارنا الديموقراطي الحر ، والقرارات الحكيمة التي نصدرها ، والخطوات السديدة التي نتخذها ، والنهج  القويم الذي نسلكه ، والسياسة الرشيدة التي نعتمدها ، جميعها ستكون في مصلحة الشعب ولأجله .

إننا قد نضطر أحيانا وليس دائما إلى فتح السجون ، وليس ذلك الا لمصلحة الشعب ليتم انقاذه من اللصوص والمجرمين ، كما أننا قد نضطر مكرهين على إعدام المتمردين والعملاء للحفاظ على أمن الشعب واستقرار الوطن ، وكما تعلمون حق العلم أن كم الأصوات الناشزة ، ووأد الأفكار المسمومة ، ينقذ الشعب من البلبلة والفوضى والفتن الداخلية ، والذي يقود بدوره إلى تفريق الكلمة ، وتمزيق الصف الداخلي ، وتشتيت الجهود

لكننا نجد أنفسنا أحيانا مضطرين لمجاراة الشعوب في بعض الأمور بحكم الظروف المحيطة وجهل الشعب بمصلحته الحقيقية .

أيها السادة العلماء والمستشارون ، يا مفكري هذا البلد وذخره الحقيقي عند الشدائد والمحن ، أرجو منكم ألا تبخلوا علينا بمقترحاتكم الوجيهة ، وآرائكم السديدة ، وتفيدونا بعلومكم وتكنولوجيتكم لنخرج برأي سديد ، ومشورة حكيمة ، لنستفيد من إيجابيات الإصلاح وسد الطريق على أولئك الذين يفهمونه بطريقة خاطئة ، فيسيؤون الى الوطن والمواطن .

 وقد تم رصد علاوة ومكافأة كبيرة ، مادية ومعنوية ، لأصحاب الأفكار السديدة ، والمقترحات الملهمة الوجيهة.

وبعد لحظة من الوجوم سادت القاعة ، تشجع أحد المستشارين فرفع يده ليسمح له سيادة الوالي  بالكلام .

بدأ حضرة المستشار حديثه بأدب جم اختلط  بالخوف ، وتشرب بالذل والخنوع ، بدأ حديثه كأنه يهمس في أذن جاره لا يكاد يسمع صوته هيبة ورهبة ، فقال بعد المدح والتعظيم ، وتقديم آيات الولاء ، والشكر والثناء ، والإعجاب الإطراء ، بتلك النفحات الجلية والأفكار السنية التي تدفقت على لسان الوالي من درر وحكم وجواهر، ثم أضاف سيدي الوالي :  إن تغيير أفكار المناوئين لنا من معارضين متمردين إلى مؤيدين مسالمين ، وتبصيرهم بالحقائق ، وإزالة الغشاوة التي تغطي أعينهم ،وتعمي بصائرهم ، وتقوّم نهجهم وتسددّ أقكارهم ، وتحقق كل ما نصبو إليه من استقرار الوطن ومصلحة المواطن ، يتم بعملية بسيطة ، ثم أردف بعد لجظة صمت قصيرة ، اشرأبت الأعناق إليه ، وأصغت الآذان مشنفة تجاهه ، لتسمع ذلك الإكتشاف الهائل العظيم ، أضاف قائلا : كل ذلك نحصل عليه بعملية بسيطة :  ( غسيل الدماغ ) .

أجاب الوالي بسخرية مرّة ممزوجة بالتهكم  : يا سيادة المستشار لعلك قد قدحت زنا د فكرك كثيرا حتى اهتديت إلى هذا الإختراع الفذ ، ثم أضاف بصرامة :  يا سيادة المستشار هذه فكرة قديمة ، أكل الدهر عليها وشرب ، حتى بليت واهترأت من كثرة استخدامنا وغيرنا من الشعوب لها ، وإلا فهل تظنني جمعتكم لتتحفني بهذه المشورة السديدة والفكرة العتيدة ، قد كان ظني بك حين هممت بالكلام ان تخبرني عن طريقة سحرية نستطيع أن تقرأ بها أفكار المناوئين لنا من لمحات أعينهم ، وقسمات وجوههم ، وأن نشم رائحة العملاء والمجرمين كما تشم القطط الجائعة  رائحة الفئران ! .

ثم التفت إلى الجمع الموقر قائلا  وليس هذا ما أريده فحسب يا سيادة الوزراء والعلماء والمستشارين .

 بل الذي أقصده كيف نستطيع تغيير هذه الأفكار المناوئة وتحويل أصحابها إلى مواطنين موالين صالحين .

بعد التفكير والتريث قليلا تشجع مستشار آخر، وبنفس طريقة زميله السابق بعد المديح والثناء ، وتقديم آيات الطاعة والولاء و..........

