زروال.. لاتعد لحكم الجزائر من جديد

كتبت كثيرا عن يامين زروال الرئيس الجزائري السّابق حين قدّم استقالته وقد مرّ على حكمه عامين فقط ولم يكمل عهدته، وكان ذلك السّلوك - في تقديري - مفخرة له وللجزائر يومها ولكلّ من يرى أنّ الاستقالة مظهر من مظاهر الحضارة والعظمة. ويكفي أنّ زروال كان يبتسم بقوّة وفرح وهو يقدّم المهام لمن سيخلفه مايدلّ على زهده في الحكم وفرحه الشّديد بالخروج من أوسع الأبواب.

الاعتراف بالفضل المتمثّل في الاستقالة والإشادة به يدفع صاحب الأسطر إلى أن يؤكّد موقفه وعلانية: لا يحقّ لمن سبق أن حكم الجزائر  كيامين زروال أن يعود لحكم الجزائر من جديد ولو ليوم واحد ناهيك عن فترة مضطربة كالّتي تعيشها الآن الجزائر، ومردّ ذلك جملة من الأسباب وهي:

1.      يتحدّث صاحب الأسطر عن يامين زروال من خلال نقطة واحدة فقط وهي تقديمه للاستقالة من الرئاسة وهو سلوك حضاري وخروجه من أوسع الأبواب. ويمكن للقارئ المتتبّع أن ينظر إليه من الزاوية التي يعلمها ويتقنها، وقد قرأت بعضا من هذه الزوايا حين تطرقت للموضوع عبر صفحتي وأظلّ أحترم أصحابها.

2.      عودة يامين زروال هي امتداد للعهدات والتمديد بطريقة أخرى، أي استبدال عهدة الحاليين بعهدة السّابقين وتمديد الحاضر بتمديد السّابق.

3.      ماقاله صاحب الأسطر على يامين زروال يقوله ويؤكّده عن أحمد طالب الإبراهي، وبن بيتور، وحمروش، وغزالي، وسلال، وبلخادم وغيرهم، أي لايحقّ لهم حكم الجزائر لأنّه سبق لهم أن حكموا الجزائر .

4.      الخوف نابع أيضا من كون المرحلة الانتقالية في مثل الظروف الصّعبة التي تمرّ بها الجزائر الآن قد تطول إلى عقد من اللّون الرمادي كما امتدت من قبل إلى عقد من اللّون الأحمر في التسعينات من القرن الماضي ويعرفها جيّدا زروال باعتباره كان حاكما للجزائر يومها وتعرفها الأسماء المذكورة أعلاه باعتبارهم عاشوا المرحلة وكلّ من منصبه ووظيفته.

5.      المطالبة بعودة الذين سبق لهم حكم الجزائر لحكمها من جديد كزروال والذين ذكرناهم وغيرهم تعني السّعي لغرس عبادة الأشخاص وتثبيت الأصنام.

6.      استبدال اسم حاضر باسم سابق يعدّ مظهرا من مظاهر الفساد والديكتاتورية، ويكرّس الفساد من جديد ويطيل في عمره باسم العائد هذه المرّة ولو كانت لآخر مرّة.

7.      تكمن المشكلة في عودة زروال في كون نفس الشباب الذي يطالب بإتاحة الفرصة للشباب بتسيير شؤون الجزائر ويتّهم ساسة وقادة الجزائر الكبار السن بحرمانه من الحكم والتسيير هو نفسه الذي يطالب من حاكم سابق كبير السن ليحكم من جديد ويحرم الشباب من الحكم والتسيير من جديد وبطلب من الشباب وسعيا منه.

8.      قام المجتمع الجزائري ليناهض مقوله: لايوجد غير فلان لحكم الجزائر ولو كان ميتا، واليوم يقوم الجزائري وبمحض إرادته ليقول: لايوجد غير يامين زروال لحكم الجزائر وكأنّ في الجزائر لا يوجد غير شخص واحد لحكم الجزائر ليستبدل بواحد قادم لايوجد غيره لحكم الجزائر.

9.      من مطالب الشارع الجزائري الحلّ الجذري للأزمة التي تمرّ بها الجزائر، واستبدال اسم باسم سبق له أن حكم الجزائر يعدّ من الاستهتار وتضييع الوقت وإطالة عمر الأزمة ولا علاقة لها بالحلّ الجذري.

10.  يعارض الجزائري الأسماء الحالية التي حكمت الجزائر من أن تظلّ تحكم الجزائر ويطالبها بالرحيل، وفي نفس الوقت يسعى بمحض إرادته ليعيد أسماء سبق لها أن حكمت الجزائر، وهو بهذا يحرم نفسه من ممارسة التسيير ويجعلها حكرا في يد شخص وهو الذي حارب احتكار السّلطة في يد أشخاص.

11.  طالب الجزائري برحيل الجيل الحالي لأنّه عجوز وكبير السن وحرموا الشباب من ممارسة التسيير، وبدعوته لزروال يكون قد استبدل كبير السن بكبير السن وعجوز بعجوز وأطال في عمر الأزمة وحرم نفسه بنفسه من ممارسة الشباب للتسيير.

12.   عاتبنا ساسة الجزائر الحاليين في كتاباتنا الأولى من اندلاع أحداث الجزائر من أنّ الزّمن تجاوزهم بكثير  ومازالوا أسارى ثقافة الأبيض والأسود، وأنّ الشباب الحالي تفوّق عليهم في حضارة الزرّ وثقافة الحاسوب وسرعة المعلومة وتعدّد الألوان والثقافات العابرة للقارات. ونفس النقد أوجّهه لزروال باعتبار الزّمن تجاوزه وما زال أسير الأبيض والأسود ولا يصلح الآن ليقود الزرّ والحاسوب وتدفق المعلومة بسرعة رهيبة ولا يمكنه بحال أن يتدارك الهوّة السّحيقة. إذن لايختلف زروال في نفس ثقافة الأبيض والأسود عن ساسة الجزائريين الحاليين الذين يطالب الشارع برحيلهم.

