ذاكرة تجربة (3 + 4 + 5)

ذاكرة تجربة (3).. انتخابات مجلس الشعب

20-1-2007 / 1-1-1428 رأس السنة الهجرية، ليلة اعتاد أهل حلب على الاحتفال بها وتقديم (جوز الهند، وشراب اللوز)، وسهرة في بيت الصديق ( س / و)

العدد حسب ما وافانا به الأمن العسكري أثناء التحقيق بعد سنتين، كان 36 شخصًا، علمًا أننا لم نحصِ أنفسنا في السهرة، وقد أطلق علينا الأمن مجموعة الـ 36 حينها.

سبب السهرة الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، والموضوع الرئيس انتخابات مجلس الشعب التي ستجري في نيسان القادم.

نعم علينا الانخراط في هذه التجربة الانتخابية، فالوجود داخل الملعب ضرورة، والإصلاح من الداخل أو التأثير على الأقل طموح لكنه بعيد المنال.

فبعد تجربتي لمدة 4 سنوات في مجلس المدينة، قرر الأصدقاء ضرورة خوض الانتخابات التشريعية في تحدٍّ كبير، وهو إذا نجح أحدنا صدفة، فيوجد استحقاق ما يسمى تجديد البيعة لبشار الأسد.

مع ذلك قررنا وبدأنا، وكانت الخطوة الأولى زيارة إلى منزل سماحة مفتي حلب الدكتور (إبراهيم السلقيني) لعرض الفكرة والأسماء المقترحة عليه، حيث إنه خاض هذه التجربة عام 1974، فاستحسن رحمه الله الفكرة وشجع عليها، وسميت القائمة المستقلة بمقترح الزميل (ع/خ) وموافقة المفتي باسم (قائمة محبي حلب).

وتم اختياري مع أربعة من الأصدقاء بمراعاة الخبرة والشهرة (عائليًا، عشائريًا، اقتصاديًا) ليشكلوا (قائمة محبي حلب)؛ لانتخابات مجلس الشعب 2007.

بدأت الحملة الانتخابية مُعتمِدة على ما يلي:

– إصدار بيان انتخابي موحَّد لجميع أعضاء القائمة، وهذه كانت سابقة لمرشحي مجلس الشعب في سورية المستقلين.

– طباعة أسماء وصور المرشحين الخمسة على ورقة ملونة قابلة للنشر والتوزيع الرشيق، وخلفها السير الذاتية لجميع المرشحين.

– لا يوجد دعايات فردية، بل جميع اللافتات والبوسترات والمنشورات باسم القائمة وأفرادها الخمسة.

– إقامة (صيوان) ثم التوسع لاثنين بسبب كثرة الضيوف لعدة أسابيع قبل الانتخابات.

– ميزانية الحملة مشتركة، وأذكر أننا جمعنا 275000 ليرة سورية، واستهلكنا منها ما يقارب 250000 ليرة سورية، وأُنفق الفائض على حفل عشاء بعد (الرسوب) في منشأة الطحان (مطعم على أطراف المدينة)، حضره أغلب الوكلاء ووُجهت فيه رسائل مهمة للشابات والشباب من الوكلاء.

– الوكلاء هم مجموعة الصبايا والشباب، الذين كانوا وكلاء على الصناديق للمرشحين، وقد جرت العادة أن تكون هذه صنعة، إذ يستأجر المرشحون المستقلون بعض العاطلين عن العمل مقابل مبالغ مالية ووجبات غذائية ليكونوا وكلاءهم على الصناديق، أما قائمة (محبي حلب) فقد كان جميع هؤلاء الوكلاء من الشابات والشباب المتطوعين حاملي الرسالة المجتمعية دون أجر، وكلهم أبناء عائلات كريمة ويدرسون في المدارس والجامعات، ووصل عدد المتطوعين لأكثر من 700 وكيل.

– قسم كبير من مشايخ حلب دعموا القائمة.

تُعدّ حلب المدينة دائرة واحدة وريف حلب دائرة أخرى وكما ذكرنا، في الانتخابات البلدية هناك فئتان الفئة ( أ ) هي للعمال والفلاحين والموظفين، والفئة ( ب ) باقي فئات الشعب.

