ليبيا: آخر التطورات والسيناريوهات المرتقبة

علي عبداللطيف اللافي

تعيش ليبيا هذه الأيام تطورات عديدة  في ظل وضع إقليمي مُتغير دراماتيكيا ووضع دولي يتسم بالغموض خاصة في ظل الحديث عن اجندات صفقة القرن وفي ظل نية أمريكية في التخلص من الاتفاق النووي مع ايران وما يمكن ان يترتب عن ذلك من حرب اقليمية جديدة، فماذا يحدث في ليبيا اليوم،  وما هي أهم السيناريوهات التي تُحبك في الغرف الإقليمية والدولية، وماهي رهانات الليبيين في استرجاع منطق الوحدة وابجديات الدولة الموحدة لإفشال سيناريو التقسيم واشعال الحرب الاهلية بين مكونات شعب موحد منذ ديسمبر 1952 رغم ويلات وترتبات الاستبداد والعسف والقهر والتجهيل طيلة اربع عقود والانقسام والصراعات منذ منصف سنة 2014؟

عملية عسكرية مرتقبة على درنة أكدت تقارير إعلامية متطابقة عن زيارات سرية للقاهرة قام بها “الجنرال/المشير” خليفة حفتر، إضافة الى زيارات أخرى معلن عنها خلال الأسابيع والأشهر الماضية، بل أن هناك تسريبات عدة أكدها مناصرون ومقربين وهي جميعا تلتقي وتؤكد وجود تشاورات بينه وبين النظام المصري حول عملية عسكرية محتملة ومرتقبة ضد مدينة درنة المحاصرة منذ أكثر من سنة (خاصة بعد رفضها سنة 2016، قراره بحجر الاحتفال بالذكرى السادسة لثورة 17 فبراير)، ويؤكد المتابعون ان ذلك سيتم عبر دعم قوات برية مصرية على الأرض، وبتغطية جوية من الطائرات المصرية، وكذلك بدعم فني عبر خبراء فنيين، ويؤكد البعض بناء ما تم تسريبه من معطيات فان حفتر حصل عمليا على وعد مصري بتقديم جميع التسهيلات، خاصة بعد وصول قوات مصرية في المنطقة الشرقية، وتحديدًا في معسكر “لملودة” القريب من درنة في إطار الإعداد لخطة اقتحامها تحت إشراف مصري كامل، ولاشك ان درنة مستهدفة لقربها من الحدود المصرية، وهذا ما جعلها أيضا تتعرض لحصار خانق منذ ما يقارب الـ3 سنوات، حيث لا يدخل إليها الدواء ولا الغذاء، بل ولا يستطيع مريض أن يخرج منها للعلاج، بالإضافة إلى نقص الوقود وغاز الطهي ويؤكد بعض المتابعين أن المجلس الرئاسي لم يسع لرفع الحصار غير الإنساني عنها، بل أن بيانات المجلس الرئاسي وتحركاته ضعيفة جدًا على كافة المستويات…. 2- الامارات ونية السيطرة على الساحة السياسية  عمليا تسيطر الإمارات على الساحة السياسية في الشرق الليبي وفي مدن أخرى، وذلك من خلال دعمها لحفتر وأتباعه رغم تفكك وحدة مُعسكره، وتستغل الامارات وجودها في قاعدة الخادم الجوية، وهي تستولي عمليا على الموانئ والهلال النفطي، فضلًا عن تخطيط استراتيجي لمد نفوذها نحو كل المغرب العربي وزعزعة استقرار دوله، وقد أسهمت تلك “القاعدة” بدور كبير في السيطرة على بنغازي بعد اكثر من ثلاث سنوات من الحصار والقصف والمعارك، حيث كانت ممرًا لانطلاق قوات حفتر للسيطرة عليها عبر قصف الطائرات بدون طيار، ووقد تم من خلالها نقل السلاح للمناطق المؤيدة له بالجنوب والغرب على قلتها، والذي يأتي بعضه عبر ميناء جدة السعودي، فضلًا عن عمليات القصف للثوار، ورسم الخطط وتوفير الذخائر والأسلحة والعتاد واستقبال خبراء و”مرتزقة” عرب وأفارقة…. كما أن “القاعدة” وبحسب تقارير إعلامية، تعد المعقل الرئيسي لشركات أمنية معروفة استعانت بها الإمارات لتنفيذ أدوار قذرة في تقطيع أوصال ليبيا، إضافة إلى أن سجن “الكويفية” الذي يسيطر عليه حفتر يتم فيه تعذيب الثوار الليبيين وتصفية بعضهم جسديًا تحت إشراف ضباط إماراتيين حسب تصريحات وقراءات محللين سياسيين ليبيين.. . 