هل باتَتْ تركيا في وضع الاستدارة في الملف السوريّ ؟

بعد تصعيد غير مسبوق بالتوجه عسكريًا نحو شرق الفرات، و بعد تتالي التصريحات بقرب تطبيق خارطة الطريق مع أمريكا في منبج، و بعد تأكيدها بأنّها لن تقبل بترك الأمور في إدلب على ما آلت إليه بعد سيطرة هيئة تحرير الشام عليها، و بعد تأكيد ضباطها في نقاط المراقبة في إدلب بأن بلادهم لن تسمح باجتياح النظام و حلفائه لها، و أنها ستقف إلى جانب مطالب المدنيين في إيقاف مسلسل القصف اليوميّ لقراهم و بيوتهم؛ يبدو أن الرؤية التركية قد أخذت وضعية غير تلك التي ينتظرها عموم السوريين في مناطق الشمال.

إذ يشير المراقبون إلى أنّ لقاء القمة بين الرئيسين " بوتين ـ أردوغان " في: 23/ 1 الفائت، لم يحسم كثيرًا من الملفات التي وضعت على الطاولة، إذ لم يستطع أردوغان انتزاع موافقة بوتين على المنطقة الآمنة، في الوقت الذي استطاع فيه بوتين فتح ملف اتفاقية أضنة، و هو ما فُسِّر على أنه إمساكٌ بمقود العلاقات " التركية ـ السورية "، و محاولة توجيهه بما يناسب مساعي روسيا لفتح ثغرة في جدار العلاقات مع النظام، على غرار ما نجحت في نسبيًا مع عدد من الدول العربية، التي أعادت توجيه بوصلتها نحو دمشق.

و ضمن هذا المتغيّر، يمكن أن تقرأ بعض التحليلات بوجود علاقات من نوع ما مع دمشق، و لتكن من النافذة الاستخباراتية، التي دائمًا ما تكون أقلّ حدّة في اتخاذ المواقف بين الدول، فلقد اعتاد المراقبون على هذا المستوى من التواصل بين الدول في أشدّ حالات التراشق السياسي.

و كذا الحال في الوضع القائم في إدلب، فعلى الرغم من تصنيف الرئاسة التركية هيئةَ تحرير الشام منظمةً إرهابية؛ فإنّ قنوات التواصل الأمنية معها لم تنقطع، لدرجة أنّ الظنون قد ذهبت بعيدًا في تفسير ما حصل منها مؤخرًا تجاه الفصائل المنضوية تحت عباءة الجبهة الوطنية.

يرى المراقبون أنّ ثمة أمور باتَتْ تُلحظُ في تعاطي تركيا مع الملف السوريّ، تشي بأنّ استدارة من نوع ما، قد تطرأ على تحركاتها المستقبلية في هذا الملف؛ ففضلاً على ما فُهِم من تصريح الرئيس أردوغان، و هو عائد من موسكو عقب لقائه بالرئيس بوتين يوم: 23/ 1، بوجود علاقات دنيا مع دمشق، و ما صرّح به لشبكة ( TRT ) بوجود تواصل أمني معها بمستوى معين؛ فإنّ هناك مؤشرات أخرى يمكن أن يستند إليها المراقبون في مثل هذه القراءة.

تصريح وزير الخارجية مولود شاووش أوغلو بأن تطبيق اتفاقية أضنة بشكل صحيح تصب في صالح تركيا، وأن بعض الشركاء في التحالف الغربي يدعمون هيئة تحرير الشام، من أجل إلحاق الضرر باتفاقية إدلب، وأنه لدى روسيا اقتراح للقيام بعملية مشتركة في إدلب، إذا أصرت الأطراف هناك على إبقاء الوضع على حاله، و لم تستجب للرؤية التركية في ترتيب الأوراق بما ينسجم مع التزاماتها تجاه الضامن الروسي في اتفاق سوتشي.

تصريح رئيس دائرة الاتصالات في القصر الرئاسي التركي فخر الدين ألتون، بأن تركيا ليست من دون خيارات وبدائل في سورية، و أن القرار التركي لا بدّ أن يكون سريعًا هذه المرة، بعد العودة من اجتماعات دول التحالف الدولي لبحث الملف السوري في منتصف الأسبوع الحالي في واشنطن.

الحديث عن ترتيبات مشتركة للتعامل مع مستجدات الوضع حول إدلب، وسط توقعات بإجراء تعديلات على الاتفاق الروسي - التركي الأخير في سوتشي، في ضوء تحرّك سياسي و أمني، سيتمّ البحث فيه في قمة أستانا الثلاثية المنتظرة في: 14/ من الشهر الجاري

الحديث عن رسالة ما، حملها العاهل الأردني في زيارته تركيا، عقب قمة البحر الميت، التي يمكن أن تؤسس لناتو عربي، و ضمت ( مصر، السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات، و الأردن)، للشروع في قبل تحرك العربي الجديد عبر الأردن، من أجل صوغ سياسة عربية بديلة، و استعادة الدور العربي الإقليمي في مواجهة النفوذين الإيراني و التركي.

رغبة أمريكا في تضييق الخناق على النفوذ الإيراني في سورية، وحماية مصالح حليفها الكردي، وضمان أمن إسرائيل، لذلك من غير المستبعد أن تساوم روسيا على إطلاق يدها في رسم خارطة المستقبل السوري، إذا ما حصلت على الضمانات الكافية بهذا الخصوص؛ إذْ يمكن أن يقوم بوتين بعرض على تركيا يشمل مرحلة انتقالية في سورية تأخذ بعين الاعتبار جمع مصالح الجميع، في سلة واحدة بتراتبية زمنية: أمنية، و سياسية، و دستورية.

الأمر الذي قد يدفع تركيا إلى التفكير في نوع من الاستدارة في الملف السوريّ، و لاسيّما إذا ما أخذنا في الحسبان استطلاعات الرأي لدى المواطن التركي، الذي بات يفضل أن تتخفف حكومته من كثير من التزاماتها تجاه الأزمة السورية، التي باتت ضاغطة عليه من أكثر من جانب.

وسوم: العدد 810