ليبيا: محادثات ستيفاني في بنغازي وانزعاج حفتر ومستقبله السياسي

علي عبداللطيف اللافي

يترواح المستقبل السياسي للواء الليبي المتقاعد “خليفة بلقاسم حفتر”، بين أن يكون مُجرد آلية في عملية توحيد الغرب والشرق الليبيين أي أن يكون رقما من الأرقام وفقا لشروط الآخرين وليس بشروطه، وبين عيش آخر أيام الحلم بأن يكون “قذافي2” أو “سيسي ليبيا”، ولقد بينت ردة فعله على زيارات “وليامز” للمنطقة الشرقية، أنه مازال يعيش على أوتار النرجسية المتضخمة والمتعالية حيث أنه ورغم تنازلاته خلال الأسبوعين الماضيين فإنه لا يزال يتصور نفسه مدار الأحداث والاضواء، ورغم أنه حُظي بمقابلة خاصة مع رئيس الوزراء الإيطالي خلال الأسبوع الماضي إضافة الى تواصل الدعاية الإعلامية العربية له ولقواته، فإن مُؤشرات متناقضة حول مصيره السياسي الغامض بدت في الانكشاف، فما هي عمليا حيثيات ما جد خلال الأيام الماضية، وما هو مستقبل اللواء المتقاعد خلال الأسابيع والأشهر القادمة؟

 * حيثيات زيارة وليامز لبنغازي وسر الجدل المُثار

عقدت  نائبة رئيس البعثة الأممية في ليبيا “ستيفاني ويليامز” الأيام الماضية اجتماعات عدة ضمت نشطاء وأصحاب توجهات سياسية في بنغازي وعلى رأسهم رئيس اللجنة التسييرية للمدينة، ورغم أن المُتابعين للشأن الليبي  قد اعتبروا الزيارة طبيعية، ذلك أن وليامز مُخولة عمليا في اطار مهامها بتسهيل عملية التسوية السياسية وبعد نجاحها في طرابلس من الطبيعي أن تقوم بمهام أخرى شبيهة في بنغازي بناء على أن الأخيرة هي عاصمة جبهة سياسية وعسكرية فاعلة وجد مُؤثرة حيث أن بها عدد من فرقاء الصراع، ولكن الزيارة الحالية أتت عمليا في سياق استثنائي، فــــ”وليامز” نجحت  عمليا في المُضي الفعلي لتمرير مُقاربتها التي أعلنت عنها في أكثر من مناسبة حيث أكدت على ذلك أثناء لقاءات لها مع مُمثلي القوى السياسية في طرابلس ومدن الجهة الغربية، وقد نقلت أهم وكالات الانباء أن مجهٌودات “ويليامز” قد تركزت حول التحرك الجامع والذي شمل مسارات متوازية هي السياسة والاقتصاد والأمن، ومعلوم أن العاصمة شهدت تطورا على المسارين الاقتصادي والأمني، كان له صداه على المسار السياسي محليا بتقارب البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، ودوليا بتأكيد أسبقية إيطاليا، المدعومة أمريكيا، بإدارة الملف الليبي ومحاولة احتواء تدخلات الأطراف الدولية الأخرى، وضمن كل ذلك كانت الزيارة وكأنها إعلان باستقرار الوضع في العاصمة والغرب الليبي وفق الخطة الأممية، وإيذان بالتحول شرقا وربط المكونات النافذة هناك بالمسار الجديد ضمن الخطة البديلة والموسومة بالخطة ب والتي يجمع كل المتابعين أنها تٌطبق وتُفعل على الأرض بغض النظر عن هوامش الوقائع والتطورات الميدانية والسياسية والحراك الدولي الظاهر حول ليبيا (لقاء مدينة طبرقة التونسية – مؤتمر الخرطوم – مؤتمر نيامي – الخ)…

* موقع حفتر في “خطة ويليامز”

لا خلاف أن الشرق الليبي شبه مستقل سياسيا وأمنيا عن حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وباعتبار أن البعثة الأممية تعتبر السراج وحكومته محور السلطة والتوجيه وإدارة شؤون البلاد، وهو ما يعني لجميع المتابعين أن نجاح مقاربة البعثة الأممية لحل الأزمة يتطلب تمدد سلطان حكومة الوفاق وتأثيرها في الشرق أيضا (وهو ما يفسر امضاء السراج على قرارات وأوامر بصرف مئات الملايين من الدنانير لبلدية المدينة إضافة الى خطوات أخرى منتظرة  خلال الأيام القادمة)، وبدون ذلك سيعتبر العالم أن البعثة الأممية غير ناجحة، وبناء على ذلك تم برمجة الزيارة وتحديد غايتها الرئيسية ولذلك عقدت النائبة الأمريكية لسلامة اجتماعات عدة في الشرق الليبي وحرصت على عاملي الكم والكيف لتلك المحادثات…..