قدم فكرته الجديدة :  سيدي الوالي إن هؤلاء الذين يعارضون خطنا ويسيؤون فهم حقيقة إصلاحاتنا لا شك ان انتماءهم الوطني ضعيف ومستوى وعيهم السياسي متواضع ومتدن ، لذا فإني اقترح عمل برامج توعية سياسية ، تنمي فيهم الحس الوطني ، وتفتح آفاقهم الضيقة ، وتبصرهم بحقيقة الأخطار المحدقة بالوطن ، ليتم تحويلهم من معاول هدم ، إلى أدوات بناء فعالة ، فينهضون معنا نهضة رجل واحد للعمل الى مصلحة الشعب ، وأمن المواطن ، واستقرار البلد .

أحاب سيادة الوالي :  إن ما اقترحته يا سيادة المستشارعامل مساعد بل هو رافد صغير، يساهم في العون إلى حل المشكلة ، ثم التفت إلى وزير الإعلام وأضاف قائلا:  وهذا أيضا مرهون بدور الإعلام ونجاحه لوضع برامج توعية سياسية ، مدروسة وفق أسس علمية ، وبحوث منهجية ، تأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف المحيطة من نفسية واجتماعية واقتصادية ومستوى علمي ، لتصل الكلمة إلى الجميع ، فيعم مفعولها ، وتضمن نتائجها .

أجاب وزيرالإعلام : أمرك سيدي الوالي سنقوم بتشكيل لجنة من كبار الباحثين والكتاب لوضع هذه البرامج مستفيدين من كل كلمة أو حرف نطق بها سيادتكم ، آملين أن نوفق لتحقيق المطلوب خدمة لسيادة والينا .

أجاب سيادة الوالي بتواضع لا يخفى بين طياته ومنعرحاته التصنع ، إذ أن طبعه المتعالي ، وسلوكه الفوقي ، ونهجه المستبد لا يمكن إلا أن يظهرمهما حاول أن يخفيه ،  في طبقات الصوت ، وحركات الشفاه ، ونظرات الأعين

أيها السادة ما زلنا نبحث عن العامل الأساسي ، الحل السحري الرئيسي ، ما زلنا نريد النهر الكبير ، وبعد أن قدم المستشارون السياسيون بعض اقتراحاتهم أريد أن أسمع آراء وأفكار السادة العلماء ، كما أني أرجو أن تكون الإقتراحات والأفكار سديدة وعملية تواكب عصر التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يحيط بنا من جميع الجهات.

وبعد لحظة وجوم  وصمت طالت أكثر من الأولى تشجع أحد العلماء وهو يحلم بالمكافأة الموعودة لصاحب الاقتراح السديد ، والفكرة الملهمة الوجيهة ، ولعله قد تصور نفسه بعد أن يسمح له الوالي بتقديم اقتراحه الملهم ، ربما يستحق مكافأة عليه من سيادة الوالي بوزارة التخطيط ، أو ليس على الأقل في أسوأ الأحوال ، من رئيس لمعهد البحوث والتكنولوجيا ، رفع يده ليستأذن بالكلام بعد تردد ليس بالقليل ، وبدأ كزملائه السابقين بالمدح والثناء وتقديم آيات الشكر والولاء ، ثم أضاف :  سيدي الوالي إن العلم اليوم قد توصل إلى تركيب أدوية وعقاقير طبية ، لها تأثير نفسي على الجملة العصبية تنعكس بدورها على القناعات والسوك والتصرفات ، وإن البحوث والتجارب والاختبارات يمكن أن تهيء لنا مركبات وعقاقير طبية لها تأثيرات مبلّدة  على التفكير .

 لو قمنا بحقن هؤلاء السجناء بهذه المركبات ، فإنها ستحولهم من رجال تمرد ومعارضة ، وأصحاب أفكار هدامة ، إلى رجال أغبياء بليدين ، عقيمي التفكير.......  كسولين  ولامبالين ، وبهذا نكون قد ضمنا أمن البلد واستقراره ، ولو أغلقنا جميع السجون التي عندنا ، وأطلقنا الحرية الكاملة للشعب.

أجاب الوالي :  أمام هذه المقترح الوجيه ينبثق أمران يا سيادة العالم ، ودون أن ينتظر إجابة العالم أتم سيادة الوالي حديثه ، أما الأول :  هل مراكز بحوثنا قادرة على تركيب هذا الدواء ؟

وأما الأمر الآخرفهو  تحت أي اسم أو لافتة سنقدم  لجميع السجناء السياسيين والمعارضين لنا هذه الوصفة من هذا الدواء ؟

أجاب حضرة العالم :  إن ما ذكرته يا سيادة الوالي استفسارات وجيهة وهامة ولكني أرى وبكل تواضع أن الأمر الأول ليس صعبا على مراكز بحوثنا المتطورة بفضل دعمكم اللامحدود لها ، وإننا على استعداد تام للشروع في عمل البحوث والتجارب اللازمة لهذا الأمر، وأما الأمر الآخر فيمكننا أن نعطيهم الحقن من هذا ) الإكسير) دون لفت أي نظر .

