أحداث زعفرانة.. فتنة طائفية بمصر أم صراع بين الأرثوذكس والإنجيليين؟

على مدار السنوات الماضية، سجلت محافظة المنيا بصعيد مصر أكبر عدد من الأحداث الطائفية، حتى بدت وكأنها أصبحت عاصمة للعنف الطائفي في مصر.

آخر تلك الأحداث كانت تظاهر المئات من أبناء قرية منشية زعفرانة بمركز أبو قرقاص بالمنيا -الجمعة الماضي- احتجاجا على تحويل دار مناسبات إلى كنيسة تحمل اسم مارجرجس، وهو ما دفع قوات الأمن إلى التدخل وإغلاق المكان.

وعادة ما تنشب خلافات في صعيد مصر بسبب محاولات بعض القساوسة تحويل بعض المنازل إلى كنائس، ثم فرض أمر واقع للحصول على ترخيص بعد ذلك.

وعلى الرغم من كثرة الأحداث التي تشهدها المنيا، فإن هذا الواقعة لها طبيعة خاصة من حيث التوقيت وطبيعة الحدث، فهي تأتي بعد أيام من افتتاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كنيسة "ميلاد السيد المسيح" أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط، كما أنها أول حادثة بعد تشكيل السيسي اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية، والتي استبعد منها كل القيادات الدينية وعلى رأسها الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية، حيث اقتصر تشكيل اللجنة على شخصيات تشغل مناصب عسكرية وأمنية.

أما البعد الثاني والأهم في الواقعة، فهو أنها جددت الحديث عن صراع الطوائف المسيحية في مصر، خاصة بين الكنيستين الأرثوذكسية والإنجيلية (بروتستانت)، وهذا ما أظهره بيان الكنيسة الإنجيلية الذي قال "إنه لا يوجد في القرية كنيسة سوى الإنجيلية فقط منذ 100 عام"، وهو ما أثار غضب أبناء الكنيسة الأرثوذكسية واعتبروه "خيانة".

وأضاف البيان -الذي حمل توقيع سكرتير المجمع القس مدحت زاهيان- "أن أبناء زعفرانة من الأقباط الإنجيليين يمارسون الشعائر الدينية في الكنيسة بحرية تامة، كما يتمتعون بعلاقات مجتمعية متميزة مع أبناء القرية".

خلافات متراكمة

النزاع على الكنيسة محل الخلاف ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى عام 2002، حينما تقدمت الكنيسة الإنجيلية بطلب هدم وإعادة بناء لتلك الكنيسة، وبالرغم من الحصول على الموافقات اللازمة فإن الكنيسة الأرثوذكسية اعترضت على القرار وأوقفت الشرطة تنفيذه.

وبعد 15 عاما في أروقة المحاكم، أصدر القضاء المصري حكما باستخدام المكان كقاعة مناسبات لجميع الطوائف المسيحية في البلدة.

القرار لم يحل الأزمة، حيث عاد الصدام مجددا بين الأرثوذكس والإنجيليين في فبراير/شباط 2018 حول أحقية كل كنيسة بدار المناسبات، ولم تفعل الدولة المصرية شيئا يذكر لمعالجة هذا الوضع، بل أفسحت المجال في بعض الأحيان للصراع بين الطرفين، وفق ما أكد خبراء للجزيرة نت.

وفي هذا الصدد، يرى الناشط القبطي أكرم بقطر أن الأمر برمته لن يخرج عن قواعد اللعبة المحددة سلفا بين الكنيسة والدولة المصرية، حيث يدرك كل طرف أبعادها.

وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن الدولة المصرية ليست لديها مشكلة في بناء الكنائس، ولكنها في المقابل تريد خدمات من الأقباط على ذلك، كما حدث في السنوات السابقة.

ولم يستبعد بقطر وقوف الأجهزة الأمنية -وخاصة جهاز الأمن الوطني- وراء الحادثة الأخيرة في المنيا، موضحا أنها تقوم باستغلال البسطاء من أهل القرية، ودفعهم للتظاهر ضد الكنيسة محل النزاع، حتى يظهر أن الأمر طائفي وأنها تقف على الحياد.

وعلى طريقة "ابحث عن المستفيد تعرف الفاعل"، يرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنير، أن النظام المصري مستفيد بقدر كبير من تعزيز حالة الاحتقان المجتمعي وخاصة بين الأقباط والمسلمين، حتى يظل الشعور بالخوف يلازم المسيحيين ويدفعهم للبقاء تحت مظلة النظام لكي يستخدمهم كما يشاء.

مكاسب سياسية

ويعدّ بناء الكنائس وترميمها عملية سياسية إلى حد كبير، حيث يستغلها النظام المصري لتحقيق منافع سياسية من الأقباط داخل مصر وخارجها، مستخدما الكنيسة لمخاطبة الغرب.

وحسب تقارير حقوقية فقد قدّم أقباط مصر خلال الفترة الماضية أوراق 3730 كنيسة غير مرخصة من مختلف الطوائف لتوفيق أوضاعها قبل المدة التي حددها القانون بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، ولم توافق الدولة إلا على تقنين أوضاع نحو 300 كنيسة أغلبها للأرثوذكس.

وفي هذا السياق، يوضح الناشط القبطي كمال الصباغ -في حديثه للجزيرة نت- أن الدولة المصرية تريد فقط من خلال إنشاء الكنائس الجديدة وتقنين أوضاع المخالفة، تصدير خطاب حضاري للخارج مخادع، بينما الواقع مختلف تماما.

وباعتقاد الصباغ فإن السلطات المصرية تريد فقط بسط نفوذها في مناطق الحضر، وترك الريف "للمتشددين" كما هو الحال في العريش والمنيا وأسيوط، حتى تستطيع تفريغ الأقباط منه في خطة ممنهجة منذ عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، الذي احتضن الإسلاميين كثقلٍ موازن لليسار والكنيسة في بعض الأوقات.

كما ترى الناشطة الحقوقية القبطية نيفين ملك -عضو الهيئة العليا لحزب الوسط المصري سابقا- أن الدولة المصرية لم تقم عبر الحقب التاريخية المختلفة بمحاولات جادة لإنهاء مشاكل الأقباط.

وأوضحت -في حديثها للجزيرة نت- أن الإشكالية الكبرى في مصر هي استخدام الأقباط سياسيا، وخاصة عند الرغبة في مخاطبة الغرب، فضلا عن غياب العدالة ودولة القانون، وعدم وجود دولة قادرة بمؤسساتها المختلفة على إدارة الخلاف والاختلاف.

وسوم: العدد 808