الثورة المصرية تبدء من إسطنبول

لا يمكن ان تصل الى وجهتك و قائد السيارة نظره ضعيف و يداه ترتعشان على المقود و لا يسمع جيدا !!

أضف على ذلك انه لا يعرف طريق الوصول فقد كان يعتمد على خدمة ( GBS ) لكن الإشارة انقطعت و هو تائه لا يعرف ماذا يفعل ؟!!

و السيارة نفسها اوشك وقودها أن ينفذ و مؤشر الحرارة يرتفع و أحد العجلات مثقوبة .

وسط هذه الحالة المزرية  يرفع احد الشباب صوته محتجا على القائد الحافلة يأمره بالتوقف لإصلاح العطل او يدع أحد من الركاب الذين يجيدون القيادة يجلس مكانه لكنه يرفض فليس للركاب دخل بالموضوع هو موظف لدى شركة النقل و شركة النقل هي فقط من لديها الحق في إقالته و الحافلة أمانة لديه لا يستطيع ان يتركها لأحد !! 

يعلو صوت آخر  محتجا بالقول ان الشركة غائبة الآن و لا توجد وسيلة اتصال معها و انت لا ترى امامك سوف نفقد ارواحنا ؟!!

يحاول التمسك بالمقود اكثر و هو يتصبب عرقا و يعدّل من وضعية النظارة المقعرة التي يرتديها لعل و عسى يرى امامه لكن لا أمل .

يلتقط الحديث راكب آخر  و على ما يبدو انه صديق لقائد الحافلة فيعلو صوته قائلا ما هذا العبث لا تضايقوا السائق هو يعرف ما يفعله و هو يقود السيارة منذ ٣٠ عام و يعرف ما بها جيدا و سوف يصل بنا الى بر الأمان .

يؤيده صديق ثاني بلغ من العمر عتيا قائلا انا اثق في السائق جيدا و هو لديه اسرة يعولها فبدل من ان تعملوا على قطع رزقه اصمتوا حتى يصل بنا الى وجهتنا .

يقفز شاب من مقعده في جنون و هو يقول كيف يصل بنا و قد فقد الطريق و الضباب بدء في النزول سيحدث تصادم و نموت جميعا في اي لحظة .

نظر صديق السائق الأول شذرا للشاب و قال له الأعمار بيد الله يا ولد !! ، تكلم بصوت منخفض و اذا كان لديك شكوى يمكنك ان تكتبها في رسالة و تضعها في صندوق الشكاوي في مقدمة الحافلة .

قال له الشاب متهكما و من سيقرأها ملك الموت بعد ان نموت جميعا أم ستحترق و تتحول الى رماد يطير فوق اشلائنا .

علا صوت السائق فجأة قاطعا مناوشات الركاب قائلا بصوت جهوري قائلا لن اسمح لأحد بالتطاول او الرفع الصوت مرة أخرى ، من سيعلو صوته ساطرده من السيارة  و ليذهب حيث يريد أنا لم امنع احد من النزول او اختيار طريقه .

قامت احدى الفتيات من مقعدها و قالت للسائق يا عماه نحن نسير في طريق صحراوي سريع  و لا توجد وسائل مواصلات أخرى حولنا من ستطرده الآن سيهلك حتما في الصحراء ، اذا اردت ان يختار كل منا طريقه فعد بنا من حيث أتينا و يختار كل منا  حينها  طريقه  ، اما ان تتركنا في منتصف الطريق بعد ان صرفنا اموالنا و نفذ طعامنا و لا توجد حافلة أخرى على الطريق فانت تقتلنا حتما !!

نظر  اليها السائق  شذرا في صمت و هز رأسه و انشغل بنظارته في حركة لا إرادية  و كأنه يقول النظارة السبب و ليس أنا .

في الخلف جلسة ثلاثة شباب يتشاورون فيما بينهم للتعامل مع الموقف قال احدهم يمكن ان نرفع صوتنا جميعا مطالبين السائق بالتوقف حتى يرضخ لنا ، رد الثاني عليه لن نفلح فالركاب يحاولون معه منذ فترة .

قال ثالثهما  نكتب شكوى جماعية تطالب بفصله من الشركة فرد الأول عليه ساخرا  الشركة غير موجودة الآن و الأهم  هو ان نصل سالمين الى وجهتنا  في الموعد المحدد و ليس فيما بعد ذلك .

تكلم الثاني اذا لا حل سوى اجباره على ترك مقود السيارة فالوقت ينفذ بسرعة و لا بد من حل فقال احدهما و كيف نفعلها فرد قائلا لا بد من الحيلة فالمواجهة لا تنفع مع هذه النوعية من البشر هم يفضلون الموت على المقود و لا يتركونه و اذا واجهتهم ليس لديهم مانع من تدمير الحافلة بركابها .

