خراف عيد الأضحى تبلل أصوافها بالماء ويذر فوقها تراب أحمر اللون للإيهام

خراف عيد الأضحى تبلل أصوافها بالماء ويذر فوقها تراب أحمر اللون للإيهام بأنها جلبت من جهة معروفة بجودة ماشيتها  

لقد رحل عن الناس زمن جميل كان فيه كل شيء جميل  بالمحافظة على طبيعته وأصالته، وحل محله زمن رديء صار فيه كل شيء رديئا بتعمد الناس تغيير طبيعته  وأصالته.

مررت يوم أمس عبر طريق دائري شرق مدينة الألفية الحدودية حيث تعرض عادة خراف عيد الأضحى كل سنة ، فعاينت خرافا قد كسيت أصوافها تربة حمراء بطريقة مبالغ فيها تدل على فعل فاعل ، وتذكرت ما أخبرني به ذات يوم أحد مربي الماشية ممن يخشون ربهم حيث جلب خرافا من البلد الجار بيضاء اللون  وهو نوع لا يرغب  الناس عادة في اقتنائه ، ويفضلون عليه ماشية منطقة "الظهرة " في الجنوب الشرقي للبلاد  لجودة لحومها بسبب جودة مراتعها ، ولمّا كسد سوقها أشار عليه شريك له برش أصوافها بماء وذر تراب أحمر عليها لإيهام الناس بأن مصدرها " الظهرة " إلا أنه أبى وطلب منه أن يرد له الثمن الذي ساهم به في شرائها ، وانصرف عنه لأنه استحضر مخافة الله عز وجل ،  وأن تلك الخراف هي أضاحي يتقرب بها إلى الله عز وجل، ولا يجوز أن يتقرب إليه بما يلابسه غش وتدليس لأنه سبحانه وتعالى طيّب لا يقبل إلا طيبا .

ومع أن هذا المربي رجل بسيط لا علم له بدين، فإني وجدته يتحرى الحلال في كسب قوته من خلال تربية الماشية وتسويقها دون أن يغيب عنه أنها جزء من الدين لا تنفك عنه ، وليست مجرد ذبائح كغيرها من الذبائح .

ولقد كنت  قبل أن يخبرني هذا "الكسّاب "  أظن أن الخراف التي تأخذ أصوافها لون العجاج يكون مصدرها " الظهرة "  لا غير ، وما طاف بذهني أن مربي الماشية عندنا قد تغيّر حالهم هم أيضا عن حال من كانوا قبلهم في الزمن الجميل ، وصاروا يتعاملون بتعامل الزمن الرديء الذي أصابت رداءته كل شيء بما في ذلك الإنسان .

ولا يقتصر الغش والتدليس في تسويق أضاحي العيد على ذر التربة على أصوافها المبللة بماء بل لا يسلم علفها أيضا من الغش والتدليس حيث يقدم لها عوض المألوف من شعير وبرسيم أنواعا من العلف الموبوء لتسمينها سمنة مضرة بصحة من يصيب من لحومها ، فضلا عن تقديم  ما يفضل على الناس من خبز يابس مخمر لها، وحتى زبالة القمامات  . ومع كل هذه الأنواع من الغش والتدليس يقسم باعتها بالله العظيم كذبا أنها قد سمنت بعلف جيد وطيّب ليزدادوا إثما على إثم  التدليس والغش.

وبالرغم من أن الوزارة المكلفة بشأن الماشية تفرض على من يربونها الفحوص البيطرية، وتشترط تعليق علاماتهم على آذانها إلا أن كثيرا منها لا يخضع لفحص ولا يحمل علامة ، ولا تجرى عليها  تحليلات بيطرية للكشف عن طبيعة ما يقدم لها من علف بل يقتصر الفحص البيطري  عادة على الكشف عما يظهر عليها من علامات تدل على  بعض عللها الظاهرة إذا ما قد لهذا الفحص أن يتم وفق المعايير المعمول بها أو لم يشبه ما يشوب كل شيء في هذا الزمن الرديء أجارنا الله تعالى من رداءته . ومن رداءته أن يغالي مربو الماشية في أثمانها من جهة ، ومن جهة أخرى يبالغ من يبتاعونها في بخسها ، والجميع لا يستحضرون أنها أضاحي تقدم لله تعالى وأن عدد الحسنات التي تحصل بها بعشرة أضعاف عدد أصوافها و أشعارها وأوبارها  ، علما بأن الله تعالى لا يقبل منها إلا ما طاب كسبا وعلفا وثمنا ، مع شرط سبق كل ذلك نية صادقة بالتقرب بها إليه جل وعلا مع طيب نفس بها  وعدم تبرم من أداء ثمنها باستكثاره مقابل ما جعل فيها الله عز وجل من أجر عظيم .ولقد صار الناس في هذا الزمن الرديء يصرفون بسخاء على أمور دنياهم بما فيها الأمور العابثة ولكنهم في المقابل يتذمرون من أثمان الأضاحي ، ويستكثرونها دون الالتفات إلى كثرة أجورها عند الله عز وجل وهي أجور لا تقدر بثمن عند الأكياس العقلاء الذين ملأ الله تعالى قلوبهم إيمانا وتقوى.

ومع كل ما طرأ من تصرفات مفسدة لعبادة النحر مما ذكر أعلاه  وغيره مما خفي وكان أعظم ، فإن معظم منابر الجمعة تقتصر على سرد عيوب الأضاحي التي لا تجعلها صالحة للنحر دون ذكر ما يلابسها من  عيوب الغش والتدليس  في شكلها، و في علفها ، وفي ثمنها ... مما صار شائعا في هذا الزمن الرديء بكل المقاييس دون تحذير الناس من  كل ذلك ، ومن  المغامرة بضياع فرصة  إصابة الأجر المنشود من وراء  التقرب بها إلى الله عز وجل حيث تصير مجرد لحوم تؤكل دون أجر و ثواب .

اللهم إنا نبرأ إليك من رداءة زماننا وما جعلناه كذلك إلا نحن  بسبب سوء فعالنا ، ونسألك العافية من سوءه وشره ، ونسألك أن تعيد علينا الزمن الجميل ، وتلهمنا فيه صالح الأعمال التي ترد له جماله .

وسوم: العدد 936