صبر المسلمين على تحمل أذى أعداء الإسلام يكون بالرجوع إليه لا بالنكوص

يبدو أن المسلمين في هذا الزمان قد بلغوا درجة غير مسبوقة من اليأس، والإحباط ، والانهزام ، والخضوع ،والاستسلام أمام الحملة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام من عدة  جهات وواجهات وبشتى الطرق والأساليب والوسائل التي بلغت أقصى درجات المكر والخبث .

ومعلوم أنه يوجد فرق كبير بين أن ينهزم الإنسان دون أن يغادره الأمل بأن الهزيمة مجرد مرحلة عابرة وبين أن يسيطر عليه اليأس ويعتبر الهزيمة قدرا دائما وملازما لا فكاك منه ، وهو ما يعتقده المسلمون اليوم لأنهم فقدوا الصلة بالوحي الموجه لهم في خوضهم غمار الحياة التي يتقاسمها معهم أعداء الإسلام بكل أطيافهم، وأشكال كيدهم ومكرهم ، ولو أنهم لازموا تعاليم هذا الوحي لما انتهى بهم الأمر إلى ما هم عليه من نكوص عن الحق أمام زحف الباطل الكاسح.

ولقد أخبر الوحي بأنه سينال منهم الباطل كل نيل ، وأنه يتعين عليهم الصبر والثبات على الحق ، والتزام العزم ،وهو إمضاء الرأي دون التردد في كونه هو عين الصواب والسداد،ويطالعنا ذلك في قول المولى جل وعلا : (( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا إن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور )).  هكذا بأسلوب توكيد أخبر الله عز وجل عن بلاء ينزل بالمسلمين في أموالهم وأنفسهم ، وعن سماعهم الأذى الكثير من اليهود والنصارى والمشركين ،لكنه أمرهم بالصبر على ذلك ، ولا يعني الصبرالهزيمة والنكوص بل الثبات على الحق .

وأقبح الأذى الذي سمعه الرعيل الأول من المسلمين  وسيبقى كذلك إلى قيام الساعة هو المساس بقدسية الذات الإلهية من قبيل وصف الله جل جلاله وتعالى عما يصفون علوا كبيرا بالفقر والبخل كما أشار ذلك الوحي في قوله عز من قائل : (( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء )) وقوله : (( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )) . ومثل قبح هذا الأذى نعت شخص النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بأقبح النعوت من جنون وسحر وكذب ...حاشاه .ومن قبح هذا الأذى أيضا النيل من كلام الله عز وجل ووصفه بما لا يليق بقدسيته ، والنيل من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنيل من صحابته الكرام رضوان الله عليهم ، والنيل من أئمة وعلماء المسلمين وصالحيهم وعامتهم . ومصدر الأذى كما جاء في كتاب الله عز وجل هم اليهود والنصارى والمشركون ،علما بأن الشرك ملازم لليهود والنصارى بشهادة القرآن الكريم لأنهم زعموا لله الولد تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا . ولا يمكن لليهود والنصارى أن يتخلوا أبدا عن تقليد ورثوه عن أسلافهم كما ورثوا عنهم تحريف الكلم عن مواضعه .

ومعلوم أن كل من ناله الأذى من اليهود والنصارى والمشركين يكون مسلما صحيح الإسلام . وعلى من لم ينله منهم هذا الأذى أن يتهم نفسه ، ويراجع إسلامه لأنهم لا يرضون إلا عمن سايره أهواءهم . وعندما نتأمل المسلمين في هذا الزمان نجدهم فريقين ، فريق يتعرض لأذى اليهود والنصارى والمشركين  بشتى الأشكال ، وفريق تربطه علاقة  جيدة بهؤلاء ، ويمتدحونه ، ويسلطونه على الفريق الأول لإلحاق الأذى به ، وكثير الأذى الذي يلحق هذا الفريق يكون من الفريق الثاني الذي يسخره اليهود والنصارى والمشركون حتى صار أصحاب هذا الفريق ينوبون عن هؤلاء في إلحاق الأذى بأصحاب الفريق الأول . ولا يكاد نعت مشين يختلقه اليهود والنصارى والمشركون حتى يتلقفه منهم المستلبون والمنبطحون من المحسوبين على الإسلام، فيروجونه على أوسع نطاق وكأنهم يبلغون وحيا يوحى لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه .

كثيرة هي النعوت القدحية التي ينعت بها المسلمون اليوم والتي تمت فبركتها من طرف اليهود والنصارى والمشركين من قبيل اتهامهم بالإرهاب والإجرام وتبني خطاب الكراهية ومعاداة السامية ... إلى غير ذلك مما صار صورا ملازمة للمسلمين، فلا يكاد اليهودي أو النصارى أو المشرك يذكر اسم مسلم إلا بأقبح النعوت ، والمؤسف حقا أن يقتنع المستلبون  من المحسوبين على الإسلام بذلك قناعة تامة لا ريب فيها ،ويروجونه  على أساس أنه حقائق وليس مجرد افتراءات .

