إدلب السورية تختبر الجميع.. مجدداً

ما إن انتهى اجتماع طهران الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا، حتى واصلت مقاتلات نظام الأسد بدعم روسي وإيراني قصفها المدنيين في إدلب، بذريعة تواجد إرهابيين. تزامن ذلك مع مواصلة حشد القوات البرية على تخوم المحافظة استعداداً لاقتحامها، في وقت يبدو فيه أنّ احتمالات إيقاف العدوان على إدلب تتضاءل مع مرور الوقت، بالرغم من الجهود التركية السياسية والدبلوماسية المضنية لمنع حصولها. وفي هذا السياق، ستشكّل إدلب اختباراً جديداً لجميع اللاعبين المعنيين بشكل مباشر أو غير مباشر بالقضيّة السورية. 

الجانب التركي يبدو أكثر من أي وقت مضى بين مطرقة روسيا وسندان الولايات المتّحدة. وبالرغم من ذلك فهو لا يزال اللاعب الوحيد الذي يعارض سرّاً وعلناً سياسة الأسد ونظامه، كما ظهر بشكل جلي أثناء قمّة طهران التي بُثّت كاملة بشكل غير مقصود ودون علم مسبق من قبل المتواجدين في القاعة. أوضحت تركيا أن إدلب تشكل مسألة أمن قومي بالنسبة لها، وأنّه لا يمكن ترك مصير المدينة وأهلها للأسد، وبهذا المعنى فإن إدلب ستختبر مدى قدرة أنقرة على الدفاع عن موقفها. في المقابل، يشكك كثيرون في قدرة تركيا على الدفاع عن خياراتها، نظراً للخلل الرهيب في موازين القوى بينها وبين الآخرين من جهة، ولافتقادها إلى الخيارات السياسية من جهة أخرى، فضلاً عن تعقيد الجماعات المتطرّفة لمهمّتها الدبلوماسية التي تسعى من خلالها إلى تجنيب المدينة، ومعها أكثر من 4 ملايين إنسان المعركة الأصعب.

إصرار موسكو على عملية الأسد العسكرية ضد المحافظة من شأنه أن يختبر بعنف التفاهم الروسي- التركي في سوريا، واحتلال المحافظة سينهي على الأرجح اتفاقات الأستانة، وما تضمّنته من تعهدات لمختلف الأطراف المشاركة فيها، وهذا بدوره يضع علامات استفهام حول مدى رغبة روسيا بالفعل في التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام في سوريا. فضلاً عن ذلك، فإن السيطرة على إدلب ستمهّد لمعركة سياسية بين أنقرة وموسكو، بشأن مصير التواجد التركي في المناطق المحررة، وهي المناطق التي دفع أثماناً باهظة لتحريرها، وليس بوارد تسليمها بكل بساطة لنظام الأسد، لأنّ روسيا تريد ذلك.

في المقابل، تختبر معركة إدلب المنتظرة موقف الولايات المتّحدة وسياساتها الجديدة في سوريا. معظم التصريحات الأميركية الرسمية تشير إلى أن واشنطن لا تعارض العملية العسكرية، أو سيطرة الأسد على المحافظة، وإنما همّها الأساسي أن تكون هذه المعركة محدودة، ودون استخدام الأسلحة الكيميائية. ما يهم الجانب الأميركي على ما يبدو استهداف الجماعات المدرجة على قائمة الإرهاب الدولية، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى «انفلاشها» بشكل يمثل خطراً لاحقاً، ربما عليها، أو على الميليشيات التي تعمل معها في سوريا.

لكن مثل هذا الموقف الذي يسمح للأسد بالسيطرة على المدنية، بدعم إيراني، يتعارض عملياً بشكل أساسي مع الأهداف الأميركية المعلنة، ومنها إخراج إيران وميليشياتها من سوريا، والضغط على الأسد للتوصل إلى حل سياسي مقبول ومستدام من قبل السوريين والمجتمع الدولي. هناك فرصة اليوم للولايات المتّحدة لكي تصحح جزءاً من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها في الملف السوري خلال السنوات السبع الماضية، وذلك بدعم الموقف التركي الرافض للمعركة في إدلب، ليس من الناحية السياسية فقط، ولكن من الناحية العسكرية أيضاً.;

وسوم: العدد 789