قاطعه سيادة الوالي وكيف يكون ذلك يا حضرة العالم ؟

الأمر بسيط يا سيدي الوالي....  ننشر بين المساجين الأمراض (السارية ) المعدية -  والتي بالأصل أكثرها منتشرة بينهم - ولتكن مرض الجرب مثلا في هذا السجن ، والتيفوئيد أو الكوليرا هناك ، والسل في سجن آخر.....  وهكذا...  فيصيب المرض فيهم القاصي والداني ، ثم نقوم بحقن الجميع بتلك الحقن ولنسمها مبدأيا  :  ( إكسير الوطنية  ( على أنها دواء للجرب أوالسل أو... ثم نعطيهم في نفس الوقت الدواء الحقيقي للسل أو الجرب ......    أو ما شاكل .فيتم الأمر على ما نريد .

إنها فكرة وجيهة يا حضرة العالم ....  لكن كل ما أخشاه أن لا يكون هناك  تأثيرعلى حياتهم ، وإلا نكون قد أضرينا بمصلحة البلد ، صحيح أننا قد نرضى بنشر الأمراض السارية بينهم . وليس ذلك في حقيقة الأمر إلا لمصلحتهم ! لنقوم بتحويلهم إلى مواطنين صالحين ، ومن ثم فإننا سنعالجهم حقيقة من تلك الأمراض السارية .

ولا ننسى آيها السادة احترامنا للأفكار والمبادئ  ورجالها !

فحرية الرأي والتعددية هي نهجنا ،  ولكن الأسمى منها هي حياة المواطن ، والمواطن الصالح تحديدا ، فالحفاظ على حياة هؤلاء المواطنين - ولو كانوا معارضين لنا - هو فوق كل اعتبار .

وأما علاجهم  ( بإكسير الوطنية ) فليس في نهاية الأمر إلا لمصلحتهم الحقيقية ، ولو استقام تفكيرهم ، وثابوا إلى رشدهم  لما اختاروا بأنفسهم غير هذا العلاج الذي اخترناه لهم ! .

تكلم أحد المستشارين المتحذلقين :  بالطبع يا سيادة الوالي إننا لا نبغي إلا مصلحتهم وإصلاحهم ، حرصا منا على أن يكونوا مواطنين صالحين ، يسيرون في خدمة هذا البلد المعطاء ، بقيادة سيادتكم الفذة ، وتوجيهاتكم الحكيمة .

استأنف سيادة الوالي حديثه متوجها إلى حضرة العالم :  أرجو أن تطمئني يا حضرة العالم على  سلامة  ( الإكسير  ( الذي ستخترعونه  حفاظا على سلامة المواطن لأن المواطن عندنا هو أعز ما نملك ، وحياته في قمة الأولويات وقبل كل شيء .

-  كن مطمئنا يا سيدة الوالي فإننا لن نعتمد هذا الدواء قبل أن نتاكد من مفعوله وتأثيراته الجانبية ، وبعد تجربته على الفئران ، ومن ثم على السجناء الميؤوس منهم ، والمحكومين بالإعدام .

- فلتباشروا بذلك يا حضرة العالم ولكم كل التسهيلات التي تحتاجونها لبحوثكم الثرة والمفيدة ما دامت لأمن الوطن ومصلحة المواطن ، ثم توجه بالحديث إلى العالم صاحب الفكرة الملهمة مداعبا:  لكنك لن تنال المكافأة قبل اختراع  ( الإكسير ) وانتهاء البحوث والتأكد من النتيجة .

أجاب العالم :  إن أمن البلد ومصلحة الوطن ، واستقرار نظام الحكم ، وعلى رأسه سيادتكم ، هو غاية اهتمامي ، وذروة ما أصبو إليه ، وأما موضوع المكافأة فهو أمر شكلي ، عدا ما أفخر به ، ويغمرني الشعور بالبهجة والزهو ، كون الجائزة هدية من سيادتكم ، ونفحة عطرة من أبحر كرمكم  ، وذكرى أبدية لا تنسى من فضلكم ، فهي لا تقدر بثمن ولو كانت مجرد كلمة شكر من سيادتكم ، فهي أكبر وسام أفخر به على صدري .

أجاب سيادة الوالي :  هذا عهدي بك - وبالجميع - مواطنا صالحا مخلصا معطاء أصيلا  ثم التفت التفاتة خفبفة جهة الوزراء والمستشارين قائلا:  أم لعله يرى السادة الوزراء والمستشارون غير هذا ؟

أجاب الجميع بصوت واحد :  الرأي ما رأيته يا سيادة الوالي .