عندما يحرسنا الإسرائيليون

د. مصطفى يوسف اللداوي

عندما يحرسنا الإسرائيليون

د. مصطفى يوسف اللداوي

[email protected]

أبشروا أيها العرب، فقد بات حراسكم الذين يسهرون على راحتكم، ويحافظون على حياتكم، ويحمون أولادكم، ويُؤَمِنُونَ لكم نفطكم وكهرباءكم، ويشغلون مطاراتكم وموانئكم، ويتحكمون في مؤسساتكم وشركاتكم الكبرى، إسرائيليين وصهاينة، ممن يتمتعون بخبرةٍ كبيرة، وتجربة عميقة في مجالات عملهم، وضمن تخصصاتهم، بعد أن صقلوها بسنواتٍ من الإجرام والاعتداء، قبل أن يقرروا ترك رتبهم العسكرية، ومناصبهم في الجيش الإسرائيلي، ويلتحقوا بالخدمة المدنية خارج فلسطين المحتلة، حيث لا يعرفهم أحد، ولا يدرك كنه عملهم السابق أحد.

إذ أن أسماءهم سرية وغير معلنة، ولا يعرفها غير قيادتهم في الجيش والمؤسسات الأمنية، فضلاً عن أنهم جميعاً يتمتعون بجنسياتٍ مزدوجة، ويحملون جوازاتِ سفرٍ أخرى، تمكنهم من دخل أي بلدٍ عربي، أياً كان انتماؤه، لمعسكر الممانعة أو الاعتدال، طالما أن جواز سفره يحترم ويقدر، ويفضل ويقدم، وفي كثيرٍ من الأحيان لا تلزمه تأشيرة دخولٍ إلى العديد من الدول العربية.

يتمتع الضباط الإسرائيليون سواء الأمنيون أو العسكريون بخبراتٍ كبيرة، ولديهم تجارب عميقة، تؤهلهم للتقدم لأي وظيفةٍ كانت، وقد ينتسبون إلى شركاتٍ أجنبية كبرى، ترتبط في الأساس بعلاقاتِ عملٍ جيدة مع الدول العربية، ولها طواقمها الخاصة، وفرقها الفنية، ومن حقها استبدال موظفيها وقتما تشاء، وكيفما تريد، وأحياناً دون الحاجة إلى أخذ إذنٍ مسبق من السلطات الحاكمة، بل أقصى ما تقوم به، هو التقدم بطلبات استقدام عاملين جدد، وخبراء مختصين، وما على الجهات المختصة سوى استعجال أوراقهم، وتسهيل دخولهم، لتمكينهم من سرعة الالتحاق بدوائر عملهم.

كثيرٌ من هؤلاء العاملين، ينتسبون إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وقد لا يكونون من المسرحين، أو من الذين أنهوا مدة خدمتهم وعملهم في المؤسسات العسكرية، بل إن بعضهم ما زال في الخدمة، ويتقاضى راتبه من مؤسسته، كما يتلقى تعليماته منها، ولكنه انتقل للخدمة السرية في أماكن أخرى، وفق مهماتٍ محددة، وتكليفاتٍ معينة، لتحقيق أهدافٍ مرسومة، وحتى الذين أنهوا خدمتهم، وقرروا الانتقال إلى مناطق أخرى للعمل، فإنهم يبقون على إتصالٍ بمرجعياتهم، ويقدمون المعلومات الهامة لقيادتهم القديمة، ومؤسساتهم الأولى، ولا ينسون أن مهمتهم الأولى أمنية، ووظيفتهم الأساس العمل لحماية كيانهم، وجمع المعلومات عن أعدائهم، أياً كانت هذه المعلومات، أمنية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية.

لم يعد الخبر سراً أو جديداً، كما لم يعد صادماً أو مفاجئاً، فكثيرٌ من العرب باتوا يعرفون أن مصممي السجون، ومهندسي المقرات الأمنية، إنما هم من الخبراء الأجانب، الذين تم جلبهم للعمل في مهماتٍ خاصة وسريعة، عبر كبرى الشركات العالمية، المختصة بإدارة السجون وتشغيلها، وقد لا تكتفي بعض الدول بأن تسمح لشركاتٍ أجنبية ببناء سجونها، بل إنها تطلب من بعضهم أحياناً إدارة السجون وتشغيلها، ضبطاً لها، ومنعاً للهرب، وضماناً لحسن سير العمل فيها.

