الانقلاب العسكري في ميانمار يؤكد مرة أخرى ازدواجية المكيال لدى الدول الغربية في التعامل مع الانقلابات العسكرية

قبل أيام قليلة مضت عبرت الدول الغربية عن استيائها الشديد  من اقتحام مقر الكونجرس الأمريكي من طرف عصابات مسلحة تم تحريضها من أجل نسف نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية بغرض الاجهاز على الديمقراطية والشرعية التي هي إرادة الشعب الأمريكي ، وهو ما لم تعبر عنه الدول الغربية عندما صودرت إرادة الشعب الجزائري قبل سنوات مضت  حين انقلب العسكر على العملية الديمقراطية ووأدها في مهدها ، وكان أشرس انقلاب عسكري دموي خلف مئات الآلاف من الضحايا خلال عقد من السنين ويعرف بالعشرية الدموية . وسكت الغرب مرة أخرى عن الانقلاب العسكري الدموي على الديمقراطية والشرعية في مصر ولم يحرك ساكنا ، ولا شعر بوخزة  ضمير ، وها هو اليوم يعبر عن قلقه ورفضه للانقلاب العسكري في ميانمار ، ويطالب بعودة الحكم المدني والشرعية ، ويطالب باطلاق سراح أعضاء الحكومة المدنية المحتجزين لدى الانقلابيين ، وهو ما لم يفعله حين زج الانقلابيون في مصر بالرئيس الشرعي ، وبكل من له صلة بحزب الحرية والعدالة ذي التوجه الإسلامي .

إن منطق الغرب العلماني هو سكوته على انقلابات عسكرية حين يتعلق الأمر بمصالحه بينما يدين أخرى ، وسكوته ملحوظ  على وجه الخصوص حين تكون نتائج الانتخابات الديمقراطية لصالح أحزاب ذات توجه أو مرجعية إسلامية في الوطن العربي، لأن له حساسية ضد هذه الأحزاب ، وهو يعتبرها مهددة  ومنافسة  لعلمانيته .

وواضح أن هذا المنطق غير سليم ، ويتناقض تنتقضا صارخا مع ما يدعيه الغرب من وصاية على الديمقراطية في العالم ، وهو يعتبر نفسه قدوة يجب أن تقتدي بها باقي دول العالم  وتحديدا  تلك التي تنعت بدول العالم الثالث وهو ما يعني حكم الشعوب نفسها بنفسها عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع بكل حرية وشفافية ، الشيء يقطع الطريق على كل أساليب الحكم الشمولي ، وعلى رأسها الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية .

فإذا أخذنا على سبيل المثال الانقلاب العسكري في الجزائر حين صوت الشعب الجزائري على حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ذي المرجعية الإسلامية ، وهو انقلاب في منتهى الدموية  والشراسة ، لم يحرك الغرب ساكنا لأن مصالحه اقتضت أن تكون السلطة بيد العسكريين الذين لا زلوا إلى يومنا هذا مستبدين بالسلطة ، ويذرون الرماد في عيون الشعب من خلال  انتخابية صورية أوعبارة عن مسرحيات انتخابية هزلية للتمويه على الاستبداد العسكري الذي حكم الجزائر منذ استقلالها . ولقد ظل العسكر في الجزائر بعد استقلالها يحكم من خلال استغلال ثورة الشعب ضد المحتل الفرنسي ، ويختزل هذه الثورة في حزب سياسي هو حزب جبهة التحرير الذي تحول إلى حزب دكتاتوري مستبد بالسلطة ،ولما أجريت أول انتخابات نزيهة ، وفاز بها حزب ذي مرجيعة إسلامية عكس إرادة الشعب الجزائر المسلم المعتز بإسلامه أيما اعتزاز ، وهو الذي واجه الاحتلال الفرنسي باسم الإسلام وباسم الجهاد في سبيل الله عز وجل ، و الذي لم يقبل بعد استقلاله الإيديولوجية الاشتراكية التي أراد العسكر فرضها عليه بالقوة ، وقد عانى منها الكثير، وظل يعيش  بسببها في بؤس مع أن أرضه غنية بثروات النفط والغاز .

وعندما لم تعد ذريعة  استغلال حرب التحرير والاتجار بها تجدي مع الشعب الجزائري ، اختلق العسكر في الجزائر ذريعة أخرى لتمديد فترة استبداده بالسلطة وهي ما يسمى بمساندة شعب صحراوي  وهمي يريد خلقه فوق صحراء المغرب المشهود لها تاريخيا بأنها جزء لا يتجزأ منه . وظل العسكر في الجزائر يرتزق بقضية الصحراء المغربية لعقود من أجل تبرير تبذيره ثروات الشعب الجزائري الذي عانى الكثير خلال قرن من الزمن تحت حكم الاحتلال الفرنسي البغيض وكان يحلم بحياة كريمة بعد استقلاله لكنه ابتلي بشرذمة من العسكر حالوا دون تحقيق حلمه ، ولا زال إلى يومنا هذا يعاني من حياة البؤس وغلاء المعيشة  وسوئها ، ولا زال محروما من اختيار من يحكمه بكل حرية من خلال انتخابات نزيه لا دخل فيها للعسكر  .

ولا زال العسكر في الجزائر يعيدون المسرحيات الهزلية لانتخابات صورية لا علاقة لها  بالديمقراطية ، و التي لا تعدو ذر الرماد في عيون شعب كريم أصيل  يستحق أن ينعم بديمقراطية حقيقية .

ومن المؤسف جدا أن يستخف النظام العسكري  بالشعب الجزائري من خلال إيهامه  أن شقيقه الشعب المغربي عدو له لمجرد أنه متشبث بوحدته الترابية ، وبسيادته على صحرائه التي كانت محتلة من طرف المحتل الإسباني والذي كان يحتل  أيضا جزءا من شماله بينما كان المحتل الفرنسي يحتل باقي ربوعه . ولم تكن الصحراء المغربية أبدا وطنا لغير المغاربة عبر التاريخ . وهذا المشكل الذي اختلقه النظام العسكري لشغل الشعب الجزائري عن وضعه المزري تحت سلطة استبداده قد عطل من جهة نهضة هذا الشعب ، ومن جهة أخرى عطل مشروع وحدة الشعوب المغاربية الذي من شأنه أن يحقق نهضة حقيقة كبرى  تلحق شعوب هذه المنطقة  المنطقة بالركب الحضاري لشعوب دول متقدمة .

وشبيه بالنظام العسكري المستبد في الجزائر النظام الانقلابي في مصر الذي يحاول إيهام الشعب المصري بأنه انقلب على الشرعية والديمقراطية لتخليصه مما يزعم أنه خطر إسلامي وإرهابي ،علما بأن حال هذا الشعب المسكين قد ازداد سوء عما كان عليه وضعه قبل ثورة يناير التي علق عليها آمالا عريضة سرعان ما  تبخرت بسبب كابوس الانقلاب العسكري الدموي .

وأخيرا نختم بالقول أنه على دول العالم التي أدانت الانقلاب العسكري في ميانمار وعلى رأسها الدول الغربية أن تراجع موقفها من انقلابات  سابقة سكتت عليها كانقلاب الجزائر، وانقلاب مصر إذا كانت تحرص على مصداقيتها وإلا لم تعد لها مصداقية ، ولا يمكنها أن تدعي رعاية الديمقراطية  في العالم  والدفاع عنها ، وهي تقر الديكتاتورية العسكرية على استبدادها  حرصا على مصالحها دون مراعاة مصالح شعوب تعاني الويلات من هذه الديكتاتوريات المقيتة . 

وسوم: العدد 914