3- حقيقة التباين المصري – الاماراتي حول الملف الليبي لاشك أن هناك تباينات واختلافات في وجهات النظر، حيث تحدثت مصادر أن أبوظبي رسمت خطوطًا في ليبيا وحاولت القاهرة تجاوزها فتلقت تنبيها من حكام الإمارات، فمصر تريد اقتصار تدخلها على المنطقة الشرقية عبر عملية الكرامة وحفتر وبمساعدة الإمارات ووفق أجندتها الراغبة في الهيمنة على التراب الليبي كاملاً، وقد تكون هذه نقطة الخلاف بين الإمارات ومصر، وعمليا لا تمتلك مصر الإمكانيات، وبدون أموال الإمارات لن تتحرك في الساحة الليبية، خاصة أن نظام السيسي تعوّد على النهب والفساد لتحقيق أهدافه، وأهداف حلفائه الإقليميين، ومما لا شك فيه ان التباينات بين الامارتيين ستزداد خلال الأشهر المقبلة ولكنها سترتبط بمدى ذهاب ترومب في شن حرب إقليمية على الإيرانيين وترتبات ذلك على المنطقة ومدى تطور الازمة الخليجية وتشكل التحالفات الإقليمية وموقع كل من الدول منها وخاصة قطر وتركيا وايران …. ولاشك ان الإماراتيين غير غائبين عن دوائر السراج ورجاله خاصة وعن الجهة الغربية في الزنتان وحتى في العاصمة طرابلس، وبالتالي فلهم سيناريوهات بدليلة مرتبطة بعلاقاتهم مع دوائر صنع القرار الغربي في فرنسا وأمريكا وبريطانيا وهو ما يتناقض مع رؤية المصريين والذين وان تخلوا عن حفتر فانهم لن يتخلوا عن الفاعلين السياسيين المقربين منهم في الشرق الليبي لاعتبارات جيوسياسية مستقبلية…. 4- من يسعى للتضخيم المتعمد للدور القطري؟ من المعروف لكل المتابعين أن دور المحور التركي – القطري قد تراجع في ليبيا منذ 2015 بشكل كبير، وقد يكون التضخيم الإعلامي للدور القطري حاليا أمر مُتعمد الغاية منه تكريس وجود رأي عام يتجاهل الدور التخريبي للآخرين، كما أنه حلقة في مسلسل الحرب على قطر سعيا من أبوظبي لوضعها في قائمة الإرهاب بعد أن فشلت وشركاؤها في حصارها، بينما السؤال الرئيسي هو من وفر ممرات آمنة للدواعش للانتقال من درنة إلى سرت سنتي 2015و2016، وكذلك إخراجهم من بنغازي إلى سرت دون إطلاق رصاصة واحدة عليهم، في حين تم قصف مدن “زوارة” و”طرابلس” و”مصراته” في نفس تلك الفترة، إن ذلك السعي له أهدافه الإقليمية خاصة في ظل فشل دول المقاطعة في أهدافها التكتيكية ضد قطر وللاستئثار الواقعي في إدارة الملف الليبي وللتغطية على الجرائم التي ارتكبها مداخلة ليبيا وحلفائهم في الرشق الليبي عبر أدوار مسترابة في أكثر من مرحلة… 5- تراجع نفوذ حفتر وسيناريوهات تموقعه سياسيا وعسكريا لولا الدعم الإماراتي لحفتر، لانتهى مشروعه الانقلابي منذ زمن، خاصة بعد تفكك تحالفه المزعوم مع حلفائه المحليين من القبائل، وابتعاد المليشيات التي كانت تنضوي تحت لوائه، وقد عبر عدد من حلفائه السابقين من نخب وسياسيين عن ندمهم في الاصطفاف معه وأصبحت الصراعات مع عقيلة صالح