لا يحق لأحد مهما كان أن ينزع صفة إسلامي من بلد دخله الإسلام منذ الفتح الإسلامي الأول

أثارت  ضجة كبرى عبارة الرئيس التونسي التي نقلتها مختلف وسائل الإعلام ، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق ، وهي : " تونس دولة مدنية لا علاقة لها بالدين " أو كما قال متعمدا تجاهل المشاعر الدينية للشعب التونسي المسلم منذ الفتح الإسلامي ، والمشاعر الدينية  لكل الشعوب المسلمة العربية وغير العربية .

 وواضح أن الرئيس التونسي  قد عبر بكل وضوح أن وصف تونس " بالدولة  المدنية " ينفي عنها صفة الدولة الدينية خلاف الواقع مع أن شعبها شعب مسلم يدين بدين الإسلام، ويؤدي شعائره الدينية ، و مع أن التاريخ  يشهد بدخول الإسلام إليها منذ الفتح الإسلامي ، ومع أن  انتمائها إلى العالم الإسلامي وإلى حظيرة الدول الإسلامية في الوطن العربي  انتماء فعلي .

وكان على هذا الرئيس  التونسي أن يفكر جيدا قبل أن  يتهور بالنطق بهذه العبارة غير المسؤولة ، وغير المقبولة من رئيس أوصلته أصوات شعبه المسلم إلى مركز القرار لا ليدوس على هويته المسلمة بل ليصونها .ولم يفكر قبل ذلك  في استشارة شعبه الذي لن يقبل بحال من الأحوال أن يستشار في أمر تغيير هويته الإسلامية .

ولا يحق لأي مهما كان أن ينزع صفة إسلامي عن بلد دخله الإسلام منذ الفتح الإسلامي ،لأن ذلك يعني خروج الإسلام منه ، وهو ما لا يمكن، لأن الإسلام لا يدخل بلدا ليخرج منه، ولأن الأرض لله عز وجل خلقها ليسودها الإسلام ، وكل بلد يدخله الإسلام إنما يعود إلى الوضع الأصلي الذي أراده له الخالق سبحانه وتعالى ، وإرادته جل وعلا  ليس وفقها إرادة مهما كانت ، مصداقا لقول عز وجل : (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)).

إن الرئيس التونسي إنما يطبق أوامر أجندة أمليت عليه مقابل المحافظة على كرسي الرئاسة من جهات تعلن العداء لدين الإسلام كما كانت دائما ، وقد بدأت تنفيذ خطة  جديدة للنيل منه منذ الفصل الأول من مسرحية أحداث الحادي عشر من شتنبر ، وهو فصل مسبوق بفصول معلومة من مسرحيات سابقة ، ومتبوع بفصول أخرى آخرها الإجهاز على الإسلام بسبب رهان الشعوب العربية عليه في ربيعها الذي أجهض إجهاضا من أجل التمكين للتيارات العلمانية ، وتشجيعها على مواجهة كل ما له صلة بالإسلام ، والتي تقوم بحملة شرسة لتشويهه بكل الطرق والوسائل وفي كل واجهة .

ومع أن الإسلام لا يتحمل مسؤولية أخطاء المنتمين إليه سواء منهم من صح انتماؤهم أو الذين يدعون ذلك الانتماء والذي تكذبه أحوالهم المخالفة له أو المندسون فيه بغرض النيل منه بمكر وخبث ، فإن فلول العلمانية لا يدخرون جهدا في نسبة أخطاء المحسوبين على الإسلام له . فلا يختلي  على سبيل المثال لا الحصر محسوب على الإسلام بمحسوبة عليه دون وجود علاقة شرعية بينهما أو تقع منهما فضيحة  إلا ونسب ذلك إلى الإسلام وحسب عليه للنيل منه ، ولإثبات أنه قد صار متجاوزا ، وأنه دين المنحرفين ،وأنه  وغير صالح لتأطير الحياة  ، وأن بعض من يتحدثون باسمه من علماء ومفكرين ودعاة  وغيرهم إنما هم نماذج سيئة ، ومنحرفة ، وسوءها وانحراف عند العلمانيين دليل على عدم صلاحيته ، وعلى ضرورة تجاوزه إلى العلمانية المنزهة عندهم عن السوء والانحراف ، والداعية إلى مجتمعات مدنية مثالية  لا وجود فيها للإسلام .

