قرب الإدارة من المواطن أم نأيها بجانبها

اقتضت مشيتي في حاجة أحد أقاربي أن أقف بباب قائد إحدى المقاطعات بأحواز مدينة الألفية ، فطلبت من بوابه أن يستأذن لي بالدخول عليه ، فأخبره بذلك ، إلا أنه خرج ليخبرني أنه منهمك في عمله ، وأنه علي الانتظار حتى يفرغ منه ، فقلت في نفسي لعل الأمر في غاية الجد والاستعجال ، فانتظرت ، وكان بابه يفتح بين الحين والأخر ليدخل عليه موظفو المقاطعة وهم يحملون ملفات وأوراق ، وكان جرس الباب يرن بين الحين والآخر ليدخل عليه البواب ثم يخرج لتنفيذ أوامره . وطال بي الانتظار حتى أخذ مني اليأس  والبواب يحاول إقناعي بالمزيد من الصبر ، وهو يثني على السيد القائد ليبعث في نفسي الأمل بأنه سيقضي حاجتي بعد طول انتظار . وبعد مرور وقت طويل فتح السيد القائد باب مكتبه مقطب الجبين ، وسألني بصوت الإداري الصارم : ماذا تريد ؟ فشعرت  وكأن عينه اقتحمتني وقد سترت قبعة شتوية شيب رأسي بينما أفصحت عنه لحيتي ، وكان حريا بالمسؤول أن يسلم قبل السؤال ، فأردت أن أنبهه إلى أدب الاستقبال مواطن في سن والده فبادرته بالتحية ، لكنه استدار إلى حيث مكتبه ، فوق بجانبه دون أن يطلب مني الجلوس جريا على عادة المسؤولين  حين يستقبلون زوارا ، وتبين لي أن مديح بوابه لم يكن صادقا . وقبل أن ينصت إلي للتعبير عن سبب زيارتي، طلب مني أن أعود إليه صبيحة اليوم الموالي ، وصرفني وهو لا يدري أنه صرف  بهذه الطريقة الفجة مربي الأجيال لعقد من السنين، ومشرفا على المربين لعقدين ونصف ، وشاعر لو صرف همه للهجاء لأقذع ، وخطيب  أترك الحكم عليه لمن يعرفه ، وكاتب ينشر مقالاته على هذا الموقع منذ سنة 2006 بمعدل مقال أو مقالين في اليوم لا يصرفه عن ذلك إلا سبب قاهر. ولو كان السيد القائد ذا لباقة لسألني عن هويتي ليرعى لي قدري ، ولكن السلطة قبحها الله  أعمت بصره وبصيرته ،فجعلته يرفع قدره فوق أقدار من يزورونه كبرياء وقد يكونون أعلى قدرا منه  .

وعدت إليه صبيحة اليوم الموالي ، وانتظرت أن يخرج من كان عنده كما أخبرني بوابه ،فإذا هو مسؤول أعرفه ألقى علي التحية  وقد صاحبه إلى خارج مكتبه ثم أغلق الباب واتجه صوب السلم ليغادر على متن سيارته ، فلحقت به لأذكره بالموعد الذي ضربه  لي بالأمس ، فأومأ إلى موظف بأن يحيلني على موظف آخر ثم انصرف صرف الله قلبه بأنه مسؤول لا يفقه أدب التواصل .

وخرجت من باحة المقاطعة أجر ذيول الخيبة  وأنا أفكر في شعار " تقريب الإدارة من المواطن " الذي تصم به آذاننا نشرات الأخبار، ووجدته كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه وجد إدارة تنأى بجانبها ، ووجد نموذجا من نماذج الصلف السلطوي ، وقلت في نفسي كم يوجد مثل هذا الصلف في بلادي الغالية ؟ ، وكم عدد ضحايا هذا الصلف يوميا ؟

ومن هذا المنبر أهمس في أذن الوزارة الوصية ، وفي أذن أكبر مسؤول في الجهة أن علّموا من تحت إمرتكم من مسؤولين كيف يردون التحية على من يبادرهم بها ؟ وكيف يحسنون استقباله تكريما لمواطنته ؟ وكيف يرعون له قدره؟ وكيف يحسنون الإصغاء إليه ؟ وكيف يكون التواضع لله عز وجل من خلال التواضع لخلقه وهوعنده  سبحانه مكرم ؟ وكيف تكون الأسبقية لاستقبال من يزورونهم من المواطنين لأنهم في الحقيقة خدامهم ؟ فإذا كان عاهل البلاد  أدام  الله عزه يخاطب شعبه بعبارة خادمكم المطيع، فكيف يستنكف من دونه أن يكون خادمهم ؟ ولو وضع المسؤولون عبارة عاهل البلاد هذه  نصب أعينهم لما أشاحوا أبدا بوجوههم عن المواطنين .

وفي الأخير نأمل أن تفعّل الوزارة الوصية عبارة قرب الإدارة من المواطن ويترجمها إلى واقع  ملموس سلوك موظفيها  على اختلاف مراتبهم ومهامهم.

وسوم: العدد 810