وبما أنني موظف في مديرية السياحة آنذاك، فقد كنت مرشح (محبي حلب) عن الفئة (أ) أما باقي أصدقائي الأربعة فقد كانوا عن الفئة (ب)، حيث كان أحدهم مالكًا لأهم شركة نقل في سورية ومن عائلة كريمة هي الأشهر في هذا المجال، والثاني يمتلك معملاً وهو مهندس كهرباء من عائلة حلبية عريقة، والثالث من عشيرة مهمة وهو مهندس مدني متخرج من أمريكا، والرابع طبيب وهو من عشيرة مهمة أيضًا، ولا ننس أنني أيضًا من عشيرة مهمة وهي عشيرة (الهنادي).

حقيقة الأمر أن حلب قد ضجت بهذه القائمة ما بين مُرحب وسعيد بمجموعة الشباب التي بادرت وتجرَّأت، وما بين مُستغرِب مُستنكِر من تجار الانتخابات، وما بين مراقب ومتابع من أجهزة الأمن.

أما فيما يتعلق بنتائج ودروس انتخابات (محبي حلب) 2007، فنحن على موعد معكم في الحلقة القادمة من ذاكرة تجرية.

حياكم الله..

ذاكرة تجربة (4).. ما بعد الانتخابات

نعود قليلاً إلى بعض مشاهد التحضير لانتخابات مجلس الشعب 2007 ، حيث تحدثنا عن بعض تفاصيل التسلسل الزمني للعملية في الحلقة السابقة.

– في منطقة شارع النيل في حلب، مكتب صغير قررنا أن يكون غرفة عمليات لإدارة قائمة (محبي حلب)، وفي مدخل حلب الجديدة كما ذكرنا صيوان (خيمة كبيرة) لاستقبال المحبين والأصدقاء والمتعرفين والفضوليين والمخبرين.

– وفي يوم الانتخابات توزيع ما يزيد عن سبعمائة شاب وصبية بعمر الورد وقلب الياسمين محبين للتغيير آملين به.

– في سيرتي الذاتية التي وضعت على المطبوعات قام الصديق ( ي/ ن) بكتابة وصف عني وهو عبارة ناشط في منظمات المجتمع المدني، ويجن جنون أمين فرع الحزب بحلب (عبد القادر مصري) الذي لا أريد توجيه أي شتيمة له إكرامًا لأسرته الكريمة التي لا علاقة لها بموبقاته، جُنّ جنونه لأننا كتبنا عبارة منظمات المجتمع المدني، كأنها كهرباء صاعقة لمسؤولي البعث والأمن.

– وبالعودة ليوم الانتخابات، فقد بدأ يصلنا الكثير من التسريبات أن اجتماعات أمنية وحزبية كثيرة جرت، وتوجيهات صارمة لأمناء الشعب الحزبية الذي يشرفون على قطاعات المدينة الانتخابية، أنه لا يمكن وصول أحد أعضاء قائمة محبي حلب إلى مجلس الشعب.

– كانت الانتخابات على يومين، وفي ليل اليوم الأول اجتمعت غرفة العمليات لقائمة (محبي حلب) لتقييم العمل في اليوم الأول، ووجدوا أن الأمل الوحيد بالنجاح هو التعويل عليَّ كوني مرشح القائمة (أ) وفيها حدة التنافس أقل، مع أن التنافس فيها على كرسيين من أصل ما يقارب 30 مرشحًا، لكنها تبقى أخف وطأة من الفئة (ب) التي يُبذَل فيها الملايين، وعليه تم الاتفاق على عقد تحالفات في اليوم الثاني مع وكلاء مرشحين آخرين، يشترط فيها وضع اسمي مقابل وضع أسماء لهم، وتم اختيار الأكثر احترامًا من المرشحين للتحالف مع وكلائهم، وأؤكد أن التحالف مع الوكلاء على الصناديق وليس مع المرشحين أنفسهم، أي إجراء تكتيكي محض.

– من الأمور الطريفة أنه عرض علينا شراء (5000 أو 10000) لا أذكر تمامًا هوية انتخابية بمبلغ (25000) ليرة سورية عشية اليوم الثاني، وأن نقوم بتمرير هذه الهويات على العديد من المراكز الانتخابية ضمن اتفاق الـ (25000) ليرة سورية، لكن لماذا رفضنا؟! رفضنا لأننا أصلاً نخوض تجربة سياسية هي الأولى من نوعها يجب أن نكون فيها قدوة للمجتمع، ولا يجب أن نقوم فيها بعمليات تزوير ورشاوى وفساد، حيث إن هذه الأمور هي التي تميزنا عن غيرنا، وهي التي نريد تغييرها بداية في عملية تغيير المجتمع المنشودة.

