حماس أثبتت أن تل أبيب لا تفهم إلا لغة القوة

كل «الأيديولوجيا الصهيونية الحالية» مبنية على مبدأين أساسيين: «أرض إسرائيل تعود لشعب إسرائيل» و«العرب لا يفهمون إلا لغة القوة»، هذان المبدآن وليس غيرهما هما العقيدة الصهيونية بمجملها.

ولكن هناك مشكلة بسيطة مع حجري الأساس هذين لحياتنا وموتنا ـ العرب، محا الله ذكرهم واسمهم، لا يوافقون عليهما. هم يعتقدون أن أرض إسرائيل تعود لهم وليس لنا. وخلاف ذلك، حتى أكثر سوءاً، رغم مئات السنين التي ضربناهم فيها بلا هوادة، فإن هؤلاء المتخلفين ما زالوا لا يفهمون إلا لغة القوة.

ما الذي بقي لنفعله بهم؟ لقد طردنا وذبحنا وسلبنا ونهبنا وفجرنا وخربنا وطهرنا ودمرنا وأحبطنا وقتلناهم وأولادهم (ها هي جثث رؤوس الأفعى أبو جهاد وأحمد ياسين ويحيى عياش وسلسلة طويلة منهم) ولم يحدث أي شيء ـ هؤلاء الأغبياء ما زالوا على حالهم. وحتى الآن لا يفهمون أنهم لا يفهمون سوى القوة. إذاً ليس هناك خيار سوى ضربهم بصورة أشد إلى أن يفهموا أخيراً. ولكن ربما يكون الأمر عكسياً؟ جميعنا نعرف من خلال التجربة أن السارقين يعتقدون أن الجميع يقومون بسرقتهم، والمحتالين على يقين من أن الجميع يخدعونهم، وهؤلاء حكماؤنا قالوا منذ زمن بأن «كل من يرفض الآخر يرفضه لأنه يرى فيه العيب الذي يوجد فيه». إذاً ربما نحن بالذات وليس العرب الذين لا نفهم سوى لغة القوة؟

عندما اختطف الفلسطينيون جندياً إسرائيلياً أطلقت الحكومة سراح أكثر من ألف سجين

لا، لا.. ليس ربما، بل هو أمر مؤكد، وقد تم إثباته المرة تلو الأخرى على مدى وجودنا هنا. إليكم ثلاثة أمثلة ليست بسيطة: قبل حرب يوم الغفران اقترح الرئيس المصري أنور السادات السلام مع إسرائيل مقابل إعادة كل سيناء. إسرائيل لم ترد ولم تستجب، بل استخفت به وبالت عليه. عندها فهم السادات أنه لا مناص له، لقد فرض على إسرائيل الحرب. وفجأة وافقت إسرائيل على عقد السلام مع مصر مقابل إعادة كل شبه جزيرة سيناء.

رؤساء حكومات إسرائيل المتعاقبة، بمن فيهم اسحق رابين، أعلنوا صباح مساء أنهم لن يتحدثوا في أي يوم مع م.ت.ف الإرهابية. عندها أشعل الفلسطينيون الانتفاضة، وفجأة تحدث إسرائيل ورابين مع م.ت.ف، بل ووقعا معها على اتفاق من أجل السلام.

وماذا عن إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين؟ لن توافق إسرائيل، سواء مقابل اتفاقات مرحلية أو مقابل هدنة لعشرة سنين أو ثلاثين سنة. عندها فهم الفلسطينيون الإشارة، فاختطفوا جندياً إسرائيلياً، وفجأة أطلقت إسرائيل سراح أكثر من ألف سجين.

والآن تعود النغمة أمام ناظرينا. لن توافق إسرائيل على رفع أو تخفيف الحصار على قطاع غزة أو على إعمارها حتى لو جزئياً. عندها أطلق الفلسطينيون علينا صليات البالونات الحارقة وقذائف الهاون. فجأة إسرائيل العظيمة خضعت للقوة الضئيلة لحماس.

ولكن لا تقلقوا، في الحقيقة لم تستسلم إسرائيل. ما الأمر؟ هذا أمر مؤقت وشكلي. ألم تسمعوا رئيس حكومتكم؟ لقد قال بصورة واضحة بأننا «سننتصر على أعدائنا» من خلال التضحية (أي، اهدأوا، قريباً ستموتون كما تحبون). ولن تكون إعادة إعمار أو شيء من هذا القبيل. ما تم أخذه بالقوة سيعاد بالقوة لأننا فقط لا نفهم سوى لغة القوة.

حتى هذا المقال يجب علينا الاعتراف بأن لا قيمة له، ذلك أنك عندما تشرح للناس الذين لا يفهمون سوى لغة القوة بأنهم لا يفهمون سوى لغة القوة فهذا مثل أن تشرح للدجاجة بأنها ديك رومي.

إذاً هيا، اشكروا الله لأنه رحيم دائماً.

وسوم: العدد 799