32 عام على إنعقاد آخر مؤتمر وطني عام للاتحاد العام لطلبة فلسطين

مؤسسة عريقة.. في درج النسيان، فمتى يفك أسرها؟

سكرتير عام اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني (أشد)

في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1959 ، أعلن عن ولادة وتأسيس أول اتحاد ومؤسسة وطنية طلابية فلسطينية جامعة، حملت إسم الاتحاد العام لطلبة فلسطين، والذي جاء تتويجاً لمسار نضالي امتد منذ النكبة الكبرى في العام 1948، وما تبعها من محاولات وجهود ومبادرات فلسطينية لتحشيد الطاقات والتعبئة من أجل تحرير فلسطين من خلال بناء الأطر والهياكل المنظمة لتأطير صفوف الشباب الفلسطيني وزجه في معركة التحرير والعودة.

وعلى هذه الأرضية شكل الاتحاد العام لطلبة فلسطين، إحدى أهم المؤسسات والمنظمات الشعبية الفلسطينية المنضوية بإطار منظمة التحرير الفلسطينية، حيث لعب الاتحاد دوراً كبيرا وهاماً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وشكل الركيزة الأساسية لانطلاق الحركة الوطنية الفلسطينية وفصائلها المتعددة، وتبوأت قياداته المواقع الأولى والرئيسية في عموم الفصائل الوطنية وحركات المقاومة. كما ساهم الاتحاد عبر فروعه الخارجية المنتشرة في العديد من دول العالم كما من خلال عضويته في الاتحادات الشبابية والطلابية العالمية في شرح القضية الفلسطينية ونقل صورة ومعاناة شعبنا الفلسطيني إلى الرأي العام العالمي من خلال مشاركاته المتعددة في الفعاليات الدولية والعربية والإقليمية. هذا إلى جانب دوره النقابي في الدفاع عن قضايا الطلبة كما في دوره المتقدم ومشاركته الفاعلة في الثورة الفلسطينية والدفاع عنها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية.

ورغم الظروف التي عاشتها الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية في مرحلة السبعينيات والثمانينات والحروب التي شنت عليها، لكنه يسجل للاتحاد محافظته على الحياة الديمقراطية واستمراره في عقد مؤتمراته الوطنية ومؤتمرات فروعه التي وصلت لأكثر من 45 فرعاً في العديد من دول العالم. إلا ان هذا الالتزام الديمقراطي للاتحاد العام لطلبة فلسطين قد تعطل بشكل كامل منذ المؤتمر الوطني العام العاشر الذي انعقد في العراق عام 1990، وانتخب هيئة إدارية ومجلساً تنفيذياً استمر بعمله لغاية عام 1998، ثم أعيد ترميمه بعدما تعالت الأصوات المطالبة بعقد المؤتمر والتجديد في هيئات الاتحاد وبنيته، فتم عقد جلسة خاصة في قطاع غزة للمجلس الإداري كونه السلطة الأعلى في ظل غياب المؤتمر العام، وحضره الرئيس الشهيد ياسر عرفات وعدد من قادة المنظمة، وجرى إعادة ترميم المجلس الإداري بإدخال أعضاء جدد وانتخبت هيئة تنفيذية جديدة أوكلت إليها مهمة رئيسية وهي التحضير لعقد المؤتمر الوطني العام الحادي عشر للاتحاد. لكنها تعطلت ولم تتمكن حتى يومنا هذا من وضع الخطط والآليات الكفيلة لانتشال هذه المؤسسة العريقة من حالة الموت السريري التي تعيشها منذ عدة عقود. وما زال طلابنا الفلسطينيون في مختلف أنحاء العالم ينتظرون ساعة الإفراج عن مؤسستهم واتحادهم..

واليوم وبعد 32 عاماً على انعقاد آخر مؤتمر للاتحاد، ألا تستحق الحركة الطلابية وشريحة الطلبة والتحديات التي تعيشها قضيتنا الوطنية الفلسطينية والمشكلات المتعددة والمتفاقمة لطلابنا أن يكون لهم إطاراً وطنياً حاضناً لهمومهم ومشكلاتهم وراعياً لدورهم ونضالاتهم الوطنية والسياسية والنقابية؟.

إن استمرار تعطيل الحياة الديمقراطية في الاتحاد وغياب الرأس القيادي وانعزاله عن الفروع في البلدان المتعددة يساهم بشكل كبير في تراجع دور الحركة الطلابية ويحول القائم منها الى أطر سياسية أكثر منها أطرا نقابية تستند لرؤية وخطط عمل متكاملة تحاكي هموم وقضايا الطلبة على كافة الصعد، مع تسجيلنا الايجابي للمبادرات المحلية للطلبة والأطر الطلابية الفلسطينية في م ت ف في العديد من البلدان التي استشعر فيها الطلاب الفلسطينيون قيمة وأهمية وجود الاتحاد وبادروا لإعادة إحيائه بمعزل عن أي دور أو متابعة من قبل الهيئة التنفيذية، فيما بقيت العديد من الفروع تعيش واقعاً من الجمود والانفلاش وغياب الحياة الديمقراطية وتفتقد للبرنامج الذي يلبي حاجات الطلبة ويؤطر صفوفهم.

