القيادة قرارات ومواقف لا بيانات وتعليقات على الأحداث

انفتحت شهية إسرائيل على منتهى سعتها لفرض سيادتها على ما تحت سيطرتها من الأرض العربية بعد أن اعترف ترامب بالقدس عاصمة لها في 6 ديسمبر 2017 ، وبسيادتها على الجزء المحتل من المرتفعات السورية في 25 مارس الماضي ، فها هو نتنياهو يعلن أنه  في حالة  فوزه في الانتخابات المقتربة سيضم الكتل الاستيطانية في الضفة ، وعددها 230 مستوطنة . وأعلن ما أعلن مطمئنا ، حتى ولو قال ما يشبه خلاف هذا ، أن ترامب سيعترف في النهاية بسيادة إسرائيل الرسمية على ما تريد من أجزاء الضفة ، وأهمها أراضي غور الأردن التي تكون 60% من مساحة الضفة ، ويُمنَع الفلسطينيون من البناء فيها وفق اتفاق أوسلو إلا بإذن إسرائيلي لا سبيل إليه إلا في النادر المتباعد ، وهذا المنع كان إشارة ضمنية مبكرة إلى نية إسرائيل في الاستيلاء على هذه الأراضي في أي تسوية تراها نهائية . ما أعلنه نتنياهو ليس مفاجئا ، ولا صلة له بالانتخابات مثلما يفسر الإعلام الفلسطيني والعربي ، فهو سياسة إسرائيلية محددة تنفذ خطوة تلو خطوة على توالي الحكومات الإسرائيلية . هنا سياسة دولة ، والكل ملتزم بتنفيذها مهما تباينت الوسائل والمناورات المخادعة . نتنياهو مثلا ، وهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل حكما ، أيد حل الدولتين إلا أن سياساته العملية خالفت دائما تأييده . التأييد كان مناورة وخداعا ، وحان الوقت الآن لهجر المناورة والخداع ، والجهر بالمخطط المضمر . ولن تكون صفقة القرن المزمع  الإعلان عنها عقب الانتخابات الإسرائيلية مخالفة لما تريده إسرائيل في الضفة ، ومن الساذج الذي يتوقع هذه المخالفة من إدارة أميركية مارقة يقودها ترامب ؟! قد ترد فيها عبارات مبهمة حمالة تفسيرات ، لكنها لن تفسر وتنفذ في النهاية إلا وفق مشيئة إسرائيل التي لا نرتاب لثانية واحدة في أنها هي التي حددت بنود الصفقة وأشرفت على صياغتها ، وليس لترامب وأميركا فيها إلا الاسم  ، وحشد الدعم اللازم لتنفيذها . المرعب المفجع هو موقف السلطة الفلسطينية مما يدبر للضفة ومجمل المصير الفلسطيني . السلطة تعلن أنها تعارض الصفقة ، وأنها تقاطع الإدارة الأميركية ، وكل أفعالها ومواقفها تدفع باتجاه تمرير الصفقة . هي بهويتها الفتحاوية المطلقة تواصل التنسيق الأمني مع إسرائيل ضد من يقاوم مستوطنيها وجيشها ، وتجتهد للتغطية على موقفها باتهامات هستيرية متواصلة لحماس بأنها  تخطط لدويلة في غزة استجابة لمقتضيات الصفقة ، وبأنها تصعب إنهاء الانقسام ، وتوضح على لسان صائب عريقات : " سنواصل المطالبة بحقوقنا عبر المحافل الدولية ، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية " . كم مرة سمع الناس هذا التهديد من قيادات السلطة دون تنفيذ ؟! وما ذا ستفعل لصالحنا المحافل الدولية ومحكمة الجنايات ؟! ما يقع على الأرض يحسم كل شيء ، وعلى الأرض تبني إسرائيل المستوطنات والسلطة تعاونها أمنيا في حماية سكان هذه المستوطنات وحماية الجنود الإسرائيليين ، ولا تفعل أي شيء لحماية الفلسطينيين  الذين يقاسون انكشافا أمنيا لم يعرفوه قبل أوسلو . وفي هذا السياق نقرأ أن السلطة والأردن تدارسا احتمال وقوع انتفاضة في الضفة إذا فرضت السيادة الإسرائيلية  عليها ، وأنهما تتخوفان من هذا الاحتمال ، وهذا التخوف فيه الكثير من الدلالات السيئة الكاشفة عن رفض أي مقاومة لصفقة القرن . القيادة قرارات ومواقف لا بيانات وتعليقات على الأحداث ، والسلطة الفلسطينية لا تكتفي بسلبية البيانات والتعليقات ، فترفض المقاومة الفعلية لإسرائيل ، ودون هذه المقاومة ستنفذ إسرائيل كامل مخططها في الضفة الذي سيلحق بالمصير الفلسطيني ضربة تاريخية سيطول التشافي من مفاعيلها المدمرة . لو كانت قيادة السلطة قيادة حقيقية تخشى المساءلة والمحاسبة من الشعب لما توالى سكوتها على تخلي إسرائيل عن مضمون اتفاق أوسلو على وفرة إيجابياته لإسرائيل ووفرة سلبياته للفلسطينيين ، ومن هذا التخلي البت في مصير القدس ، القيادة الحقيقية المسئولة ترد في هذه الحالة على التخلي بالتخلي وفق مبدأ " إن فعلتم هذا سنفعل هذا " ، والرد بالمثل  حق تجيزه أي اتفاقية لطرفيها .

السلطة والت السكوت والخنوع على ما تفعله إسرائيل ، فانتهى الشعب الفلسطيني بالوقوف الحالي على شفا هاوية تاريخية . ورحم الله السياسي الفلسطيني النزيه الذي قال :"البلاء في القيادة يا إخوان " ، واعتزل النشاط السياسي حفظا لنزاهته مما يسود الواقع السياسي الفلسطيني من عيوب وملوثات.

وسوم: العدد 819