ومما لا شك فيه أن الجميع يعي أن العائق الأساسي أمام نجاح جهود البعثة ومساعي نائبة رئيسها هو قائد الجيش التابع للبرلمان، وبالتالي فوليامز تعي ذلك خاصة منذ الالتقاء به خلال مناسبتين سابقتين، وبالتالي بنت فرضياتها الرئيسية أنها متى تخطت ذلك التحدي، فالباب سيكون مفتوحا لتمدد مُقاربتها بل وستتمكن من دمج بنغازي وكافة مدن الشرق فيها….

والثابت ان ضغوطا عدة قد مُورست على حفتر من أكثر من جهة إقليميا ودوليا خلال الأسابيع والأيام الماضية، لإدماجه ولجم سخطه والذي عبر عنه بطرق عدة منها إعلانه مؤخرا عن تحرك جاد لاجتياح العاصمة، ومنها تمرده على السلطة العليا التي عينته (مجلس النواب في طبرق)، حيث سبق أن تم منحه رتبة مشير ومن ذلك تأكيده عدم اعترافه بوجود قائد أعلى للجيش الليبي، وعزمه عن تولي هذا المنصب بسلطة الأمر الواقع، ومعروف أن حفتر قد أكد لمقربين منه ولحلفائه الاقليميين أنه يشعر أن الأطراف الدولية التي دعمته بشكل مباشر أو غير مباشر خذلته بعدم قبولها تمرير طموحه في الوصول للحكم بأيسر الطرق، وذلك لا يتناقض مع تطورات الساعات والأيام الماضية من حديث عن لقاءات وترتيبات معه تعبر عن ما قدمه من تنازلات بعد الضغط عليه وقبوله بحكومة الوفاق حيث من المنتظر ان يلتقي به في بروكسال خلال الساعات القادمة وبعد ان كان قد التاقه في عمان الأسبوع الماضي رغم نفي وزير الخارجية الليبي محمد سيالة لذلك…

* ما سر انزعاج حفتر تجاه زيارة لوليامز لبنغازي

الثابت أن العديد من المصادر الإعلامية الليبية قد نقل على مصادر برلمانية من طبرق، امتعاض اللواء المتقاعد من تواصل البعثة الأممية في ليبيا، مع أطراف اجتماعية في بنغازي، بل وأكدت تلك المصادر أن حفتر قد أبلغ السفير الأميركي لدى تونس، ديفيد روبنسون ( من بين أهم مسؤولي الملف الليبي في الإدارة الأميركية)، أثناء اجتماعه غير المعلن به في روما  يوم 05 ديسمبر الحالي عن عدم رضاه عن زيارة ستيفاني وليامز، واجتماعها بعدد من قادة المجتمع المدني وشخصيات فاعلة في بنغازي، معتبراً الأمر محاولة لاختراق صفوفه، بل أن اللواء المتقاعد أكد للسفير أن وليامز لا يمكن أن تذهب في أي اتجاه من دون دعم بلادها لها أو برغبة منها…

ومقابل ذلك نشرت مواقع معروفة تأكيدات مصدر برلماني من طبرق أن حفتر متخوف بشكل كبير من إمكانية خروج قادة مليشيات مهمة عليه على غرار الصاعقة

ومعروف أن غالبية الفصائل المسلحة في الشرق الليبي هي في حالة تململ، ومواقفها لم تعد داعمة بشكل كبير لحفتر بعد أن كانت تدين له بالولاء المطلق سنتي 2016 و2017، ووجود الأمم المتحدة في بنغازي قد يعني فتح طريق لهم للتواصل والبحث عن مخرج من سيطرة حفتر وأبنائه، وقد أكد أكثر من متابع وطرف أن حفتر يستشعر خطورة كبيرة من اقتراب أي جهة دولية من بنغازي ومحيط معسكراته في الشرق، حتى أن أحد نواب برلمان طبرق قد أكد في تصريحات لوسائل اعلام عربية أن “الزيارة أزعجت حفتر بشكل كبير، فانكشاف المستور في ثنايا أزقة بنغازي وخباياها قد يقود حفتر إلى محاكمات دولية  – في صورة تنطعه على الترتيبات والخطط الأممية – وخصوصاً المجازر التي ارتكبت إبان حربه على خصومه…”،  ومعلوم أن هناك شخصيات عسكرية مطلوبة للمحكمة الجنائية الدولية، وعلى خلاف مع حفتر، فماذا لو اعترفت وفضحت قليل من المستور الكثير….