ومع الفيدراليين وقبائل البراعصة والعبيدات والعواقير جلية للمتابعين كما ان مواقفه من أنصار القذافي ومن سيف الإسلامي بدت متناقضة بين فترة وأخرى وحتى لنفس الوسيلة الإعلامية ( جون افريك مثالا والتي صرح لها ضد سيف الإسلام ثم نفى التصريح ليؤكد لها مرة أخرى انه لا يرى له أي دور سياسي مستقبلي)، وبالتالي فالجنرال/المشير أمام سيناريوهات عدة بناء على تطورات الساحة الليبية والإقليمية والدولية: أ- السيناريو الأول، وهو أن يصبح جزء من اللعبة السياسية المرتقبة ولكن بشروط الآخرين وليس بشروطه التي طالما أملاها على حكومة الثني وبرلمان طبرق عندما كان الآمر الناهي سنتي 2015 و2016 والى حدود نوفمبر 2017 … ب- السيناريو الثاني، ويتمثل في نهاية طموحه السياسي مقابل بقائه رقما مهما في تشكيل وقيادة المؤسسة العسكرية الليبية الى ما بعد انتخابات 2018 المنتظرة… ت- السيناريو الثالث، ويتمثل عمليا في خروجه الفعلي من الساحة تماما بناء على نهاية أفقه السياسي والعسكري ربما قبل انتخابات 2018 نتاج رهانات المصريين بعد انتخاب السيسي مجددا ونتاج تطورات إقليمية وبناء على تصدعات حاصلة بينه وبين عسكريين قريبين من أنصار القذافي والذين يرون في السراج رهانا مستقبليا لهم، وفي هذه الحالة قد يقع التخلص من حفتر بأشكال مختلفة قد تصل الى حلة مشابهة لحالة جون قرنق سابق في السودان… ث-السيناريو الرابع، وهو سيناريو صعب الحدوث والاحتمال ان لم نقل مستحيلا، وهو تطور الأوضاع لصالحه دراماتيكيا فيعيد سيناريو 1 سبتمبر 1969 ويلعب دور القذافي 2 رغم ان هذا السيناريو طُرح اقليميا ودوليا في بدايات سنة 2016 الا أنه توارى كسيناريو … 6- سيناريوهات جديدة في مطابخ الغرف الإقليمية والدولية تُؤكد المعطيات القريبة من الفاعلين في إدارة الملف الليبي في دول الجوار وفي المطابخ السياسية للفاعلين إقليميا ودوليا أن هناك أربع سيناريوهات تعد الآن وان تنزيلها مرتبط بالتطورات هنا وهناك خاصة بعد فشل ممهدات سيناريوهات سابقة (سيناريو العودة الى إقامة ثلاث فيدراليات أو ربما أكثر – سيناريو القذافي 2 – سيناريو نقل النموذج المصري الى ليبيا ثم الى تونس تراتبيا ثم استهداف الجزائر)… أ- السيناريو الأول، وينبني على الدفع في مزيد  توتير الساحة الليبية وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وصرف النظر عن معالجة الملف الليبي مما يفتح الأمر على سيناريوهات غامضة وخطيرة قد تعصف بأوضاع دول الجوار وبالساحل المتوسطي، وهو سيناريو ضعيف ولكنه خطير وقد يؤدي للحرب الاهلية وللانقسام الحاد وهو انقسام أخطر مما كانت عليه ليبيا قبل ديسمبر 1951، وقد تكون خاتمة ذلك تسليم حكم ليبيا لشخص أو طرف مستعد أن يبيع سيادة ليبيا بالكامل… ب- السيناريو الثاني، وهو سيناريو ينبني على إجراء تعديلات تجميلية على سيناريو “القذافي2” عبر إيجاد تسويق إقليمي ودولي لحفتر مثلما حدث في نوفمبر 2014 او لشخص بديل له … ت- السيناريو الثالث، ويتمثل في إعادة تفعيل ناعمة لسيناريو ليبيا الغد والترويج لفكرة سيف الإسلام القذافي كزعيم مستقبلي، وهو ما أكدته الندوة الصحفية التي تعقدت الاثنين 19 