أم عبد السلام أبو الهيجاء أي النساء أنت

أم عبد السلام أبو الهيجاء أي النساء أنت

فؤاد الخفش

وقفت رغم ما أصابها من مصائب وأمراض.. شامخة مؤمنة مبتسمة متقبلة لقضاء الله وقدره حامدة لله على هذا البلاء متيقنة أن الله لا يضيع أجر عباده الصابرين المجاهدين.

مسحت الدمع من عينيها حتى لا يتسرب الحزن والوهن لقلوب من تبقى من بنيها من حولها وذهبت بفكرها لهناك حيث يقبع زوجها الشيخ جمال أبو الهيجاء.

ذات الشعور أصاب الرجل صاحب اليد المبتورة، الإنسان جمال أبو الهيجاء حين جاءه خبر تدهور الوضع الصحي لزوجته.. حبس الشيخ دمعته في عينيه وأغمضهما بشدة، فمع الدمعة تلألأت صورة الزوجة (أسماء) فلم يرد للصورة أن تسقط مع الدمعة ... أخذ نفساً عميقاً وقال:" لا حول ولا قوة إلا بالله، إني استودعتها لمن لا تضيع عنده الودائع" .

في المصائب.. أول ما يتذكر المرء أهله وأحبابه فهم من يخففون الألم، أما أم عبد السلام فلم تجد الأحباب من حولها، فالزوج أسير والنجل الكبير معتقل والنجل الثالث معتقل والنجل الصغير مطارد والمرض يحاصرها فأي النساء أنت يا أختنا ...

لطالما استمعت لهذه السيدة الفلسطينية وهي تتحدث عما تعرضت له وعائلتها من مصائب تنوء الجبال عن حملها ويهرب البشر من مواجهتها، لكنها رغم كل هذا البلاء بقيت صابرة مصابرة تواجه مصائب الدهر بابتسامة الواثق بنصر ربه.

أم عبد السلام أبو الهيجاء الأسيرة المحررة والفلسطينية الثائرة، لم تقبل أن تكون زوجة أسير أو قائد وحسب فنزلت للميدان وشاركت المجاهدين جهادهم وقاومت وكانت حالة نضالية رائدة.

جمعت تلك المرأة الصابرة أكثر من وصف، فهي الأسيرة المحررة وزوجة المجاهد القائد جمال أبو الهيجاء الذي كان مطارداً، وهي أم الأبطال، فجميع بنيها أسروا واعتقلوا، وهي أم المطارد.. فأي النساء أنت يا أم عبد السلام.

لم تقصر في يوم من الأيام هذه السيدة الفلسطينية مع أحد، فكانت حاضرة في جميع المناسبات تسد مسد زوجها وعائلتها، تجامل في الأفراح وتواسي في الأتراح، وتبتسم وقت اللقاء وتواسي وقت المصاب فأي النساء أنت يا أم عبد السلام.

وما يقال بصدق، هو إن تلك المرأة تعتبر نموذجاً رائعاً للمرأة الفلسطينية التي قدمت كل ما يمكن أن يقدمه إنسان من أجل وطنه، لم تطلب من بنيها بعد اعتقال زوجها الجلوس في المنزل الذي هدمه الاحتلال بل دفعتهم نحو الجهاد والفداء وبثت فيهم روح الحمية وحب الوطن.

أم عبد السلام كان منزلها خلال العقد الحالي مسرحاً للأحداث، فبعد أن ضم في جناته الأبطال المطاردين (نسيم أبو الروس، وجاسر سماره، وقيس عدوان) هدم على رأس ساكنيه واعتقل زوجها بعد بتر يده في إحدى معارك المخيم، كما اعتقل جميع بنيها، واعتقلت ابنتها المحامية واعتقلت هي وطورد صغيرها واستشهد في جنباته أحد رفاقه واقتحم مرات ومرات وها هو المنزل الآن يواجه مرض سيدته وعموده المتين.

للسيدة المجاهدة الغالية على قلوب جميع أبناء فلسطين، أقول إننا على يقين أنك بحول ربك ستنتصرين على مرض السرطان وستهزميه بحول الله لأن الحرائر لا يهزمن وأنت سيدة الحرائر.

شافاك الله وعافاك يا أم الرجال ويا أخت الرجال ويا زوجة سيّد الرجال أيتها الحرة الأبية، والله اسأل أن يشافيك وأن نشهد معك انتصاراً جديداً تسجلينه ولكن هذه المرة ليس على الأعداء الذين لم يفلحوا في كسر إرادتك، ولكن على المرض الذي سيهزم بحول الله وإرادته.