كتاب البيادة.. وفكرة الديمقراطية

كتاب البيادة.. وفكرة الديمقراطية

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يجب ألا نستغرب من كتاب البيادة دفاعهم الرخيص عن الديكتاتورية العسكرية وعصفها بالحريات والكرامة الإنسانية وإلقاء الديمقراطية في سلة الزبالة . فكتاب البيادة يدافعون عن أنفسهم منذ ستين عاما وعما يتمتعون به من امتيازات تتفاوت حسب المستوى . هناك من تفتح لهم الأبواب ، ويقف الحجاب على مكاتبهم ، ولهم سيارات بسائقين في الليل والنهار تنتقل بهم بين بيوتهم وصحفهم ،  ولهم عقود بعشرات الألوف ومئاتها ، ويُمنحون نوافذ إضافية تجلب لهم المزيد في التلفزيون والإذاعة والمؤتمرات واللجان والاتحادات ومجالس الإدارات وغيرها، وهناك من تتحدد قيمته بقدر ولائه ومواهبه الأقل فيأخذ منصبا متوسطا أو متواضعا .  ومن أجل الامتيازات واستمرارها فكتّاب البيادة كذابون ومدلسون ومضللون ومنافقون ، وأمام من لا يعرفهم متغطرسون متعجرفون ، وإن كانوا في أعماقهم يشعرون بالدونية والتفاهة والضعة والهوان ! 

كان من الطبيعي أن يحدث لهؤلاء المرتزقة اهتزاز كبير في ظل حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي – فكّ الله كربته – فالرجل لا يحتاج إلى جوقة تهتف له أو تتغني بشمائله أو تنزله منازل الأنبياء والقديسين كما كان يحدث للسابقين عليه أو اللاحقين له. ولا يحتاج لمن يهجو خصومه أو ينال منهم ، لأن أخلاقه الإسلامية تترفع عن ذلك وتسمو . الرجل جاء ليخدم الشعب كله ، ووقف بمثاليته ليقول للناس : لكم كل الحقوق وليس لي حق ، ولكن الأوغاد والسفلة - كما سماهم صلاح عبد الصبور -  رأوا أنهم سيحرمون من امتيازاتهم الحرام ، فلم يغفروا للرجل سعيه للعدل والمساواة ، وزحفوا على بطونهم لينتشلهم من جندوهم على مدى ستين عاما ؛ فتلاقت أهدافهم حول الانقلاب على الرئيس المنتخب ، وإلغاء الديمقراطية ومصادرة الحرية والعودة إلى زمن الإجرام والاستبداد والطغيان !

استغل الأوغاد والسفلة التسامح الذي كان بلا حدود لدى الرئيس محمد مرسي ليقلبوا الحقائق ويكذبوا على الناس ويستنفروا عصاباتهم الخائنة من تنظيمات سرية وكتّاب تقارير وعملاء أمن ويشيطنوا الرجل ويحرفوا الكلم عن مواضعه ، حتى كانت جريمة 3يولية وما تبعها من مذابح دامية لأبناء الشعب الأبرياء ، فعادت إليهم روح الخسة والنذالة وغسلوا أمخاخ البسطاء وأوهموا الناس أن الرخاء قادم ، والكهرباء لن تنقطع ، وطوابير السولار والبنزين والبوتاجاز ستنتهي وأنهم سيعيشون في نعيم الحرية والكرامة وتداول السلطة ..

وجاءت رياح الانقلاب بالعواصف والمذابح والتسول من حقراء العالم ، وتم تكميم الأفواه وصناعة دستور بمعرفة الكنيسة يجرم الإسلام مع قوانين للقمع والقهروالأذى ، وينتعش كتاب البيادة وينهضون لإدانة الرئيس مرسي ويسكتوا –في الوقت نفسه - عن مذابح الانقلاب وجرائمه وفاشيته واعتقالاته وانتهاكه للحرمات وإهانته للحرائر . ثم وهو الأخطر التبشير بعودة جمهورية مبارك ولعن ثورة يناير!

ولنتأمل بعض أكاذيبهم وتدليسهم وتضليلهم التي يلحون عليها بطريقة جوبلز النازي ليصدقها الناس ويصدقوها هم من كثرة الإلحاح عليها في إعلامهم وصحافتهم :

يقولون الرئيس يخاطب الاخوان المسلمين بندائه : أهلي وعشيرتي . ويتناسون أن أي مرشح في الاتحاد الاشتراكي أو الحزب الوطني كان يخاطب الدائرة الانتخابية بهذا النداء الذي يعبر عن جموع الناس وليس الإخوان المسلمين .ثم إن الأهل والعشيرة نداء يتجاوز القرابة إلى سكان البيئة كلها كما تشير اللغة .