أما المطارات ومؤسسات الطيران المدني فتعج بالمئات من الخبراء والمهندسين والعاملين في الملاحة الجوية، وفي المطارات الأرضية، الذين يقودون الطائرات، ويسيرون الرحلات، ويحددون المسارات، ويمتلكون كافة المعلومات عن المسافرين، أسماءهم وجهات سفرهم، وأعدادهم ومهامتهم، وغير ذلك من المعلومات، التي يمكن الاستفادة منها، أو بيعها أحياناً للشركات السياحية، فضلاً عن معرفة أسرار الأساطيل الجوية المدنية، وكفاءتها ومدى حاجتها إلى التطوير والتحديث، مما ييسر لهم تقديم المعلومات الدقيقة لكبرى شركات تصنيع الطائرات المدنية الدولية.

وبالتوجه نحو سوق الحراسات والمرافقة، التي أضحت سوقاً اقتصادية رائجة، لها شركاتها وخبراؤها، وعندها إداراتها والمروجون لها، نجد أن سوق الحراسات والمرافقات بات عطشاً للشركات المختصة، والخبرات العالمية، والكفاءات العالية، والتقنيات الحديثة، ووسائل الإتصال السريعة، وهو ما تقدمه كبرى الشركات الأجنبية، التي لا يغيب عنها الإسرائيليون، عملاً وإدارة.

علماً أن المرافقة لم تعد حاجة خاصة فقط برجال السياسة، بل باتت الكثير من القطاعات والشخصيات تبحث عن شركاتٍ مختصة للحماية، ومنها السفارات، والشركات التجارية، وبيوت المال، وشركات الصيرفة، والفنادق والبنوك، بالإضافة إلى الفنانين والفنانات، والمغنين والمغنيات، وأغلب العاملين في الحقل الفني، وكذا أبناء المسؤولين، وأطفال الميسورين والأثرياء، ولاعبي كرة القدم، وهو الأمر الذي يجعل الحاجة ماسة جداً لتطوير وتحديث قطاع الحماية والحراسة، وهو ما تقوم به هذه الشركات المختصة.

علماً أننا في دولنا العربية، نفضل دوماً الشركات الأجنبية، والخبراء المستقدمين من الخارج، فنسلمهم أسرارنا، ونملكهم مؤسساتنا، ونعهد إليهم بحماية أرواحنا وحياتنا، في الوقت الذي لا نعلم شيئاً عن هذه الشركات، ولا عن الأشخاص المستقدمين والعاملين والإداريين.

وبالانتقال إلى حقول النفط العربية، فسنجدها وكراً حقيقياً للمؤسسات الأجنبية، ولشركات المعلومات الدولية، التي تكاد تسيطر على أغلب حقول النفط العربية، تشغلها وتديرها، وتجمع عنها المعلومات، في الوقت الذي تقوم به هذه الشركات بحمايتها وحراستها، ولا تسمح لأي جهةٍ كانت بالاقتراب منها، أو العمل فيها، إلا إذا أجازت هذه الشركات عملهم، وسمحت لهم بالدخول.

لستٌ مبالغاً فيما ذكرت، فشركات الحماية الأمريكية التي عملت في العراق في ظل الغزو الأمريكي له، هي التي تعمل في الضفة الغربية، وهي نفسها المتواجدة اليوم في دولة الإمارات، وهي وغيرها التي تنشط في قطر، وكردستان ومصر والمغرب، ومنها مثلاً شركة بلاك ووتر العريقة، وجي فور أس، الذين يقدمون أعلى الخدمات الأمنية للدول العربية، رغم أن أمنهم ممزوج بالدماء، وحمايتهم تعني فقدان الأوراح، والسلامة عندهم مرتبطة بحجم المعلومات التي يقدمونها، وبمدى الحماية التي يوفرونها لشبكاتهم التجسسية، وعيونهم المنتشرة والمزروعة في أكثر من مكانٍ في عالمنا العربي، ذلك لأنها شركاتٌ صهيوينة، وأدواتها إسرائيلية، ولا تعمل إلا لحماية كيانهم، وحفظ مصالحهم.