بلا مأوى

هشام الحمصي (أبو عبادة)

clip_image002_5a4e1.jpg

القطةُ من الحيوانات المدلّلة النظيفة الهادئة التي تعتني بنفسها وتلازم بيت من يرعاها، وقد اعتاد اهل الشام على تربيتها داخل منازلهم لتشاركهم الدفء والمرح والسعادة.

منذُ أن كنتُ صغيراً وانا ألاعبُ القِطَطِ في بيت جَدّي (دمشق القديمة) أدلِّلُها فتقفزُ وتخطفُ الأشياء من يدي، وتتشاجر معي لتطوِّرَ مهاراتها القتالية التي تحتاجها لمصارعة قطة الجيران !

في داخل المجمع السكني الذي أعيش فيه بمدينة "سان دياكو" بولاية كاليفورنيا الأمريكية قِطةُ سوداء جميلة ذات أقدام وشوارب بيضاء تزيدها جمالاً، وهي واحدة من ستة قِطَطٍ لجارةً لي، ترعاهم وتعتني بهم في شِقتها العِلوية مقابل شقتي. 

جَلَسَت القِطةُ السوداء في أسفل الدرجِ عند مدخل البناء هادئة حزينة، تنتظرُ من يربت عليها ويمسح فروتها ويلاعبها !

اعتدتُ المسح على رأسها وتمرير يدي على فروتها لأُشعِرُها بالدفء والحنان، فتتمايل وتدلكُ جسمها بثيابي وتلازمني حتى أغيبَ عن عينيها.

وفي الأيام الأخيرة، كانت تخفي شعوراً حزيناً وألماً يلاحظهُ كل من يعرفُ طِباعَ القِطَط، تجلسُ وحيدة دون نظيراتها، لا تركضُ ولا تهرب ولا تتطفل على أحد، بينما أخواتها تلعب وتركض وتلهو وتتجاوزُ حدودها بالقفزِ إلى شرفتي (البلكون) والعبثِ بالأشياء الموجودة فيها.

وبعضها يتمدَّدُ على درجات السلَم (الدرج) عند صعودي وهبوطي، فأقفز فوقها كي لا أزعجُ (حضرَتها) !!

وفجأة افتقدتُ القطة السوداء، سألتُ عنها فأخبروني بأن جارتي الثانية في الشقة المجاورة قد تبنّتها بعد أن استأذنت صاحبتها برعايتها !!

وعندما سألتُ جارتي صاحبة القطة الأصلية عن سبب تخلّيها عن القطة السوداء بالذات وليس غيرها، أجابت بأنها تسببّ لها المشاكل بمشاجرتها مع بقية القِطَط، فطرَدَتها من البيت !!

ومنذ أن تبنّت جارتي القطة لم أعد أراها حزينة تتسكع خارج البيت، بل سعيدة مسرورة في البيت الجديد، تقفزُ وتلعبُ داخله وفي شرفتهُ.

نعم لقد وجَدَت القطة حِضناً رحيماً أكثر دفأً وحناناً.. حِضناً يرعاها ويطعمها ويحميها من نوم الشوارع.

أمّا أطفال بلادي فقد تخلّى عنهم القريب والبعيد والأهل والجيران، وتجرّدَ العالم من إنسانيته إِتّجَاهِهِم بمجتمَعهِ الدولي، وجامعتهُ العربية، وأمَمَهُ المتحدة، ومجلس أمنه، ومنظمات حقوقه الإنسانية !

لقد كانت القِطَطُ والكلابُ أكرم للبشرية من أطفالِ بلادي عندما طالبوا بإرادة حرّة ليعيشوا كرماء آمنين كأطفال العالم فعاقبوهم !!

لقد تخلّت عنهم الإنسانية فأصبحوا طعاماً لأسماك البحار، بلا مأوى ولا تعليم، يجلسون وهم (الكرماء) على موائد اللئام !

لقد اعتبر العالم أطفال بلادي أدنى من القطط، فتركوهم هائمين مشردين، فلكم الله يا أطفال سوريا فلن يضيّعَكم..

وسوم: العدد 838