ويقولون الرئيس مارس الطغيان باسم الدين ، ويتجاهلون أن الإسلام هو الدين الذي لا يسمح بالطغيان . أما الطغيان الذي يمارسه الانقلابيون وهم يستعينون ببعض العمائم الفاسدة فلاعلاقة له بالإسلام ، لسبب بسيط وهو أن الإسلام ليس فيه كهنوت ، ولا غفران ولا حرمان .

ويقولون الرئيس لم يفرق بين مسئوليته عن وطن كبير ومسئوليته عن جماعة دينية سياسية محدودة الفكر والرؤي . أولا الجماعة ليست دينية بمعنى الكهانة ، ولكنها جماعة إسلامية تخدم الإسلام بالتربية والتعاون والتكافل ونشر الدعوة ، والرئيس كان يخدم المصريين جميعا ، وطرح كثيرا من المشروعات التي يتشعبط فيها الانقلابيون اليوم ، بل يزايدون عليها لمنح اللصوص الكبار من الأجانب والمصريين حوافز تمس باستقلال الوطن وثروته . وهم يعرفون ذلك جيدا .

ويقولون في ادعاء مفضوح : جماعة الإخوان المسلمين كانت التنظيم السياسي الديني الوحيد الذي سمح به نظام حسني مبارك ، ولهذا استطاعت أن تسطو علي الثورة منذ أيامها الأولي وأبعدت تماما جميع التيارات السياسية التي شاركت في هذه الثورة. وهذا الكذب والتدليس والتخليط ينسفه ما أقامه مبارك من محاكمات جائرة لقادة الجماعة والحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة ، وتزوير الانتخابات لمنعهم من  المشاركة في الحياة السياسية . وسيذكر التاريخ أن شباب الإخوان هم الذين قاموا بحمل العبء الأكبر في حماية الثورة ومواجهة المجرمين القتلة في معركة الجمل وصمدوا في التحرير حتى سقط مبارك . ثم إن الشعب يا كتاب البيادة هو الذي انتخبهم في خمسة استحقاقات انتخايية على ملأ من الدنيا كلها . من الذي سرق الثورة : الإخوان أو الانقلاب ؟

ويقولون : سياسة الرئيس وجماعته تؤكد كل يوم رغبة محمومة في السيطرة علي مفاصل الدولة المصرية حتي لو تطلب الأمر إقصاء جميع القوي عن المشهد السياسي وإعلان دولة الخلافة وتحويل90 مليون مصري الي مجرد اعضاء في جماعة الإخوان المسلمين . وهذا قول أخرق ، لأن الجماعة على أرض الواقع لم تملك الكوادر التي تسيطر بها على مفاصل الدولة ، وليتها فعلت . ثم إن الرئيس فتح ذراعيه للشيوعيين والناصريين والليبراليين المنافقين، وهو ما كنت أعترض عليه ، لأنهم أعداء للإسلام قبل أن يكونوا خصوما للإخوان ولم يفوزوا في أية انتخابات، ثم إنه أشركهم في مجالسه ولجانه وحكومته ، ودعاهم إلى الحوار والإسهام في أمور الدولة ، ولكنهم رفضوا مساعدته ، وانحازوا إلى الجهات الأمنية التي حرضتهم على الشقاق والعناد ، فرفضوا الحوار والتفاهم ، وذهب بعضهم إلى حد السفاهة حين أهانوا الرئيس في صحفهم الكذابة وإعلامهم المجرم .

لقد انحازوا إلى الانقلاب بعد أن تواطأوا على الديمقراطية وانحازوا إلى الاستبداد العسكري ، وهاهم يذوقون الآن بالتدريج ألوانا من العقاب الانقلابي والإقصاء الاستبدادي . وفي يوم ما سيتم شطبهم تماما من الحياة السياسية .

لقد طالبوا الرئيس أن يتخلي عن ثوابته الفكرية وأن يتخلص من انتماءاته السابقة، ولا أدري في أية ديمقراطية يتخلى سياسي عن ثوابته وانتماءاته ؟ في العالم الديمقراطي لا يتخلى أحد عن معتقداته ولكنه ينفذ الدستور والقانون . ولا يترك موقعه بمظاهرات الفوتو شوب واختطاف العسكر له ، فمن جاء بالصندوق يذهب بالصندوق . هذا هو السلوك المتحضر . أما شغل الدراع فهو منهج كتاب البيادة أو الأوغاد والسفلة !