كيف تُدار الأمور في يوم الانتخابات؟

– يقدُم الناخب إلى مركز الاقتراع، وغالباً يكون معه قائمته التي سينتخبها.

– من النادر أن تصل ورقة إلى الصندوق لا تحتوي على قائمة الجبهة الوطنية التقدمية، علمًا أن هذا لا يهم، فمع فتح كل ورقة أثناء الفرز، وبغض النظر عمَّا فيها، تتلى أسماء أعضاء الجبهة ثم أسماء المستقلين الموجودين في هذه الورقة.

– بعد انتهاء فرز الأصوات تذهب نسخة مباشرة للجنة الأمنية في المحافظة التي تجتمع وتعطي التوجيهات بكيفية توزيع أصوات أعضاء الجبهة الوطنية التقدمية وبترتيب نجاح المستقلين حسب توجيهات القيادة القطرية.

– تعود السجلات الانتخابية التي نُقلت من المراكز الانتخابية إلى الشعب الحزبية (بغض النظر عن الصناديق) ويبدأ المُفرَّغون للأمر بنسخ نسخ جديدة من السجلات الانتخابية وفق أوامر اللجنة الأمنية، وهذه السجلات تحتوي على كل مركز وكل صندوق، مثلاً (مركز سادكوب – الصندوق رقم)

– بعد هذه الترقيعات تعود النتائج لقسم الأتمتة في المحافظة، وتُدوَّن في ملفات الإكسل وأيضًا، يوجد برنامج انتخابات، وتصدر النتائج كم أُرِيد لها.

– ممَّا حدث معي أن صديقي العزيز (ع / ر) كان هو المسؤول عن برنامج الانتخابات (الأتمتة) في المحافظة، فطلبت منه تفصيل الصناديق التي تخصني، وأرسل لي نسخة أكسل (للأسف ضاعت مني في هارد قبيل الثورة بفترة) وفوجئت بأن نتيجتي في (70) صندوقًا هي صفر! لكن ليست هنا المشكلة، فقد أخذت عينة وهي (مركز سادكوب) وفيه صندوقان، وسبب اختياري لهذا المركز أن عمي وابن عمي هما القائمان على هذين الصندوقين، وعمي يعمل في سادكوب منذ ثلاثين عامًا، وله علاقات وطيدة مع كل من يتعامل مع سادكوب أو من هو موظف فيها، وقد أبلغني عمي أن لي أصواتًا بين الصندوق الأول والثاني لا تقل عن 600 صوت؛ لأنه بقي أثناء الفرز بعد انتهاء الانتخابات، لكن المضحك أن حتى أصوات عمي وابن عمي (الوكلاء) على الصندوق قد حذفت والنتيجة صفر، تكرر ذلك في مركز (المطاحن)، حيث كان لي ابن عم مدير هناك، وأبلغني بأعداد أكثر بكثير ممَّا حصلت عليه في النتائج المُعلَنة.

– وفي اليوم الثالث تصدر النتائج ليعلن فوز السيدين الدكتور (عبد العزيز الشامي)، والدكتور (هلال زين الدين) رحمهما الله تعالى بحدود 28000 صوتًا لكل منهما، وكان تعداد أصواتي المُعلَنة من قبل النظام 21000 صوتًا تقريبًا، وبذلك فازا بمقعدي الفئة الأولى.-انتهت هذه التجربة بدروس لا تعد ولا تحصى، لكننا دفعنا ثمنها غاليًا في السنوات اللاحقة.

حياكم الله..

ذاكرة تجربة (5) بداية العمل في مجلس مدينة حلب

عليّ التنويه في بداية هذه الحلقة إلى أنني أنقل ذاكرة تجربتي بحلوها ومرها نقلاً شفافًا، ولا أتحرى البحث عن السلبيات والإدانات فقط، بل أنقل أيضًا محاولات جادة للنهوض بالمدينة في طياتها مبادرات إيجابية واجهت عقبات وصعوبات ومقاومة من الفاسدين، وأركز على شعاع نور حاول اختراق الظلام فنجح جزئيًا مرات وفشل مرات كثيرة، وأن المجتمع السوري قبل الثورة يشبه جدًا المجتمع السوري بعد الثورة، فيه الصالح والمتقن والأمين، وفيه الفاسد والمهمل والخائن.