وعمليا أكدت مصادر عديدة وجود ضغط كبير خلال الأيام الماضية، على حفتر للقبول بأي حلول قد يُنتجها المؤتمر الوطني الجامع (المقرر عقده مطلع العام المقبل)، وهذا يعني أن خبر جلوس حفتر مع السراج في عمان – رغم عدم الإعلان رسميا-  بل أن هناك تسريبات خبرية وتأكيدات أن حفتر قد بدا قابلا بالتوافق المرحلي مع السراج، وأن ذلك قد تم بعلم غسان سلامة وهو ما يفسر دعوته الى طرابلس من طرف السراج وقد يؤكد البعض ان حفتر مازال يلوح بورقات ضاغطة على غرار علاقته بالروس او الاستقواء بالمصريين والاماراتيين وهي حلول لم تعد مجدية ذلك أن بعض أولئك الحلفاء قد وجهت إليهم رسائل واضحة في ترك حتى هوامش مربعات المناورة في الازمة الليبية، وأنها لابد أن تُحل سياسيا وأن خياري “سيسي ليبيا” و”القذافي 2″ حلول متهاوية ولا أمل لها في التجسد وأنها تتناقض مع مسارات متبعة من قبل سلامة ومساعدته  …

والسؤال الأهم هو، لماذا قلق حفتر بل وانزعج من تلك اللقاءات التي أجرتها وليامز؟، وهو الذي يعلم جيدا أن، لقاءاتها كانت من أجل الإعداد لعقد المؤتمر الجامع والدليل أن المسماري قد أكد في تصريح صحفي وسط ذلك الجدل مفاده أن حفتر مع عقد المؤتمر الجامع وإجراء الانتخابات، وبخصوص السفير الأميركي في تونس فقد أشارت مصادر مطلعة انه لم يعد حفتر بأي شيء….

وعمليا من المرجح جدا أن تقبل بعض فصائل بنغازي ان لم نقل كلها، ببرنامج الترتيبات الأمنية التي كانت البعثة دقيقة جداً عندما ربطتها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، وبدت نتائجه واضحة في طرابلس حيث الوضع الاقتصادي تحسن نسبياً بالإضافة لانضباط الوضع الأمني شكل ملحوظ، وهو ما قد يدغدغ عواطف الشارع في بنغازي الذي لم يجد من وعود حفتر أي ترجمة في حياته اليومية خلال السنتين الماضيتين….

ورغم عدم طرح البعثة شيئاً من ذلك على من التقتهم في بنغازي، لكن الزيارة نفسها شكلت رسالة واضحة لحفتر بإمكانية وصولها لبنغازي وإرغامه على القبول بدورها كوسيط، وبالحلول التي تقدمها من أجل إنهاء الأزمة المتفاقمة منذ 2014…

 * لقاءات حفتر الأخيرة ومستقبله السياسي والعسكري      

الأكيد أن زيارة حفتر خلال نهاية الأسبوع الماضي لروما، تأتي في سياق التنسيق لدوره وفق ما تراه أمريكا وإيطاليا، وهو المشاركة في ادارة رئيسية لسلطة عسكرية خاضعة للسلطة السياسية وذلك بغاية ملاءمة الظروف العامة الانتخابات الرئاسية، وهو ما كان يرفضه حفتر ويبدو أنه لا مناص له من القبول به في ظل الخطى الحثيثة لترتيب الأوضاع والوصول إلى تسوية سياسية شاملة وفي هذه الحالة حفتر مطلوب ليس لذاته بل لغاية التوافق السياسي بين مكونات الجهتين الغربية والشرقية لأن البعثة الأممية ومن خلفها العواصم الغربية الفاعلة تريد للمسار السياسي أن يتقدم حثيثا نحو التوافق والتئام كل الأطراف السياسية بلا استثناء في اللقاء الوطني الجامع، وبرغم التحديات الكبيرة التي تهدد نجاح اللقاء/المؤتمر  باعتبار الخلافات العديدة بين كل المتنازعين منذ ماي 2014، كما أن الأجندات المقررة والمطروحة في شكل خطوط عريضة مشكلة كبيرة كونها تتضمن ملفات حولها خلافات شديدة التعقيد….

ان لقاء روما ترتيبي بامتياز وهو لقاء أولي للايطاليين مع مختلف الفرقاء لمتابعة مقررات باليرمو، وهو بداية عملية لقبول حفتر بمستقبل سياسي كشريك من بين شركاء عديدين وقبول مبدئي بسلطة السراج في انتظار لقاءات قادمة في بروكسال وتونس ونيامي وترتيبات منتظرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية غداة المؤتمر الجامع لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية في ربيع 2019، أما مستقبل حفتر السياسي والعسكري فمرتبط بواقعيته وبراغماتية كل الفرقاء الليبيين وأيضا بتفاصيل ما تبقى من خطة وليامز…

وسوم: العدد 802