وعبارة الرئيس التونسي تعكس بوضوح التحرش العلماني بالإسلام ، وهو تحرش يرعاه الغرب  العلماني ، وتنوب عنه الفلول العلمانية  المستأجرة في تطبيقه .

ولقد تم الانتقال من نسبة أخطاء المحسوبين على الإسلام إليه إلى نسبة الأخطاء له  كدين مباشرة كما هو الحال بالنسبة لاتهامه بالحيف على المرأة  في الإرث وهضم حقوقها ،وهو ما حمل الرئيس التونسي على تكليف لجنة من العلمانيين لاقتراح  مشروع وثيقة سميت بوثيقة الحقوق الفردية  أو شيء من هذا القبيل ، والتي دعت إلى إلغاء قسمة الإرث(( للذكر مثل حظ الأنثيين )). ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى الدعوة إلى ما سميت حقوق فردية، وهي في الحقيقة مجرد سلوكات شاذة  وانحرافات من قبيل عمل قوم لوط أو ما يسمونه المثلية ،وفاحشة الزنا أو ما يسمونه الرضائية ، فضلا عن إباحة الإفطار العلني في شهر الصيام دون عذر شرعي ، وإباحة معاقرة الخمر ، وممارسة القمار ... إلى غير ذلك مما يتنافى مع تعاليم الإسلام ،و يوجد في المجتمعات الغربية التي وكلّت من ينوب عنها من العلمانيين المأجورين والمنحرفين  فكرا وسلوكا لتسويق رذائلها في مجتمعات إسلامية .

وليس الرئيس التونسي هو الوحيد الذي يردد عبارة الدولة المدنية التي لا علاقة لها بالإسلام  بل يوجد غيره  ممن يصرح أو يلمح إلى ذلك ، كما أن العلمانيين في تونس ليسوا وحدهم الذين ينادون بتعطيل الإسلام ، وتعويضه بالعلمانية في الوطن العربي الذي يدين بدين الإسلام بل في كل قطر عربي يوجد طابور خامس من العلمانيين المأجورين الذين لا تسنح لهم فرصة دون الجهر وبوقاحة بالعداء للإسلام وللمسلمين ، والافتراء عليه  وعليهم ، مع رفع عقيرتهم بالمطالبة بإشاعة الفواحش علانية تحت غطاء المطالبة بالدولة المدنية ، وبالحقوق الفردية ، وغير ذلك من الشعارات العلمانية التي لا مكان لها في مجتمعات تدين بدين الإسلام منذ أزيد من خمسة عشر قرنا من الزمان.

ومن المنتظر في ظل دعم العلمانية الغربية لطوابيرها العلمانية المستأجرة في الوطن العربي الذي يدين بدين الإسلام أن يتمادوا في المساس بمشاعر الشعوب العربية المسلمة عن طريق المطالبة بإلغاء الإسلام كليا ليخلو الجو لعلمانيتهم  ويعيثوا في الأرض فسادا .

ولا شك أن الذي أسقطه العلمانيون من حساباتهم الخاطئة والضيقة، هو أن الشعوب العربية لا يمكن أن تجرد من هويتها الإسلامية ، وأن ما يقومون به هو عبارة عن مغامرة  خطيرة عليهم قبل غيرهم ، وغير محمودة العواقب ، وأن المكر السيء لا يحيق  إلا بأهله لا محالة، وأن الأرض لله يرثها عباده الصالحون. ولا شك أن الاستفزازات العلمانية ستكون لها ردود أفعال قوية و وستعود حتما  بالوبال على أصحابها ، ولن يمضي زمن طويل قبل أن يحدث ذلك لأن عاصفة هوجاء  تبدو مؤشراتها في الأفق ، ولا شك أنها ستعصف بما لا يوافق إرادة الغرب العلماني ، ورغبة طوابيره الخامسة المستأجرة والمستنسرة أو المتنمرة حاليا  في الوطن العربي .

وسوم: العدد 803