صناديقُ بلا حدود، من يدفع للزمار؟...

على مدى اكثر من عشرين عاماً  كانت وكالة المخابرات الأمريكية هي التي تدفع للزمار والمزمرين وتدير جبهة ثقافية بدعوى حرية التعبير ، وبتعريفها للحرب الباردة بأنها معركة من أجل  الاستيلاء على عقول البشر وقلوبهم . وبعد ان وضعت الحرب اوزارها وصمتت هدير المدافع وازيز الطائرات ودوي القصف أخرجت الترسانة أثقالها الثقافية: الصحف والمجلات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز ..الخ ، وتكونت شبكة من الراديكاليين السابقين والمثقفين اليساريين ممن تحطم إيمانهم بالماركسية والشيوعية ، ومن مؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعائية ضارية هدفها زرع ثقافة القرن الأمريكي التنويري الجديد تخطط لها وتديرها "منظمة الحرية الثقافية

" Congres for Cultural Freedom" 

أو لتكون "الزمار" الذي تدفع له CIA ثمن ما تطلبه من ألحان.

هذا هو ملخص الجهد الضخم الذي قامت به الباحثة البريطانية سوندرز في كتابها 

(من الذي دفع للزمار)؟. إذ أنها بيّنت بوضوح الجانب المظلم في تاريخ أمريكا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية ، وفحص عدد كبير من الوثائق الرسمية التي أُفرج عنها مؤخرا ، حيث  كشفت عن أسماء عدد كبير من ابرز مفكري وفناني المرحلة من أمثال (أشعيا برلين وكليمنت جرينبيرج وسيدني هوك وآرثر كويستلر وأندريه مالرو وجورج أورويل وبرتراند راسل وسارتر وآرثر شليزنجر الابن وغيرهم ..)

تعاون بعضهم دون ان يدري ، وعمل آخرون بعلم واستعداد للتعاون لصنع ما يسمى "بأيديولوجيات الاستيعاب التنويرية" .

وجُنّد قطاع متخصص في الوكالة للالتفاف على المعارضين للمشروع في الكونغرس.  

واُستُعمل اليسار الديمقراطي ضد اليسار الراديكالي كستار للهيمنة الأمريكية على أوروبا.

هذا هو الاسلوب الذي لجأت إليه وكالة المخابرات المركزية للعب في الميدان الثقافي متخذةً من الفنون والآداب غطاءً لها في عملها .

وبعد ان خاضت الولايات المتحدة الأمريكية حربيها في أفغانستان والعراق بداية هذا القرن وتبين زيف الأسباب التي ساقتها لتبرير تلك الحروب وما رافقتها من جرائم بشعة وبدأت تعاني  من عزلة دولية عبرت عن ذلك المناخ السائد بالسؤال:

( لماذا يكرهوننا ) ؟. 

عندها لجأت إلى

صياغة نظريات لاجيال جديدة من الحروب فضاؤها حقول الإمبراطوريات الإعلامية والتطويع الفكري والثقافي ومن لم يأت بالترويض لا بد ان ينتهي بالتقويض ومن استعصى على التطويع فليواجه الترويع" ومن لم يكن مع أميركا "واسرائيل" فهو ارهابي وعدوٌ للحياة والامل والمستقبل ولا بد من تصفيته ولذلك كانت الثورات المضادة لقمع إرادة الشعوب العربية قاسية ودموية ، برعاية دولية واموال نفطية وألحان عبرية.

الجيل الجديد من الحروب "حرب الاختراقات الإلكترونية" كشف عن وقائع صادمة 

في تطور المشهد السياسي اذ ان الذي دفع للزمار  ليس أميركياً فقط وإنما هم عرب الرداء واللسان والبيان ينطقون شعرا موزونا وقافية محبوكة، تعرف منهم ذلك وتنكر فعلهم وتآمرهم على اقوامهم وبني جِلدتهم.

اكبر المفارقات واعجبها ان اللحن المُنتج - بصرف النظر عن الممول - هو لحن صهيوني بامتياز !!!

والصندوق الاسود الذي فُتح مُؤخراً كشف عن مرحلة انحطاط جديدة من التاريخ الحديث، كشف عن التحالف مع "إسرائيل" ومع الشيطان، لقمع الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، وتكميم الأفواه.

نشأ تحالف خبيث ضد خيارات الشعوب، ولمواجهة الحركات الحية وقوى التغيير وضد المقاومة.

    تغييب الوعي وتزوير التاريخ والحاضر...

والهدف بحسب الرواية " الإسرائيلية" (وقوف "إسرائيل" والعرب معا فإن ذلك يعني القوة ).

بحور الشعر لم تعد عربية ولا اللحن كذلك حتى لو كان الزمار عربيا ...

ومن يدفع للزمار يختار اللحن الذي يطربه .

اليوم يدفع الأميركي والأوروبي والعربي ولكن الذي يختار اللحن هو "الإسرائيلي"

وفيكم سماعون لهم ..

بعظمة لسانه قال زعيم عربي بافتخار ... يوميا استمع لمطربين  اسرائيليين يوميا .. اطرب لميشيل ياهو وغيره.

غزة حالة الاستثناء، والمقاومة المحاصرة عزفت لحنها  الأصيل بإيقاع الصمود وإبداع الإرادة وعلى أزيز الرصاص ونفثات الصواريخ، سلمت الأيادي التي استهوت العقول وجذبت القلوب، أنها المقاومة بلا حدود والتعاطف معها عابر للحدود.

أختم بسؤال بريء وهو : ما الفرق بين ما انكشف من وثائق سفير الإمارات في واشنطن (الصندوق الأسود ) وبين ما كتبته في 17/11/2014 على صفحتي الشخصية (الفيسبوك) عن الإمارات وسُجنت بسبب ذلك سنة ونصف؟.

وسوم: العدد 799