13.  عاتب الجزائري ساسة الجزائر لأنّهم بثّوا فيه اليأس والقنوط، وهو حين يطالب بعودة زروال فإنّه يغرس اليأس والقنوط من جديد وبمحض إرادته لأنّ الأمر لم يتغيّر  وانتقل من يأس جماعي فرضه ساسة الجزائر ليأس فردي سيفرضه زروال هذه المرّة وكلّ من سبق له حكم الجزائر. واليأس الذي غرسه السياسي الحالي لايمكنه أن يزيله سياسي سابق لأنّه امتداد لما سبق، والاستنجاد بالسّابق غرس لليأس والقنوط.

14.   ظلّ الاستدمار الفرنسي يبثّ في أوساط الجزائريين أنّه لايمكنكم أن تحكموا أنفسكم بأنفسكم، وجاء من بعده ساسة الجزائر وحرموا الجزائري من أن يحكم نفسه بنفسه. ومطالبة زروال بحكم الجزائر يكرّس من جديد أنّ الجزائري لايمكنه أن يحكمه نفسه إلاّ من خلال حاكم سابق سبق له أن حكم الجزائر وكأنّ الجزائري كتب عليه أن لايحكم نفسه بنفسه وأن يظلّ رهينة حكم الحالي وحكم السّابق العائد.

15.  عودة زروال تعني استنساخ نفس الوجوه وهذه المرّة باسم وجوه سبق لها أن حكمت الجزائر، والنسخة الثانية كالنسخة الأولى لايمكنها بحال أن تعالج أزمة بحجم الجزائر.

16.   يقول المثل الشعبي الجزائري: "اللِّي فٙاتت۫ أيٙامه مٙا يٙط۫مٙعش۫ في أٙيٙامِ النّٙاس۫"، وزروال ولّت أيامه ولا يحقّ له التعدّي على أيام الشباب الجزائري ويكفيه أن يقدّم الرأي والنّصيحة إذا طلبت منه.

17.  الجزائر ولودة وتظلّ كذلك، فلماذا تحصر في شخص سبق أن حكم الجزائر وكأنّ الجزائر عجزت أن تلد أفضل منه. وهذا بحدّ ذاته مظهر من مظاهر الفساد وتكميم الأفواه وحصر فضل الجزائريين الذي لايحصر وتوقيف الزّمن في شخص واحد فقط دون غيره من الجزائريين.

18.  إن كان زروال فعلا يحبّ الجزائر فليلتزم بيته وليحافظ على وقار شيبته وسيأتيه الجزائريون فرادى وجماعات يطلبون منه الرأي والمشورة فيما يطرأ عليهم وفيما غاب عنهم، وبهذا يكون قد أدّى حقّ النصح وواجب المشورة وكفّر عمّا لم يستطع فعله حين كان حاكما للبلاد، وساهم في بناء الجزائر من جديد، ونال شكر الجميع وثناءهم عليهم.

19.   "أوباما" حكم الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2009 وهو ابن 48 سنة وخرج من الحكم سنة 2017 وهو ابن 56 سنة، وهو في كامل لياقته وأناقته ورشاقته وصحة رياضي، ولم يطلب منه أمريكي أن يعود للحكم من جديد، ولن يطلبها أبدا من الذين سبقوا أن حكموه وهم الآن على قيد الحياة كـ: بوش جيمي كارتر، وبوش الإبن، وبيكلينتون. لماذا إذن الجزائري يصرّ على دعوة الرؤساء السّابقين ليحكموا الجزائر وكأنّه لايوجد غيرهم.

20.   وأنا أعدّ هذه الورقة عقّبت على صفحة أحد الزملاء لأنّه طالب أن تكون جميلة بوحيرد رئيسة للجزائر فقلت: كتبت عن الثلاثة الأوائل غير نادم ولا آسف وقلت: لايحقّ لهم حكم الجزائر لأنّه سبق لهم أن حكموا الجزائر ولو كانوا أفضل وأحسن الجزائريين. لو ترشحت جميلة بوحيرد وطالبت أن تكون رئيسة الجزائر لقلت لها: لايحقّ لك الآن حكم الجزائر لأنّ الزّمن تجاوزك بكثير ولا يمكنك بحال تدارك الفارق الرهيب وأنت المعزّزة المكرّمة. وأوصيها بالامتناع ممّا يلطّخ أواخر أيامها ويمسّ من قدرها ولها منّا حقّ الدعاء والصدق والإخلاص.

21.  يؤكّد صاحب المقال في الأخير على أنّه يظلّ يثني على يامين زروال بشأن استقالته من الحكم وخروجه من أوسع الأبواب، أمّا فيما يخص طريقة حكمه للجزائر  والتي تبقى تخضع للأخذ والردّ فهذا ليس من شأن المقال الآن ويترك لمناسبة أخرى إذا تطلّب المقام وتوفّرت المعلومة وسمحت بذلك الذاكرة. ونفس المبدإ الذي طبق مع زروال بشأن رفضنا القاطع والعلني والثّابت لعودة زروال لحكم الجزائر من جديد باعتباره سبق له أن حكم الجزائر من قبل يطبّق وحرفيا ودون تغيير على: أحمد طالب الإبراهي، وبن بيتور، وحمروش، وغزالي، وسلال، وبلخادم وغيرهم من الذين لانعرف أسماءهم ولا تحضرنا الآن أسماءهم.

وسوم: العدد 818