حكام عرب بأعمار تناهز القرن يحكمون شعوبا متوسط أعمارها لا يتجاوز ربع القرن

الحكم في بلاد يعرب أمره في منتهى الغرابة بسبب طبيعته المخالفة لطبيعة الحكم في بلاد المعمورالأخرى ، ذلك أنه لا يكاد حاكم عربي يصل إلى الحكم بغض الطرف عن طريقة الوصول إليه حتى يستأثر به ، ويقضي فيه بقية عمره لا تثنيه عنه شيخوخة ولا هرم ولا علة ، ولا يزيحه عنه إلا المنون .

مناسبة هذا الحديث هو ما تثيره الولاية الخامسة للرئيس الجزائري الذي خرج الجزائريون إلى الشوارع احتجاجا عليها، لأنه في حالة إعاقة جسدية غيّبته عن شعبه زمنا طويلا ، وهو المشهور بحب الظهور أمامه في مناسبة ، وفي غير مناسبة ، كما أنه مشهور بحب الخطابة خصوصا تلك التي تنال من خصومه ، والتي يستغلها ويركبها لبيع الأحلام لشعبه من خلال مقارنات مضللة  بين بلده ليرفع من شأنه وبين البلد الجار عن شماله تحديدا ليضع من شأنه .

وليس الرئيس الجزائري  في الوطن العربي وحده من شاخ وهرم وأعيق، ولما يرد الرحيل وترك كرسي الحكم ، وإنما يشاركه غيره من الحكام العرب في ذلك  وقد ناهز بعضهم القرن ،ولكنهم ما زالوا متشبثين بالحكم يحكمون شعوبهم  التي غالبيتها من الشباب بقبضة من حديد .

ومن غرائب الحكم في البلاد العربية أن بعضها كانت أنظمته ملكية ، فشهدت انقلابات عسكرية أطاحت فيها بالملكيات، لكنها تحولت فيها الأنظمة الجمهورية إلى ملكيات حلت محل الملكيات المطاح بها حيث أعلن الانقلابيون أو المنقلبون عليهم أنفسهم في حقيقة الأمر ملوكا حتى صرح أحدهم  ذات يوم أنه ملك ملوك القارة السمراء في لحظة التباهي أمام غيره من الحكام  العرب . ولو أن الانقلابيين على الملكيات  أعلنوا أنفسهم من البداية ملوكا محل من أطيح بهم من الملك، لكان ذلك مستساغا ولقيل عنهم أطاح ملوك بآخرين، ولكنهم يعلنون أنفسهم رؤساء وهم في الحقيقة ملوك بفعل تشبثهم بالسلطة ، ولا يزيحهم عنها إلا حلول آجالهم .

ومن المعلوم أن الديمقراطية ولو طبقت كما تطبق فيما يسمى بلاد الديمقراطية مشوبة بالعيب، لأن نسبة الواحد في المائة فيها ترجح كفة فئة على أخرى ، ذلك أن نسبة  الواحد والخمسين في المائة التي يحصل عليها حاكم  تجعله الفائز مقابل نسبة التسعة والأربعين  التي لا تصوت لصالحه ، وصدق من سمى هذا لعبة لأنها في حقيقة الأمر كذلك إذ كيف يستساغ أن يحكم حاكم ما يقارب النصف من شعبه بقليل ممن لم يصوتوا عليه ؟

وبالرغم من العيب الذي يشوب هذه اللعبة  في البلاد التي اخترعتها ، فإنها في البلاد العربية تشوبها عيوب أخرى منها تزوير النتائج حيث تحل نسبة من لم يصوتوا المرتفعة  محل من صوتوا المنخفضة بقدرة قادر، ولا يسمع العالم بنسبة تقل عن مائة في المائة  صوتت لحاكم إلا في بلاد يعرب . ومن العيوب التي تشوب اللعبة في هذه البلاد أيضا التحايل على فترات الحكم التي لا تزيد عن فترتين متتاليتين في بلاد الديمقراطية، لكنها في ديمقراطية يعرب تتعدى ذلك إلى خمس فترات كما هو الشأن في الجزائر ، وقد تصير فترات الحكم رهينة بعمر الحكام ولو ناهزت القرن أو تجاوزته، وإن بلغ الحكام أرذل العمر فصمت آذانهم ،وعميت أبصارهم ، وتقوست ظهورهم ، وشلت أعضاؤهم ، وأخرست ألسنتهم ، وخرفت عقولهم ، ولم يعودوا يتحكمون حتى في تبولهم وتغوطهم .

وبالرغم من طعن حكام يعرب في السن وتناسل عجزهم، فإنهم يفوزون في الانتخابات بنسبة تناهز نسبة المائة في المائة، الشيء الذي يعني أن الديمقراطية اليعربية لا يوجد مثلها في بلاد المعمور ولا أغرب منها .

وأخيرا نقول كان الله في عون الشعوب العربية التي تعاني من حكام لا يثنيهم عن كراسي الحكم سوى سكرة الموت إذا جاءتهم  بالحق وقد كانوا يحيدون منها .

وسوم: العدد 813