البحرين مزاد لبيع الأوطان

بعد منع من الكتابة لأكثر من عامين، قرأت حديثاً للأستاذ فهمي هويدي في موقع «رأي اليوم» أجراه الزميل محمود القيعي، حديثاً مسكوناً بالهم ووجع البعاد عن الكتابة والصحافة، في وقت أضحى ثمن الكلمة فوق طاقة البشر.. من منشار ينتظرك في سفارة إلى زنزانة في سجن العقرب، إلى رصاصة قنّاصة أثناء مُشاركتك أو تغطيتك لتظاهرة، إلى منفى في بلاد تجهلك وتجهلها.

هي مرحلة الصحافة التي وصفها هويدي «كنا سابقاً نتكلّم عن عسكرة السياسة، فحدثت عسكرة للصحافة ودخلنا فيما يُسمى عسكرة الدراما، ثم دخلنا مرحلة ”عسكرة التدين” عند شيوخ أشبه بـ”الجنرالات“، يتحدّثون عن أشياء غريبة!.

هذا بلد كما، قال أحد الأصدقاء - الذي لم أستأذنه في ذكر اسمه - تحفر تحت القاع!

وعندما نصل إلى تلك المرحلة، فأنا أحمد ربي أنني سَكَتُ في مرحلة لم أتخيل أننا يُمكن أن نصل إليها يوماً ما».

وجّه هويدي لومه للسياسة واتهمها بأنها سبب انحدار الصحف والصحافة في تقديم عديمي المُوهبة على شباب مُتدفقي الموهبة، يتم منعهم من ممارسة الصحافة دون أسباب واضحة سوى ارتعاش هذا النظام من الكلمة.

عرج هويدي على القضايا السياسية والصحفية في حديثه، الخارجية منها والداخلية، فوصف مؤتمر البحرين بأنه: «والمشهد الحاصل في موضوع مؤتمر البحرين شيء مروّع، ومزاد لبيع الأوطان بالأموال!، وهو مؤتمر مُهين لكل من حضر، مُهين للأمة، ومُهين للدول التي تحسب نفسها دولاً كبرى».

ووصف مؤتمر «صفقة القرن» بأنه مُهين لكل عربي وللقضية الفلسطينية، ويكشف المُنحدر الذي وصل إليه العرب، فمصر كانت عمود الخيمة، وبانكساره سقطت بقية الدول العربية في مُستنقع التبعية، وتطرّق هويدي إلى ثورتي الجزائر والسودان، وإصرار العسكر على لعب نفس الدور الشرير للقضاء على الثورة.

كما وصف فوز أكرم إمام أوغلو بولاية إسطنبول بأنه انتصار للديمقراطية، « اللافت أن من عبّروا عن شماتتهم في خسارة أردوغان - في الإمارات والسعودية ومصر- ليست لديهم أثارة من ديمقراطية، وبرغم ذلك هللوا لخسارة أردوغان».

سأل الزميل القيعي الأستاذ فهمي هويدي عن الوضع بعد رحيل الرئيس مرسي، لكن يبدو أن الأستاذ نسي أو تناسى الإجابة، أو تاهت في دهاليز الحديث عن مؤتمر البحرين، لا أعرف حقيقة السبب أو المُبرّر!.

لكن الحوار في مُجملة يُعبّر عن محنة حقيقية تمر بها مهنة الصحافة، سواء قبل رحيل د. مرسي أو بعده، ورطة تورّطت فيها المهنة وانحدرت إلى القاع، جاءت نتيجة للانحدار السياسي، ففي دول العالم الثالث، الدول التي يُسيطر الجنرالات على السلطة فيها، ليس هنا سوى الصوت الواحد، المحمي بالسلطة والمحني لها، منذ جمال عبد الناصر والحركة المُباركة، حتى السيسي والحركة الأكثر بركة على مصر!.

لم تعد صحافة مصر كما كانت في عهد الرواد، بل حتى في عهد مبارك نفسه، فعلى الرغم من وجود رجال النظام مثل إبراهيم نافع وإبراهيم سعدة وسمير رجب ثم محمد علي إبراهيم وأسامة سرايا وياسر رزق، إلا أنه كانت هناك موضوعات صحفية.. كان هناك كافة أنواع الفن الصحفي، ومقالات رأي لا تعد ولا تحصى، مقالات تقرأها فتحس أنك تقرأ كتابة، لكن صحافة مصر أصبحت تشبه إعلامها، وإعلامها رمزه أحمد موسى ونشأت الديهي.. خسارة يا مصر.

في مصر إعلام يُشبه الإعلام، وصحافة تشبه الصحافة، وكتابة تشبه الكتابة، وثقافة تشبه الثقافة، وأدب يُشبه الأدب.

في مصر أصبح كل شيء يشبه السيسي، بنفس مستوى الاضمحلال في القول والعمل، في اللفظ والجملة، أصبحت صحافتنا عادمة بلا طعم، وفقدت إحساس الخوف على البلد، لتتحوّل إلى خوف على النظام الذي يحميها، وما كتبه مكرم محمد أحمد عن الصحافة المتدنية، المُنشغلة فقط بتغطية أخبار الرئيس، هو وصف لرجل عاصر أنظمة وعمل كاتباً لها، ولمّا جاء النظام الحالي انضم إلى جوقته، لكنه لم يكن يتخيل أن الوضع يصل فعلاً إلى الكلمة التي قالها د. مرسي في المحكمة واصفاً بها رجال السيسي «سيأتي لكم بقعر الزبالة».

حين كان التابعي ومصطفى وعلي أمين كتّاب عبد الناصر، وكان مكرم كاتب حسني مبارك، كانوا يمتلكون الموهبة، وحضور الكتابة، وألق الكلمة وقيمتها، وكذلك حين كان موسى صبري كاتب السادات، كان يمتلك ناصية الكتابة، لكنك الآن تشاهد وتقرأ لأشباه كتبة، وعّاظ السلطان، الذين يَجهلون اللغة، وتنصرف عنهم الموهبة، ويسكنهم فقط الجشع وتكالب الأموال وإجادة دور حوذي الرئيس، الذي يقتدي به ويُقلّده، فالرئيس باع الأرض وخان العهد، فتولى الحكم، فلماذا لا يكون صحفيوه وإعلاميوه مثله، على استعداد للتغيّر والقولبة، حسب المثل المصري الشهير «اربط الحمار مطرح ما يحب صاحبه»، وفي قول آخر «مطرح ما يحب الحمار»!.

وسوم: العدد 832