وقصد اليهود والنصارى والمشركين هو بث الشعور بالهزيمة واليأس في نفوس المسلمين لينكصوا عن دينهم وعلى الحق الذي جاء به ليبطل أباطيلهم . ولهذا يلزم المسلمين الأمر الإلهي بالصبر على أذى هؤلاء من خلال الثبات لا من خلال النكوص . فحين ينال أعداء الإسلام  سواء منهم المعلنون عن عدائهم ، أوالمموهون عليه على سبيل المثال لا الحصر من صحيح البخاري، وهو في الحقيقة  استهداف للحديث الشريف لا يجب فهم الصبر  بالتباكي أو الشجب أو غير ذلك من ردود الأفعال السلبية بل لا بد من إحياء ما في صحيح البخاري عمليا وإجرائيا ليظل حاضرا في حياة الأمة حضورا حقيقيا ،وليس حضورا ورقيا . ولقد كان من المفروض حين انطلقت حملات استهداف صحيح البخاري من طرف المقنعين من المحسوبين على الإسلام ومن طرف المصرحين بعدائهم له من المرتزقة الذي يعملون لحساب اليهود والنصارى والمشركين أن يقبل كل مسلم على اقتناء نسخة من الصحيح تماما كما تفعل الأمم الأخرى حين يشيع خبر كتاب من الكتب بينها بدافع الفضول أو حب الاطلاع أو بدافع المساندة والدعم . وتأتي بعد ذلك خطوة قطع الطريق على من يستهدفون الصحيح بتنزيل ما فيه عمليا ما دام هدف المشككين فيه هو الحيلولة دون تنزيله . وهكذا يكون الصبر على سماع الأذى في صحيح الأمام البخاري . وقياسا على هذا الصبر تأتي باقي أنواع الصبر على الأذى حتى حين يستهدف المسلم العادي .

ومن الغريب أن ينبري اليهودي نعوم شومسكي  المشهور بمواقفه المعارضة  للسياسات الغربية وخصوصا الأمريكية منها  ، والمناصر للقضايا العادلة هو ومجموعة من المفكرين في العالم للتنديد بما لحق الداعية المسلم طارق رمضان من تعسف في فرنسا بتهم ملفقة من تلفيق المخابرات الصهيونية التي وظفت مستأجرات لتشويه سمعته كداعية ومفكر يواجه أباطيل اليهود والنصارى والمشركين . ومقابل موقف شومسكي وأمثاله من المفكرين من ذوي الوزن وبعد النظر ، والخبرة بألاعيب الغرب وسياساته  نجد المنهزمين والمنبطحين من المحسوبين على الإسلام يسارعون في تصديق  تلك المستأجرات في اتهامهن طارق رمضان بأحط التهم لتحويل سمعته  الفكرية وكاريزميته إلى لا شيء . ومقابل احتجاز هذا الداعية  والفيلسوف المسلم  بتهمة الاغتصاب نجد الرئيس الأمريكي على رأس أكبر دولة في العالم وقد ثبتت في حقه تهمة الاغتصاب ودفع الأموال لضحاياه من أجل شراء صمتهن وهو ما افتضح ولم يعد خافيا على الرأي العام العالمي . فنفس التهمة التي زجت بالداعية  المسلم في السجن لم تنل شيئا من المقاول الأمريكي .

إن الذين سمعوا الأذى  اللاحق بهذا الداعية  وهو أذى لاحق بكل المسلمين ،وسايروا فرنسا في اتهامه لا عزم لهم ولا ثبات لأنهم انهزموا ولم يتبنوا موقفا مكذبا ومسفها لفرنسا ومبرئا للداعية والذي أراد خصوم الإسلام أن يثبتوا بأن الدعاة المسلمين ليسوا سوى مجرد شهوانيين يستغلون سمعتهم الدينية لإشباع نزواتهم الجنسية .

ومقابل الدعاية الإعلامية العالمية  الخمة والمدوية لاتهام طارق رمضان لا نجد أثرا  للحديث عن جرائم اغتصاب الرهبان للطفولة البرئية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية حيث مر الإعلام الغربي بخبر هذه الجرائم الشنيعة مرور الكرام كما يقال ، وانتهت  ببساطة هذه القضية .

فمتى سيفيق المسلمون من غفلتهم ، ويجددوا صلتهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم لمواجهة الحملات العاتية على دينهم  بالصبر الإيجابي  على الأذى لا بالنكوص والانهزام ؟  

وسوم: العدد 788