كما يسجل في هذا السياق فقدان الحركة الطلابية الفلسطينية للكثير من علاقاتها الدولية والإقليمية وحتى العربية، إلى جانب تراجع فعلها وموقعها التمثيلي في الكثير من الاتحادات العالمية بسبب غياب إطارها القيادي الأول، مما أفقدها الكثير من المواقع والأدوار القيادية في العديد من المحطات والفعاليات الدولية وبالتالي خسرت فلسطين صوت طلابها في هذه المحافل المفترض أن تكون منبراً وفرصة لنقل قضية شعبنا للعالم وشبابه وطلابه.

إن الواقع الذي يعيشه الاتحاد العام لطلبة فلسطين يتناقض ويتعاكس كلياً مع قرارات المجالس الوطنية والمركزية للمنظمة التي انعقدت في السنوات الأخيرة ودعت وأقرت في توصياتها بإعادة ترتيب أوضاع الاتحادات الشعبية وعقد مؤتمراتها، إلا أن هذه التوصيات بقيت أسيرة سياسة التهميش واللامبالاة، ولم تشق طريقها للتطبيق لغاية اليوم بسبب غياب الجدية وسياسة الإهمال تجاه تنظيم صفوف الحركة الشعبية والجماهيرية لأسباب سياسية وأخرى فئوية.

هذا الموضوع طرح لأكثر من مرة في الإجتماعات مع العديد من الإخوة الذين تسلموا دائرة العمل والتنظيم الشعبي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وآخرهم الدكتور واصل ابو يوسف، الذي أبدى رغبة شديدة للعمل من أجل إعادة تفعيل هذا الاتحاد وعقد مؤتمر العام.. لكن هذه الرغبة الصادقة لم تشق طريقها بعد .. ولم تترجم بآليات عمل وخطة زمنية محددة وملزمة ومتفق عليها من أجل فك أسر هذه المؤسسة بسبب غياب الإرادة الحقيقية والجادة لدى قيادة المنظمة لتفعيل وتطوير مؤسساتنا الوطنية إلى جانب غياب الرؤية الاستراتيجية... واستمرار عقلية التعاطي الاستخدامي مع تلك المؤسسات التي بات يشكل استمرار تعطلها وشللها وتراجع دورها خطراً حقيقياً يهدد النضال والمشروع الوطني الفلسطيني الذي تشكل هذه البنى الوطنية والمؤسساتية أحد روافعه الهامة والضرورية لما لها من دور في تأطير وتحشيد كل الطاقات الوطنية الفلسطينية في الوطن الشتات وتسخير كل قدراتها في خدمة الشعب والثورة والقضية والنضال الوطني لانجاز حقوقنا المشروعة، الى جانب دورها في تعزيز صمود شعبنا من خلال الدور النقابي والاجتماعي الذي ينبغي أن تؤذيه دفاعا عن حقوق ومصالح الفئات والقطاعات الاجتماعية التي تمثلها..

إن أي حديث عن تفعيل مشاركة الشباب والطلبة الفلسطينيين في الحياة السياسية والوطنية لا يمكن أن يستقيم أو يأخذ مجراه الصحيح في ظل التعاطي مع المؤسسات الوطنية بهذه الطريقة وبهذه السياسة، حيث لا إمكانية لنهوض الحركة الطلابية الفلسطينية بدون استنهاض دور مؤسستها واتحادها الأم. وهذه قضية باتت تشكل حاجة وضرورة وطنية ومصلحة طلابية، حيث هناك عشرات الآلاف من الطلبة الفلسطينيين الملتحقين في جامعات العالم وهؤلاء ثروة وطنية كبرى ينبغي إستثمارها بما يخدم قضيتنا وحقوقنا الوطنية، كما أن هناك الآلاف من الطلبة في جامعات الدول المضيفة لديهم مشكلات كبرى، يضاف إليهم عشرات آلاف الطلبة الملتحقين في جامعات الوطن التي يفتقد العديد منها للأطر الطلابية النقابية بسبب تعثر انتخابات مجالس الطلبة في العديد منها سواء بسبب الاحتلال أو بسبب الانقسام الفلسطيني.

كل ذلك يجعلنا نرفع الصوت لكل الجهات المسؤولة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ودائرة العمل والتنظيم الشعبي .. بأن يبادروا لفتح هذا الملف المنسي الذي لم يعد يحتمل المماطلة والانتظار..، ويكفي ما ضاع من سنوات طويلة حرم فيها طلابنا من بيتهم الوطني ومؤسستهم الجامعة، وترك طلابنا عرضة للعديد من المخاطر والتحديات التي هددت مستقبلهم ووجودهم المنظم، وأضعفت مشاركتهم في النضال الوطني الفلسطيني التحرري.

فهل تسمع هذه النداءات من قبل الجهات المسؤولة والدوائر المختصة؟؟ ويتم العمل لتشكيل لجنة تحضيرية جديدة تلتزم بعقد المؤتمر ضمن سقف زمني محدد؟. صرخة تتوالى فصولها في كل ساحات العمل والانتشار الطلابي الفلسطيني الذي ينادي منذ سنوات باتخاذ هذا القرار الوطني الجريئ والمسؤول الذي يفك أسر هذه المؤسسة العريقة ويعيد لها مجدها ودورها في سبيل الوطن والقضية وبناء الأجيال، ويعاد الاعتبار لمؤسسات م ت ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ...

وسوم: العدد 1008