أيضًا أنوه إلى أنني لا أحكي الحكايا والقصص فقط، بل سأعرج على معلومات مفيدة منها معلومات فنية وتقنية، ومنها قانونية ومنها سياسية.

وبالعودة إلى عام 2003 وقد أصبحت عضوًا في (مجلس مدينة حلب) عن المستقلين، وصادفت تلك الفترة التركيز من قبل أجهزة الدولة على التطوير والتحديث، وبالتالي كان اختيار رئيس مجلس المدينة مبنيًا على هذا الأساس، مع العلم أن رئيس المجلس آنذاك يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية من بين الخمسين المنتخبين، أي أنه لا يُنتخب من قبل الشعب ولا الخمسين المنتخبين، بل يعين تعيينًا شريطة أن يكون منهم.

تركيبة المجلس الأساسية هي رئيس معين لأربع سنوات، ونائب رئيس منتخب من الخمسين يجدد انتخابه سنويًا، ومكتب تنفيذي مدة ولايته سنتين، وأربع لجان دائمة منتخبَة مدة عملها أربع سنوات هي (لجنة الخدمات، ولجنة المرافق، ولجنة الموازنة، ولجنة الثقافة والسياحة والآثار)، إضافة إلى لجان مؤقتة يعينها رئيس المجلس مثل (اللجنة التخطيطية).

رئيس مجلس المدينة دكتور في تخطيط المدن من باريس، يتقن الإنكليزية والفرنسية، أستاذ جامعي، مستشار سابق لدىGTZ  في مشروع المدينة القديمة.

خطته الرئيسة هي الابتعاد عن إدارة الأزمات التي اعتادت عليها الإدارات السابقة، أي حل المشاكل اليومية والعمل البيروقراطي والارتجالي، واعتماد أسلوب ما يسمى (التخطيط الموجه بالأهداف)، فكان عمله الأول الدعوة لجلسة استثنائية في شهر آب 2003، أي بعد تشكيل المجلس بشهر واحد، وكان جدول الأعمال هو عقد ورشة عمل بعنوان (التخطيط الموجه بالأهداف لرسم خطة عمل مجلس المدينة للسنوات الأربعة القادمة).

المدعوون لهذه الورشة كانوا أعضاء مجلس المدينة الخمسين، والمديرين الفنيين في مجلس المدينة بحدود خمسة عشر مديراً، وبعض مديري الدوائر الخدمية (كالمياه، والكهرباء، والسياحة…).

خرجت الورشة في يومها الخامس بخمسة عشر محورًا للعمل تم توزيعها للإشراف على تنفيذها على أعضاء المكتب التنفيذي واللجان الدائمة آنفة الذكر.

شملت خطة عمل السنوات الأربعة ضمن محاورها الـ 15 المواضيعَ التالية:

  1. إعادة هيكلة النظام الإداري.
  2. تنمية الموارد المالية وترشيد الإنفاق.
  3. تحسين الواقع البيئي وواقع النظافة والمساحات الخضراء.
  4. وضع أسس التنمية السياحية وتنفيذها.
  5. الارتقاء بمستوى الخدمات العامة وتجميل المنظر العام للمدينة.
  6. الحد من انتشار المخالفات وإيجاد الحلول البديلة.
  7. تطوير عملية التخطيط العمراني وربطها بآليات التنفيذ.
  8. تحسين الواقع المروري.
  9. رفع جاهزية المدينة لمواجهة الكوارث.
  10. تنمية الموارد البشرية وتأهيلها.

وسنتطرق لاحقًا للأمور التي تم تنفيذها جزئيًا أو كليًا، والمعوقات التي وُضِعت لعرقلة تنفيذ هذه المحاور من خلال الحديث عن تبسيط إجراءات الترخيص ومشاريع الـ BOT ، والمخطط التنظيمي وتجميل المدينة، وحملات التوعية وخدمات الأحياء الشعبية، وتعهيد جزء من النظافة للقطاع الخاص، والهيكلة باتجاه اللامركزية، والعمل الثقافي والمجتمعي، والعلاقات الدولية.

حياكم الله..

وسوم: العدد 889