الدعوة إلى تأسيس مجلس عسكري يعني مزيداً من الدماء والتخلف والتجزؤ

sfhfgjfd916.jpg

 

العسكر دمروا سورية وهم الأداة التي يحركها الغرب لامتطاء عجلة الحياة في سورية على مدى اثنين وسبعين سنة عجاف (1949-2021)، حيث توقفت عجلة الحياة في سورية عند المستوى صفر وما دون، تجرع خلالها الشعب السوري مرّ الحياة وعلقم العيش، مسلوب الحرية ومغتصب الكرامة، إلى أن انتفض انتفاضة مضرية للانعتاق من هذا الكابوس، الذي جسم على صدورهم لهذا الكم من السنين الظلامية، في جو من العبودية وتكميم الأفواه والسجون والمعتقلات والمقابر الجماعية، والإبعاد والتهجير والنزوح التي لم يرو التاريخ مثيلاً لها.

فلم يمض على خروج المستعمر الفرنسي من سورية ثلاث سنوات، حتى انقض فجر يوم 30 آذار 1949 على الحكم وسدته‏ (الزعيم حسني الزعيم)، الضابط الأرعن السفيه، الفاقد لكل ضمير أو حياء، الفاسد المتغطرس، الذي أعماه جنون العظمة، وظن نفسه الحاكم الأوحد لا يشاركه في الحكم أحد، ثم كان انقلاب (العقيد سامي الحناوي) بعد ما يزيد على خمسة أشهر من نفس العام فجر يوم 14 آب 1949، ليعيد الأمور إلى نصابها ويسحب عسكره إلى معسكراتها وثكناتها، ولم يكد يستبشر الشعب بالخير إلا وانقض (العقيد أديب الشيشكلي) في نفس العام في 19 كانون الأول 1949 على الحكم بعد أقل من ثلاثة أشهر، ويصنع حكومة مدنية على هواه، ولم ينسجم معها رغم كل التنازلات، فانقض على الحكم ثانية يوم 2 كانون الثاني عام 1951، ليعطل الحياة السياسية والحزبية في البلاد ويعطل الصحافة، وينشئ حزباً خاصاً به، ويفرض نفسه رئيساً للبلاد في انتخابات صورية مزيفة، وما لبث أن انتفض عليه الجيش نفسه في 25 شباط عام 1954، ولتعود الحياة إلى طبيعتها ويتسلم المدنيين مقاليد الحكم، وبدأت عجلة الحياة تسير إلى الأمام، وينعم الشعب بحريته وكرامته في إطار العدالة الاجتماعية.

ولكن العسكر الذين وجدوا أنفسهم خارج دائرة الحكم، وقد استمرأوا المكاسب والمغانم التي نعموا بها عند تسلمهم الحكم، أبوا أن يتركوا البلاد بعيدة عن شرورهم، وراحوا يكيدون للحكم المدني للإطاحة بهم، ولكن تحت يافطة الوحدة مع مصر، والتذرع بدعاوي الاعتداءات الصهيونية على الأراضي السورية، وفي ليل بهيم طار مجموعة من الضباط - دون إعلام رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطياً وعبر صناديق الاقتراع- طاروا إلى القاهرة ليبايعوا الرئيس جمال عبد الناصر على الوحدة الاندماجية وفق الشروط التي يريدها عبد الناصر (حل الأحزاب، وتأميم الصحافة، وابعاد الجيش عن العمل السياسي)، وحمل هؤلاء العصاة بيان الوحدة الذي وقعوه مع عبد الناصر إلى القصر الجمهوري، ليفرضوا على الرئيس شكري القوتلي توقيعه، ومن ثم حملوه والحكومة السورية إلى القاهرة لإعلان الوحدة في 14 كانون الثاني 1958، وهذا ما كان، لتدخل سورية الحرة الكريمة في ظل نفق العبودية لعبد الناصر ورفاقه العسكر، ومضت نحو ثلاث سنوات ظلامية عرف الشعب السوري المباحث العسكرية وأمن الدولة، وذاقوا مرارة العيش خلالها، حتى جاء الانقلاب الذي قاده عبد الكريم النحلاوي في 28 أيلول 1962، وجرت الانتخابات النيابية والرئاسية كما جرت عليه العادة في ظل الحكم المدني، ولكن المرضى والمهوسين بالحكم دبروا انقلاب الثامن من آذار عام 1963، وبدأت سلسلة المآسي التي يدفع ثمنها الشعب السوري هذه الأيام، وفي 23 شباط من عام 1966 نفذ الضباط القطريون لحزب البعث انقلاباً على أمين الحافظ والقيادة القومية لحزب البعث الحاكم، بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد وسليم حاطوم، وقادوا عجلة الحكم إلى حافة الهاوية، حيث كانت هزيمة الخامس من حزيران وتسليم وزير الدفاع حافظ الأسد مرتفعات الجولان للعدو الصهيوني دون دفع أو مدافعة، ولما عرف هذا الجبان أن رفاقه سيقومون بمحاكمته، انقض عليهم يوم 16 تشرين الثاني 1970، وانفرد بالحكم ليحول سورية إلى بلد معادي للعرب والمسلمين، ويجعلها مزرعة له ولأولاده وأبناء طائفته، ومن ثم يورثها لأبنه البهلول بشار الأسد بعد موته عام 2000، وما حدث ويحدث الآن الكل يعرفه.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد استعراض كل ما فعله العسكر بسورية والسوريين: هل سورية بحاجة فعلاً إلى مجلس عسكري يحكم البلاد إلى جانب قوة النظام العسكرية؟

باعتقادي أنه يجب الرجوع إلى الشعب السوري فهو المرجعية لهذه الخيارات وهو صاحب القرار، وعليه فإن أي خيار يستبعد السوريين من تقرير مصيرهم هو خيار مرفوض، حتى وإن جاء برغبة من الدول الكبرى الفاعلة، وقد قدم الشعب السوري التضحيات الجسام، التي لم يسبقه إليها أي شعب في العالم، ولا بد له من أن يحصد ثمار ما قدم، وأقلها محاسبة كل من تلطخت أياديه بدمائهم، وفي مقدمتهم مجرم الحرب بشار الأسد وكل شبيحته الذين شاركوه في جرائمه، وخروج المستعمر الإيراني وميليشياته الرافضية من كافة الأراضي والمدن والأرياف التي دنستها أقدام ذئابه وضباعه، وكذلك خروج المستعمر الروسي بكل آلته العسكرية ومرتزقته، وإلغاء كل الاتفاقيات التي أبرمها الإيرانيون والروس مع بشار الأسد الفاقد للشرعية.

أخيراً فإن المرجعية الوحيدة التي يمكن أن يتعامل معها الشعب السوري، هي ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالسيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية، وكذلك القرار ‏الدولي 2254 وملحقاته في الحل السياسي، حيث لا يستهدف المشروع بناء حكم عسكري في سورية؛ ‏وانما يستهدف وضع أدوات عملية سورية لتنفيذ القرار 2254 بكافة بنوده، والتعهد دولياً ومحلياً ‏بتنفيذ بنود القرار 2254.‏

المصدر

*القدس العربي-13/2/2021

*الحرة-10/2/2021

*أورينت-10/2/2021

*الدرر الشامية-12/2/2021

وسوم: العدد 916