فلسطينيو الداخل.. ليسوا فخورين باسرائيليتهم!

مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

انتهجت "إسرائيل" منذ الإعلان عن تأسيسها على الأراضي الفلسطينية المُغتصبة، سياسة ما يُعرف بمحاولة "أسرلة[1]" الفلسطينيين في الداخل المحتل، في محاولة منها لخلق ثقافة واضحة وطمس الهوية الحقيقة لهذه الأرض، المتمثلة بفلسطينيتها وعروبتها، أملاً في القضاء على البؤرة الأولى في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وعلّ هذه الظاهرة تُشكل نموذجاً اقليمياً في تقبل الدولة المحتلة وتقبل روايتها.

وليس من الغريب أن يُفاخر بن جوريون ومن بعده العديد من رؤساء وزراء دولة الاحتلال، بأنّ عهدهم شهد المزيد من التقبل الفلسطيني لدولة، وأبدوا تعايشاً معها، هذا وفق ادعاءهم، ولأهمية هذه القضية، فقد دأبت المراكز البحثية والاستطلاعية الإسرائيلية، فحص مدى فخر فلسطينيو الداخل بهويتهم الإسرائيلية، التي فُرضت عليهم، بعد الاحتلال الصهيوني.

ووفق تلك الاستطلاعات التي تكررت مؤخراً، وأبرزها ذلك الصادر عن المركز الإسرائيلي للدمقراطية، فقد تبين أنّ الجيل العربي الجديد، أقلُّ فخراً بهويته الإسرائيلية، الأمر الذي يكشف أنّ الأمر مرتبط بارتباط الفلسطيني بأرضه من جانب، وبسياسة "إسرائيل" العنصرية من الجانب الآخر.

قسم الاستطلاع البحثي الصادر عن المركز الإسرائيلي للدمقراطية، الفلسطينيين إلى ثلاثة فئات عُمرية، شباب صغار (18-34)، الجيل المتوسط (35-54) وكبار السن (55+)، ووفق الاستطلاع فقد تبين أنّ الفخر بالهوية الإسرائيلية، يتراجع كلّما وُجه السؤال للفئات العمرية الأصغر، بمعنى أنّ مرور الوقت، سيرفع من النسبة العامة للعرب اللذين يرفضون الهوية الإسرائيلية.

حيث وفق الاستطلاع فقد تبين أنّ الجيل ما فوق 55 عاماً، وبنسبة 43% لا يشعرون بالفخر بجنسيتهم الإسرائيلية، وترتفع النسبة إلى 59% عند الجيل الشاب أقل من 34 عاماً، وهنا لا بد من الإشارة أنّ المجتمع الفلسطيني بالمجمل هو مجتمع شاب، وغالبيته من صغار السن.

ووفق الاستطلاع أيضاً فقد تبين أنّ 73% من الفلسطينيين في الداخل المحتل، يفضلون الهوية الدينية، العربية والفلسطينية على تلك الإسرائيلية، بمعنى أنّ هوية المحتل التي فُرضت عليهم احتلت المرتبة الأخيرة في قيمتها، رغم ادعاء "إسرائيل" أنّ هذه الهوية تمنحهم الكثير من الامتيازات.

هذه النسبة التي قد تكون صادمة اسرائيلياً، بعد كل المساعي الكبيرة في فرض الهوية الإسرائيلية، وفي ظل تردي الوضع العام العربي، الذي كان من الممكن أن يصب في صالح ارتفاع النسبة ايجاباً بالنسبة للدولة العبرية، الأمر الذي يفتح الباب أمام تساؤل عملي، لماذا ترتفع نسبة من يشعرون بعدم الفخر تجاه جنسيتهم الإسرائيلية لدى صغار السن؟.

أولاً: لا يُمكن فصل ذلك عن حقيقة أنّ الدولة العبرية هي دولة احتلال، وأنّ هذا الجيل المنتمي لهذه الأرض تحول إلى أقلية، في وطنه الذي جُبِل بدماء اجداده، وأنّ صاحب الحق لا ينسى حقه، حتى وإن ضعف مرحلياً عن استرداده، لكنّه يتربص الفرص لاستعادة الحق كاملاً.

ثانياً: الممارسات العنصرية للدولة العبرية منذ نشأتها، فقد جعلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، العرب الفلسطينيين ضمن الفئات المهمشة داخلياً، والفئة الأكثر ضعفاً في الدولة، والأقل تلقٍ للخدمات في الدولة.

ثالثاً: فشل مشروع السلام الإسرائيلي-الفلسطيني، انعكس سلباً على نظرة فلسطينيو الداخل للدولة العبرية، التي باتت تزيد من استبدادها بحق إخوانهم في الضفة الغربية بما فيها القدس، وكذلك قطاع غزة.

رابعاً: ارتفاع الصوت اليميني في الدولة العبرية، والذي تركز خلال العقد الأخير على قمع الفلسطينيين في الداخل، وسن قوانين زادت من منسوب العنصرية الحكومية تجاههم.

خامساً: دور المقاومة الفلسطينية في رفع المعنويات الفلسطينية بشكل عام، والتي انعكست على الشعور العام بأنّ هناك من يستطيع استرداد الحق الفلسطيني.

ختاماً، "إسرائيل" تنتهج خلال السنوات الأخيرة من السياسات التي قد تنعكس ايجاباً عليها من الناحية التكتيكية قصيرة المدى، لكنّها على المستوى الاستراتيجي يتخللها الكثير من الغموض، وتحمل في طيّاتها مسامير أخرى تدق في جسد الكيان الذي لا يزال متماسكا بسبب الترهل الإقليمي، والتواطؤ العالمي.

[1]  محاولة تغيير ثقافة الفلسطيني إلى ثقافة إسرائيلية، واستبدال هويته العربية – الفلسطينية، بهوية إسرائيلية.

وسوم: العدد 810