الولاية الأمريكية 51

اعتراف الإدارة الأمريكيّة ممثّلة برئيسها ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السّوريّة المحتلّة، لا يشكّل انحيازا أمريكيّا لإسرائيل بمقدار ما يشكّل برهانا أكيدا على أنّ أمريكا هي المسؤولة الأولى عن استمرار الاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة، وهي الحامية والدّاعمة له على مختلف الأصعدة، وأنّ اليمين الأمريكيّ الحاكم يعمل على تقويض القانون الدّوليّ والأمم المتّحدة، وقد تخوض حربا كونيّة ثالثة كما تنبّأ بذلك وزير خارجيّتها الأسبق هنري كيسنجر قبل خمسة عقود، ظنّا منهم أنّ النّصر في تلك الحرب حال نشوبها سيكون لأمريكا وربيبتها اسرائيل.

ورغم أنّ الصّراع العالميّ على مناطق النّفوذ عماده الاقتصاد، إلا أنّه حان الوقت لعدم تغييب البعد الدّينيّ، فالمسيحيّة الإنجيليّة المتصهينة في أمريكا تؤمن بالمعتقد اليهوديّ القائل بقرب عودة "المشيح المنتظر" الذي سيقيم مملكة اسرائيل، وسينشر الدّيانة اليهوديّة، وسيعيد بناء الهيكل تمهيدا لقيام السّاعة. وبالتّأكيد سيرى البعض هذه المقولة كنوع من الخرافة، لكن هذا ما يؤمنون به، وما يجري في المسجد الأقصى ليس بعيدا عن ذلك.

وهذه الحماية الأمريكيّة لإسرائيل، لا يمكن تفسيرها إلا بأنّ أمريكا تعتبر اسرائيل الولاية الأمريكيّة الحادية والخمسين، لكنّها تتحفّظ بالإعلان عن ذلك كي لا ينظر إليها العالم كدولة محتلّة، وهل كانت أمريكا ستدافع عن أيّ ولاية من ولاياتها الخمسين أكثر من دفاعها عن اسرائيل؟

ولن تتوقّف أطماع أمريكا في الشّرق الأوسط عند ضمّ الجولان السّوريّة المحتلّة لإسرائيل، بل ستتعدّاها إلى احتلالات أخرى قد لا تقف عند حدود اسرائيل الحالمة "من الفرات إلى النّيل". ولن تتغيّر سياسة أمريكا في منطقة الشّرق الأوسط، ما لم تتغيّر سياسة العرب، فقد أثبت التّاريخ على أرض الواقع بأنّ المصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط مؤمنّة من خلال "إسرائيل قويّة وعرب ضعفاء"، وكلّما ازداد النّظام العربيّ رضوخا كلّما ازدادت أمريكا شراسة تجاههم. ولن يُنقظ العرب وطنا وشعوبا وحكّامّا من الغطرسة الأمريكيّة الإسرائيليّة إلا تغيير التّحالفات القائمة، وهذا يتطلّب منهم التّوجّه للتحالف مع امبراطوريّات مثل روسيا والصّين التي تستطيع مواجهة هذه الغطرسة، ولولا تحالف سوريّا مع روسيا في حرب الإرهاب العالميّ التّي شُنّت عليها، لكانت نتائج هذه الحرب معكوسة.

وسوم: العدد 817