مؤتمرُ " وارسو " يلقي بظلاله على الملف السوريّ

واضحٌ أن مؤتمر " وارسو " آخذٌ في رسم رؤى جديدة في المنطقة، إلى جانب إلقاء ظلاله على الملف السوريّ، حسبما أخذت معالم ذلك تتبدّى في الأفق، فحضور أكثر من ستين دولة في العاصمة البولندية على مدى يومي: 13 ـ 14/ 2/ 2019، برعاية أمريكية، لمناقشة عدد من ملفات المنطقة، في مقدمتها:

ـ الإرهاب و التطرُّف، الذي يلقى الدعم الإيراني بشقيه: السُّني ممثلًا بداعش، و الشيعي ممثلًا بحزب الله و مرادفاته.

ـ تطوير الصواريخ وانتشارها، كأداة تلوّح بها إيران لحلفاء أمريكا الاستراتيجيين في المنطقة.

و قد انعكس ذلك سريعًا على إيران في عدد من الملفات المتدخِّلة فيها في المنطقة، و في أولها السوريّ، الذي باتّتْ إيران تشعر بتهميشها فيه، ابتداءً من أمريكا، و مرورًا بروسيا و تركيا، و باقي دول الإقليم الذي يجدون فيه إحدى وسائل إزعاجها، و صرفها من مبتغاها في التمدّد خارج حدودها الجغرافية.

لقد أخذت التقارير تشير إلى رسائل مهمة تلقفتها أنقرة من المجتمعين في وارسو، و هي على ما يبدو جادّة في التعامل معها بما يتفق و رؤاهم، ولاسيّما أن لغة التخاطب بينها و بين طهران ليست على وئام واضح، في الملف السوريّ مؤخرًا.

و هو ما أظهرته سلسلة اللقاءات الثنائية معها، و الأخرى الثلاثية بحضور موسكو، حيث كانت لغة الجسد مظهرة مدى التباين بينهما، إلى جانب المواقف السياسية، المترجمة ميدانيًا في اتفاق إدلب، ولاسيما في الآونة الأخيرة، التي تشير التقارير الميدانية كلّها إلى ضلوع المليشيات الإيرانية في سلسلة الخروقات إلى حدّ تبنيها بشكل تام، ما عدا ما تقوم به روسيا أحيانًا كنوع من المناكفة لتركيا، لحملها على تقديم تنازلات سياسية في ملف المنطقة الآمنة، الذي تصرّ موسكو على أن يكون لشرطتها دور بارز في ضبطها.

لقد باتت أنقرة مستعدة لمحاصرة طهران، و تقليص التجارة البينية معها، ما عدا حزمة الاستثناءات التي سمحت بها واشنطن لعدد من حلفائها في مجال الطاقة، الذي فرضته إدارة ترامب مؤخرًا ضد إيران.

و قد أبدت استعدادًا للبدء بذلك فورًا، عوضًا عن مهلة الستة أشهر التي أعطيت لها.

مثلما أبدت استعدادًا للإسراع في ملف إدلب، و تقليص نفوذ هيئة تحرير الشام، من خلال مزيد من الضغط عليها كي تسير قدمًا في ذلك، و إلاّ فلا ضير أن تستمرّ حملة القصف الحالية على الحواضن الشعبية في جنوب إدلب و شمال حماة لتكون عامل ضغط عليها.

و لحملها أيضًا على التخلي عن مشروعها الآيديولوجي، من خلال التخلّي عن التيار المتشدّد، ممثلًا بعدد من العناصر الجهادية من المهاجرين، و القبول بحلّ ذراعها المدنية، ممثلًا بحكومة الإنقاذ، في مقابل حلّ الحكومة المؤقتة برئاسة جواد أبو حطب، التي لا ترتاح لها تركيا كثيرًا، و تكليف أنس العبدة بتشكيل حكومة ائتلافية من الحكومتين.

و السماح للفصائل العسكرية التي هضمتها الهيئة مؤخرًا بالعودة إلى إدلب، عبر انخراطها في فيلق الشام، الذي حمتها من الهيئة، و هي تراهن عليه ليكون ذراعها العسكرية لضبط الأوضاع في إدلب، و لاستيعاب العناصر المحلية، التي ستغادر صفوف الهيئة في المرحلة القادمة، بناء على اقتناعها في حلّ نفسها، و التحوّل إلى المحليّة، تمهيدًا للانخراط في خطوات الحلّ السياسيّ المرتقب.

وسوم: العدد 813