الأحلامُ الكردية تتبخّرُ في بازار المُحاصصة الدولية

غيرُ مخطئ من ذهب من المراقبين إلى أنّ الأفرقاء الأكراد، لم يقرؤوا جيدًا التفاهمات الجيوسياسية، التي التقت حولها الأطراف الدولية المتحرِّكة في الملف السوريّ، في أكبر بازار جمعها معًا.

فقد بات من المؤكّد أنّ دخول تركيا إلى عفرين قد حظي بمباركة منها جميعها ( أمريكا، روسيا، إيران )، و ذلك في مقابل تحقّق أمور تخدم كلًّا منها على حِدة.

فأمريكا المكتفية بما بسطت يدها عليه شرق الفرات وصولاً إلى الحدود الإسرائيلية، ليست معنية بالوجود الكردي غرب الفرات، و تحديدًا في عفرين، و حتى منبج، التي وصلت التفاهمات بشأنها مع تركيا إلى مرحلة متقدّمة، و هي بانتظار إشهارها في الاجتماع المرتقب بين وزيري خارجية البلدين في الأيام القادمة.

و هي لم تتبنَّ قوات قسد ذات الأغلبية الكردية، من أجل أن تسترخي على تلال عفرين و جنديرس، و تضع أقدامها في مياه سد ميدانكي الباردة، في أوقات الصيف اللاهبة شرق الفرات.

و هو ما تغافلتْ عنه وحداتُ الحماية، فجاءها الجواب قاسيًا من خلال اليد التركية، التي باركتها روسيا أيضًا، التي لم يرُق لها أيضًا الرقص الكردي على أنغم الجاز الأمريكية؛ فأرادت هي الأخرى أن توقظهم من سكرتهم، بعد أن سقتهم أقداحًا من خمرة الفوكا، ظنًّا منها أنّهم سينامون على وسائدها، فقاموا برقصة مزدوجة مع غريمها الأمريكي، و هو ما لم تغفره لهم.

فجاء الرد بصفعة مزدوجة، و ذلك حين منعت في الأولى أية تفاهمات كانوا ينوون القيام بها مع النظام، ليقوم بإدخال قواته إلى عفرين، بحجة أنّها سورية، و أنّ حمايتها من مسؤولية دمشق، و ليس قنديل، و ذلك عشية انطلاق غصن الزيتون في: 20 كانون الثاني، في اللقاء الثلاثي في حلب، الذي ضم سبان حمو، و رئيس اللجنة الأمنية في حلب العميد مالك عليا، و قائد المركز الروسي للمصالحة.

ليتكرّر الأمر ثانية قبل يومين، حينما طلبت من النظام أن يسحب قواته من مناطق المواجهة التركية ـ الكردية، في رسالة نقلها رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، و ذلك بوضع نقاط انتشاره شماليّ حلب مقابل الجيش التركي، ما يعني ترك عفرين و الشمال السوري إلى التفاهمات الروسية ـ التركية ـ الإيرانية.

التي تمهّد الأرضية لإدخال عفرين ضمن اتفاقات خفض التصعيد، بحسب الفهم الروسي، و ذلك قبيل الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية هذه الدول في أستانة في: 15/ آذار الحالي، الذي سيمهد لاجتماع الرؤساء في منتصف الشهر المقبل في إسطنبول.

فقد ذكرت المصادر أنّ مسؤولاً من النظام أبلغ سبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب، بهذه التفاهمات و بنقاط الانتشار المنوي إنشاؤها، و أنه بموجب الخرائط التي نقلها المسؤول العسكريّ الروسي إلى النظام، فإن الجيش التركي سيقيم 12 أو 13 نقطة مراقبة في أرياف إدلب و حماة و حلب، فضلاً على مواصلة عملية غصن الزيتون؛ لربط مناطق درع الفرات بمناطق إدلب عبر عفرين.

في حين سيتم نشر عشر نقاط مراقبة تابعة للنظام، قرب أعزاز و تل رفعت و نبل و الزهراء، لتضاف إلى 7 نقاط أخرى أقيمت سابقًا، على ألَّا تقترب هذه النقاط من عفرين، التي قضت التفاهمات بين موسكو و أنقرة و طهران، أن تذهب إلى الجيش التركي و فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة.

و قد لقيت هذه الخطوات مباركة إيرانية غير خافية، لدرجة أنّها لم تبدِ انزعاجًا من التقارير، التي أشارت إلى عمليات ابتزاز من ميليشياتها في نبل و الزهراء، للنازحين من عفرين، حيث وصل الأمر بها أن تفرض على الشخص الواحد الراغب في مغادرة منطقة عفرين إليهما، أن يدفع مبلغًا باهظًا يتراوح بين ألف و1200 دولار.

ما جعل الأصوات تتعالى متهمة ( نبل و الزهراء ) بنكران الجميل، و نسيان المعروف و التمنُّع عن ردّ الدين، الذي طوَّق رقبة هاتين البلدتين الشيعيتين، و جعلهما تصمدان بوجه فصائل المعارضة، و منح أهلها و ميليشياتها فرصة الحصول على معظم ما يرغبون به من إمدادات و خدمات، بما في ذلك تهريب من يرغب نحو تركيا، ليبقى هناك، أو ينتقل لاحقًا نحو مناطق الساحل.

ناهيك عن أنّها أمنت المأوى لعدد كبير من ضباط و عساكر النظام، الذين فروا من مطار منغ بعد سقوطه، و قدمت لهم الحماية، كما فتحت ممرًّا لعبور مسلّحي البلدتين ليستعين بهم النظام في جبهات متعددة، لاسيما أيام معارك حلب.

و حتى عندما قام النظام بعمل تخريجة تظهر وفاءه لوحدات الحماية، في مقابل تسليمهم كل الأحياء التي كانت تحت سيطرتهم، ( الشيخ مقصود و الأشرفية و الحيدرية و الهلك )، ما عدا الأشرفية التي لم يبق فيها ما يزيد عن 15% من القوات الكردية، و أرسل قوات شعبية إلى عفرين و ريفها، غضت كلٌّ من روسيا و إيران الطرف عن الاستهداف التركي لها، الذي أودى بعشرات القتلى في صفوفها، و كان هذا ما حذر منه قائد المركز الروسي حين أبلغ كلاًّ من سيبان حمو، و مالك عليا، خلال اجتماع حلب، بأن موسكو لن تدعم الاتفاق بين الوحدات وجيش النظام، لا بلْ إنّ تنفيذه خطوة خطرة جدًّا.

 و هناك من ذهب إلى الربط بين ما يجري في عفرين، و بين ما تشهده الغوطة الشرقية من تصعيد، ربما تكون من نتائجه عملية تغيير ديموغرافي متوازية لصالح إيران، على أن تتقاسم معها روسيا عبأها العسكري، و هو الأمر الذي قاله اليوم الرئيس الفرنسي السابق هولاند من غير مواربة.

وسوم: العدد 763