يوميات السيول السوداء (7)

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز

طُرق الباب ضحى، كان مأمور الكهرباء، دخل وهو يسألني عن الأوضاع؛ أجبته بأنها سيئة.

قال وهو يضع سلك جهاز التسجيل في العدّاد: البارحة وعندما كنت أتابع أخبار السيول عبر الواتساب وأشاهد مقاطع الأفلام وهي تعرض البيوت الغارقة، والنساء المفجوعة، والأطفال المذهولة، أغمي عليّ من شدة التأثر ونقلوني إلى المستشفى.

قلت له: يا صديقي، كنت أنام عند العاشرة مساء وأستيقظ فجرا. أما الآن فهجرني النوم وأمسيت أسهر حتى الثانية ليلا! أتابع أخبار هذه الفاجعة وأتألم!

نعم، إن الكارثة التي حلت بأهلنا في قرى الأهواز مؤلمة.

ما يثير الريب في أحداث السيول هو أن الحكومة تصر على القرويين أن اخرجوا من بيوتكم، وأن السيول ستجتاحكم، وتجرف أغنامكم وأبقاركم، أو قد تغرق أبناءكم!

ومنذ بداية السيول شاع خبر بأن سد الكرخة حصل فيه شرخ وقد ينهار ...

وإن انهار وسالت ستة مليارات متر مكعب مخزنة وراءه، ستغرق الأهواز كلها، وستحصل كارثة!

كل هذه الشائعات والنذر تُفنَد بعد أيام. 

حذروا أهل الخفاجية أن يتركوا بيوتهم ويرحلوا، وقد مرّ على تحذيرهم أكثر من عشرة أيام ولم يدخل بلد الخفاجية السيل. بلى قد اجتاحت السيول قرى الخفاجية والحميدية، لكنها وبفضل الشباب الذين أقاموا سواتر حول المدينة منعوا المياه من التدفق داخل المدينة.

أهل الحميدية وقد أعانهم شباب من مدننا الأخرى أقاموا ساترا بلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار، وطوله خمسة عشر كيلو مترا، يخمن عدد الأكياس المستخدمة للساتر والتي ملأها المرابطون بمساحيهم مليون كيسا!

تشير الأخبار من هناك أن الناس هم الذين أقاموا هذا الساتر بعملهم الدؤوب والمتواصل ليلا ونهارا؛ ولم تساعدهم المؤسسات الحكومية قط!

وكلما انهار الساتر من مكان وتدفقت المياه التي يبلغ ارتفاعها مترا، دخل الشباب ووقفوا أمامها بأجسامهم كجدار ليستطيع الآخرون وضع الأكياس ورصها بالتراب لسد الثغرة؛ وإلا جرفت المياه كل الأكياس التي توضع في جريانها!

وطلب الناشطون الأهوازيون أن تسجل هذه الملحمة في موسوعة غينيس القياسية لأنها إنجاز قياسي حقا! 

لقد تم إقامة الساتر بسواعد الرجال والنساء والأطفال وفي فترة أقل من أسبوع! أليس هذا العمل أنجازا قياسيا؟

هناك قرى في الحميدية والخفاجية حاصرتها السيول من كل جانب وبقى أهلها ماكثين فيها، وفي ظل شح الزوارق لإيصال المواد الغذائية، يدخل شباب اللجان الشعبية الماء حاملين الغذاء بأيديهم وعلى رؤوسهم ويتحملون الأخطار مشيا، وارتفاع الماء يبلغ صدورهم، ويمشون أكثر من كيلو متر، ليوصلوا الطعام إلى الأطفال والنساء والشيوخ.

وفي هذه الظروف الصعبة، لماذا لا تتدخل الحكومة بطائراتها العمودية لتقوم بهذا العمل الإنساني وهو من واجباتها؟!

أم أن للطائرات مهمة أخرى مشبوهة؟!

وأن حياة العربي في الأهواز لا يعني للمسؤولين شيئا؟!

ولا تزال السيول مستمرة وقد وجهوها نحو الفلاحية... ولا يزال مسيرها الطبيعي نحو الهور العظيم مسدودا!

وسوم: العدد 822