تصريحات دحلان وصمت حماس

جملة إشارات مهمة جاءت على لسان القيادي المنشق والمفصول من حركة فتح محمد دحلان، في المقابلة التي أجرتها معه قناة «العربية» قبل أيام، خاصة أن هذه الإشارات تأتي قبيل الانتخابات العامة، المقرر أن تشهدها السلطة الفلسطينية، لكن الأغرب من تصريحات دحلان، التزام حماس حتى الآن الصمت الكامل، إزاء ما يُحكى عن علاقة التحالف الصامتة بينها وبين الرجل، الذي كان حتى الأمس القريب ألد أعداء الحركة.

تصريحات دحلان تأتي في أعقاب عودة العشرات من أنصاره، وأبناء تياره إلى قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن فتحت لهم حركة حماس الأبواب وأوقفت ملاحقتهم، وأوقفت تنفيذ أي أحكام قضائية صادرة بحقهم، ما أثار عاصفة من الأسئلة والتكهنات مع التزام حركة حماس الصمت، ومع عدم وجود أي تفسير منطقي للحراك المحموم، الذي يشهده القطاع بالتزامن مع الاستعدادات لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية (علما أن بعض قادة حماس يقولون إن العودة تمت بناء على المصالحات المجتمعية، لكن هذه المصالحات حدثت منذ سنوات وليست حديثة حتى يعودوا بموجبها الآن).

ما جاء على لسان دحلان يشير إلى أن ثمة مشروعا يجري الإعداد له لتغيير الوضع في الأراضي الفلسطينية، وأغلب الظن أن دحلان وتياره، جزء من هذا المشروع، كما أن دولاً عربية وقوى إقليمية يبدو أنها ضالعة في الترتيب لما يجري، وهو الأمر الذي سبق أن نشرته وسائل إعلام بريطانية قبل سنوات من الآن، كما سبق أن كشفه السفير الأمريكي لدى تل أبيب ديفيد فريدمان أواخر العام الماضي. أما الإشارات المهمة التي وردت في مقابلة دحلان فيمكن القول إن أبرزها ما يلي:

أولاً: أشاد دحلان بحركة حماس، ولم ينف وجود اتفاق مع الحركة، مكتفيا بتسمية ما بينه وبين حماس بأنه «تفاهمات» وحاول تطويق المصالحة التي تمت بينه وبين حماس بالقول إنها «بين عائلات القتلى من الجانبين، الذين سقطوا خلال شهور الاقتتال» أي في النصف الأول من عام 2007، واللافت أيضاً أنه كشف أن هذه المصالحة تم تمويلها من دولة الإمارات، التي قال إنها «دفعت الديات للجانبين بمن فيهم عائلات قتلى حركة حماس».

حديث دحلان الأخير يؤكد أن الانتخابات المقبلة ستجري استجابة لضغوط دولية وتم استدراج حركة حماس إليها

ثانياً: لم ينف دحلان نيته الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية، وترك الباب مفتوحاً، زاعماً أن القرار سيكون للمؤسسات التي شكلها في تنظيمه، الذي خرج من رحم حركة فتح، وهو الأمر الذي يؤكد صحة «زلة لسان ديفيد فريدمان» عندما قال لجريدة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية العام الماضي، إن الولايات المتحدة تريد أن يكون دحلان هو الرئيس القادم بديلا لعباس، كما أن هذا يُرجح أيضاً صحة ما نشره موقع «ميدل إيست آي» البريطاني عام 2016 بأن لدى ثلاث دول عربية خطة للإطاحة بعباس وتنصيب دحلان بدلاً منه.

ثالثاً: دحلان اعترف بشكل واضح ومباشر بأنه أمضى السنوات العشر الماضية وهو يعد العدة للعودة بقوة الى المشهد السياسي الفلسطيني، وقال بوضوح في المقابلة، إن «لديه تنظيما سوف يتفاخر به الجميع بعد رحيل عباس» وهو ما يعني بوضوح أنه يعد العدة لخلافة عباس تنظيمياً وسياسياً.

رابعاً: أشار دحلان إلى أنه طوال السنوات العشر الماضية، كان يُغدق المساعدات على الفلسطينيين، وأن قطاع غزة هو الذي استفاد من مساعداته التي لم يُتح له أن يرسلها إلى الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه، فإنه يؤكد أن «استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات سوف تشكل مفاجأة» ما يعني بكل وضوح أنه استفاد سياسياً من المساعدات الإنسانية التي أتيح له أن يُغرق بها قطاع غزة، وأنه استفاد من «التفاهمات» التي بينه وبين حركة حماس، وأن قاعدته الشعبية أكبر بكثير مما يظن الآخرون.

والخلاصة، أن حديث دحلان الأخير يؤكد صحة التحليلات السابقة التي ذهب إليها الكثيرون (ومن بينهم كاتب هذا المقال) عن أن الانتخابات المقبلة ستجري استجابة لضغوط دولية وتم استدراج حركة حماس إليها، وهي ليست سوى جزء من مشروع لتغيير الوضع القائم، وسيكون دحلان وتياره المنشق عن حركة فتح هو الوحيد المستفيد منها. لكن الأدعى للدهشة والاستغراب في كل ما يجري، هو الصمت المطبق لحركة حماس وعدم الإفصاح عن تفاصيل «التفاهمات» التي بينها وبين دحلان للرأي العام الفلسطيني.

وسوم: العدد 921