في علاقة قانون تجريم التطبيع بالقائمات السوداء للاتحاد الأوروبي

ما يثير الانتباه هذه الأيّام بصفة لافتة هو إطناب بعض نواب المعارضة في التهجّم على الحكومة والكيل لها التهم جزافا. فهم يتهمونها بشتّى أنواع الفساد لا سيما بعد صدور تقرير الاتحاد الأوروبي الذي أدرج تونس ضمن القائمة السوداء للدول التي لا تتعاون في المسائل الضريبية. فيما يتهجّم البعض الآخر من النواب على الائتلاف الحاكم بسبب موقفه من مشروع قانون تجريم التطبيع ومحاولة الالتفاف عليه.

اللاّفت أيضا، هو أنّه بقدر ما تزداد وتيرة المداولات والسّجالات في مجلس النواب حول قانون تجريم التطبيع بقدر ما تنهال علينا تقارير من الاتحاد الأوروبي تذكّرنا بأنّه قد تمّ إدراج تونس ضمن القائمات السوداء في علاقة بالملاذات الضريبية أوغسيل الأموال وتمويل الإرهاب بما يتماهى تماما مع حكومات الترويكا التي كانت كلّما طرحت مشروع قانون تحصين الثورة إلاّ وحدث مصاب جلل بالبلاد من مثل اغتيال شكري بلعيد  ومحمّد البراهمي.

والحقيقة المخفية التي لا تخفى على كلّ لبيب ذي عينين مبصرتين دون حول أنّ هناك علاقة وثيقة بين الأمرين. ذلك أنّ العديد من نوابنا الأحرار يزايدون على الثورة والثوار ويريدون أن يثبتوا للنّاس، في كلّ مرّة، بأنّهم ضمير الثورة في تونس وفي فلسطين وفي كلّ مكان من العالم. فيما أنّ ثورتنا، نظرا لطبيعتها التوافقية، لا تحتمل الدعوات والطلبات الاستعجالية والاستعدائية لعديد  القوى والدوائر العالمية التي من شأنها توتير علاقات تونس مع عديد الدول العربية منها والغربية. وقانون التطبيع لا يخرج عن دائرة هذه الطلبات.

بداية، توحي المطالبة بسنّ قانون تجريم التطبيع بأنّ المطبّعين كثر بما يستوجب حماية الشعب وحماية الدولة من هذا التطبيع وذلك بسن قانون يجرّم  التطبيع ويقطع معه. في حين أنّ المطبعين قليلون جدّا ولا يعبّرون عن ضمير هذه الأمّة ولا عن ضمير هذا الشعب. لذلك فإنّ المطالبة بسنّ قانون يجرّم التطبيع هو شكل من أشكال الترف والعبث السياسي الذي لا معنى له ضرورة أنّه من قبيل فتح الأبواب المفتوحة. ولعلّ الأجدر ببعض النواب التركيز على تفكيك عصابات التهريب ولوبيات إعلام العار وإيلاء الأهمية القصوى لمسألة التنمية الجهوية وبخاصّة في الجهات المحرومة.

ثانيا : كيف يمكن لنواب الشعب وهم نخبته أن يدفعوا باتجاه سنّ قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني وهم يعلمون علم اليقين أنّ دولتهم في ضائقة مالية وهي في استنجاد متواصل بالمؤسسات والدوائر المالية العالمية (التي تسيطر عليها  اللوبيات اليهودية) من أجل الاقتراض. فمثل هؤلاء النواب كمثل رجل ذهب يترجّى رجلا غنيّا من أجل أن يقرضه بعض المال ويساهم في حلّ أزمته المالية وكان في ذات الوقت لا يتوانى لحظة  عن شتم  أعزّ أبنائه ونعته بشتّى النعوت القبيحة. فأنّى لهذا الغنيّ أن يقرضه المال. إنّ ما ينادي به بعض النواب يتوافق مع المثل الشعبي التونسي : "متع ربّي يا بني الكلب". وهو واقع الحال اليوم مع الاتحاد الأوروبي وهو ما قد يحصل مع عديد الدوائر العالمية التي غرست وحشرت الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي. إنّ هذه الدوائر قد تتغاضى عن كلّ التجاوزات المالية وتجاوزات حقوق الإنسان فيما لا يمكن لها الكفّ عن اختلاق الذرائع من أجل تشويه أي طرف كان، إلاّ في صورة ما إذا كان هذا الطرف متجاوبا مع منظومتها القيمية أو في الحد الأدنى غير منخرط في معارك جانبية ضدّها.

فبربّكم أيهما أولى بالنسبة لنخبتنا ؟ التركيز على مواضيع التنمية والبحث عن مشاريع الإقلاع الاقتصادي تضمن الكرامة المهدورة لجموع الشباب العاطل عن العمل وتنتشله من البطالة المقيتة وتبعده عن الهجرة السرية القاتلة، أم  الانخراط في معارك جانبية ليست ذات أهمّية وأولوية قصوى ولم يأت أوانها بعد ؟ ثمّ كيف يمكن للنّخبة أن تتصدّر للحديث عن الكرامة والشهامة والنخوة العربية وتعقد الجلسات لأجل شتم العدو الصهيوني وتقوم بحرق علمه داخل قبّة البرلمان وهي في ذات الوقت تستجدي المعونة من الدوائر المالية العالمية التي تسيطر عليها اللوبيات الصهيونية ؟ قد يندرج التركيز على مواضيع من مثل تجريم التطبيع في خانة المزايدات السياسية والحملات الانتخابية السّابقة لأوانها. هذا إذا أحسنّا الظنّ بنوابنا الكرام. أمّا في خلاف ذلك فإنّ الأمر قد يكون على غاية من الخطورة : فالبعض من النخبة تريد بتدثّرها بعباءة فلسطين وبتوظيفها 'لقميص عثمان'  استعداء الدوائر الإقليمية والعالمية من أجل التضييق على تونس وحرمانها من كل ضروب المساعدات والقروض المالية العالمية التي هي في أمسّ الحاجة إليها. بما يعجّل ببروز أزمة مالية خانقة تعصف بالحكومة وبالائتلاف الحاكم. وعندئذ تتهم المعارضة الائتلاف الحاكم بالفشل الذريع في إدارة البلاد وفي التسبّب بحصول أزمة مالية واقتصادية خانقة. بينما واقع الحال هو أنّ العملية لا تعدو إلاّ أن تكون مدبّرة بليل ومدروسة بطريقة جهنّمية، لا فقط من أجل الاستحواذ على السلطة، بل من أجل هدم العملية الديمقراطية برمّتها. وعندئذ يحقّ لنا أن نستشهد بمقولة السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق  "نكبتنا في نخبتنا". 

وسوم: العدد 759