لمعت عين احدهم قائلا وجدتها !! ، نظروا اليه بشغف و ترقب قائلين في نفس واحد ماذا ؟! 

قال سنخبره ان الماء يتسرب من حمام الحافلة و ان الرائحة المقززة ستملأ الأجواء خلال دقائق حتى يضطر لترك مكانه و استطلاع المشكلة و عندما يدخل الى الحمام ندفعه الى الداخل و نغلق الباب عليه و نجعل احد الركاب الذين يجيدون القيادة يتولون القيادة و ننزل لتغيير العجلة و نحاول بشكل جماعي التماس الطريق الصحيح .

قال احدهما فكرة جيدة و لن نضطر للصدام معه ، لكن صديقيه سوف يحتجان و ربما يحاولان اخراجه او اعاقة السائق الجديد ؟

قال لهما لا تقلقا عندما يرون اجتماعنا سوف يخنسان و ربما اذا اعطيتهما علبتي سجائر او سندويتش اضافي لن تخرج السنتهما مرة أخرى .

اتفقوا على الحيلة و نادى احدهم على السائق ليرى المشكلة التي بالحمام ، وقف السائق في شموخ و هو يحدث نفسه قائلا لا غنى لهم عني يكثرون الصياح و اذا اصابتهم مشكلة لجئوا اليّ .

ترك مقعد القيادة و عاد الى الخلف  و دخل الحمام و في لحظة اغلقوا  الباب عليه في احكام و وقف اثنان منهم على الباب لمنعه من الخروج و ذهب ثالثهما الى احد الركاب ممن يعرفون القيادة و طلب منه ان يتولى الأمر و وافق بعد تردد خشية ان  يضايقه اصدقاء السائق الذين فوجئوا بالموقف و عندما بدؤوا بالصياح توحد الركاب و اخرسوهما فسكتا و وضعا انفيهما في الصحيفة و الآخر في مجلة يقرأها  .

تحلق الركاب في منتصف السيارة و اتفقوا على تغيير العجلة اولا و الانتظار حتى ينقشع الضباب حتى يتضح لهم الطريق و يختاروا المسار الصحيح .

و أثناء النقاشات بينهم  يعلو صوت السائق داخل الحمام مهددا متوعدا من فعل به ذلك ، متهما اياهم بالغدر  و الخيانة و قلة التربية و عدم احترام الكبير و التسبب في فتنة داخل الحافلة .

تقف إمرأة طاعنة في السن امام باب الحمام و ترفع صوتها لتُسمع السائق ، حرام عليك يا ظالم ، انا ابني مات في حادث تصادم العام الماضي بسبب سائق مثلك لا يهمه سوى نفسه  .

و اضافت و هي تبكي ابني مات بسبب امثالكم يا ظلمة و ترك ايتام و زوجه حزينه منكسرة .

قال لها السائق مستنكرا ما ذنبي انا ايتها العجوز او ذنب السائق الآخر بقتل ولدك ؟؟!!

لماذا لم تتهمي قائد السيارة الأخرى اليس هو من اصطدم بالسيارة التي كان بها ولدك ؟؟!!

قالت نعم هو من اصطدم بها و هو من قتله لكن السائق المتهور في السرعة و المصاب في قدمه و المنشغل بالحديث مع من بجواره هو السبب ايضا في القتل فلو هدئ السرعة و  رفض القيادة وصحته معلولة و انتبه اثناء العمل ربما تفادى السيارة الأخرى و لم يمت أحد و ما فقدت فلذة كبدي .

ثم التفتت المرء العجوز للركاب و هي تصرخ قائلة و الدموع تنساب من على خديها ، اياكم ان تتراجعوا كفاكم صمتا و ادعاء للحكمة و انتظار ان يأتي الفرج من السماء لن تنصلح الحافلة الا بنا و لن يقودها سوى احد منا ، فقط توحدوا و تشاوروا و اجمعوا أمركم ، ثم اشارت بيدها الى الحمام قائلة امثال هؤلاء هم من يضيّعون الطريق و يقتلون الرفيق و الوليد .

هؤلاء كبروا و شاخوا على مقود القيادة فتحول الى ذراع ثالث في اجسادهم لا يتخيوا انفسهم لحظة بدونه لا يرون الركاب خلفهم و لا يهتموا بشأنهم بل يوفرون لهم ملهيات  تشغلهم عن الطريق و تستهلكم في اماكنهم حتى لا يلتفت احد لهم ، اكملوا طريقكم فالطريق لا يعرف التردد و لا العزائم الخائرة و لا النفوس الضعيفة ، تحركوا و  انقذوا انفسكم قبل ان نموت بلا ثمن او نضيع بلا هدف .

وسوم: العدد 812