مارس 2018 بالعاصمة التونسية والتي روجت له وأكدت ترشحه للرئاسيات القادمة، الا انه سيناريو ضعيف نتاج وضعه الصحي المتردي جدا ونتاج أنه مطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية ورفضه من طرف أنصار فبراير… ت- السيناريو الرابع، وهو سيناريو الدفع بإجراء الانتخابات في أكتوبر القادم على ان يسبق عمليا بتكوين جسم سياسي (شبيه  بحركة  “نداء تونس” بنسخة ليبية) وان يكون فائز السراج أو أي شخصية ليبرالية ( حتى ممن عملوا مع القذافي ولم تتلطخ اياديهم بالدماء)، ولكن يبقى السراج أولوي في هذا السيناريو وقد تكون زيارته لأمريكا منذ أشهر تم وضع الملامح الأولى لذلك السيناريو عبر قبول بمطالب أمريكية أغلبها مالية واقتصادية على غرار تحويل كل الأموال الليبية الى أمريكا وبأحقية الشركات الأمريكية في إعادة الاعمار والاستثمار في الثروات الليبية في غدامس وغيرها… 7- أي سيناريو أكثر ورودا بناء على تمسك الليبيين بثورتهم؟ بينت الأحداث والتطورات أن الشعب الليبي أصبح اليوم أكثر نضجا مما مضى، حيث أثقلته التجارب السابقة التي مر بها وزادته يقظة، فأغلب الأحداث التي قامت بها الثورة المضادة، تم تعريتها وفضحها في أكثر من مناسبة والأمثلة أكثر من أن تحصى أو تعد، ولدى اللييبين اليوم قناعة تامة بأن ثورة فبراير حققت الكثير من أهدافها رغم الأخطاء القاتلة للعديد من النخب السياسية، حيث أفشل الشعب سيناريو إعادة عقارب الساعة للوراء، بل وأفشل منطق ترذيل ثورة فبراير فقد ميز الليبيون بين مبادئ الثورة والأهداف الشخصية، وما الحشود الشعبية التي احتفلت بالذكرى السابعة للثورة إلا دليل كبير على ذلك حيث وجهوا رسالة للخارج وللداخل بأنهم متمسكون بثورة فبراير بالرغم من المعاناة والأزمات وانتهاكات حقوق الإنسان والوضع الاقتصادي المعقد، وأنهم يعتبرون ثورتهم الهدف والمصير، ولا رجوع لحكم العسكر أو الديكتاتورية وأن أي سيناريو ينبني على ذلك سيسقط في الماء…. وبناء على ذلك وبناء على الخط الأحمر التي تضعه القوى الدولية الوازنة من أجل عدم تهديد أمن المتوسط وبناء على توازن الضعف لأطراف الصراع وتفككها الداخلي في ظل حالة أللا حرب وأللا سلم و أللا انتصار لأي طرف وألا هزيمة لأي طرف، وفي ظل أن الليبيين قد سئموا المعارك والحروب والصراعات، فإن سيناريو تنظيم انتخابات برعاية أممية في أكتوبر القادم أمر وارد خاصة بعد نجاح اجتماع مسؤولي البلديات وتلويحهم بحلول عملية منبهة لطرفي الصراع وان بشكل غير مباشر… كما أن صعود السراج للرئاسة يبقى أمر أكثر ورودا كما ان تأسيس جسم سياسي تحت لافتة الطريق الثالث أمر تؤكده الكواليس والمباحثات غير المعلنة في أكثر من عاصمة وفي أكثر من مدينة ليبية، وأن ذلك الحزب قد يٌحظى بقبول قوي في التشريعيات مقابل تواجد أقل للإسلاميين بقيادة العدالة والتنمية وأيضا والمقصود هنا هما “تحالف القوى الوطنية” او لــ”تجمع الوطنيين الاحرار” وهذا الأخير قد يحدث المفاجأة عبر استنساخ عملي لحزب ماكرون ولكن بنسخة ليبية وهل ماكرون ليبيا هو السراج أو الحاسي أو شخصية لا تُرى الآن في المشهد السياسي الليبي  ……

وسوم: العدد 764