فلسطين في الربع الأول من 2024: حداد ثقافي على الإبادة

السبيل

 شُلت الحياة الثقافية في فلسطين في الربع الأول من العام الجاري 2024، بِفِعل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول الماضي.

ووفقا للنشرة الثقافية لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) ضمن الملف الثقافي لاتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا)، استحوذ العدوان على المناسبات الثقافية القليلة جدًا التي أقيمت داخل الوطن، وتوقفت المؤتمرات والنشاطات والندوات الثقافية التي تقام في بداية كل عام أو نهايته، فيما نشطت المناسبات التي استحضرت فلسطين، أدبًا وتاريخًا وثقافةً ونضالاً، في عدد من الدول العربية والغربية كمعرضي العراق ومسقط الدوليين للكتاب، اللذين خصصا ندوات فكرية وثقافية حول القضية الفلسطينية.

* استشهاد 44 كاتبًا وفنانًا وناشطًا في حقل الثقافة

وطال عدوان الاحتلال، القطاعات جميعها، بما فيها الثقافي، وخسرت الثقافة الفلسطينية 44 كاتبًا وفنانًا وناشطًا في حقل الثقافة استُشهدوا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العدوان، بحسب التقرير الشهري الرابع لوزارة الثقافة الفلسطينية، الصادر منتصف شباط الماضي.

وذكر التقرير أن 32 مؤسسة ومركزًا ومسرحًا دمرت إما بشكل جزئي أو كامل جراء القصف، إضافة إلى تضرر 12 متحفًا و2100 ثوب قديم وقطع تطريز من المقتنيات الموجودة في المتاحف أو ضمن المجموعات الشخصية، و 9 مكتبات عامة، و 8 دور نشر ومطابع.

وهدمت آليات الاحتلال الإسرائيلي نحو 195 مبنىً تاريخيًّا يقع أغلبها في مدينة غزة، بشكل جزئي أو كامل، ومنها ما يُستخدم كمراكز ثقافية ومؤسسات مجتمعية، بجانب تضرر 9 مواقع تراثية و10 مساجد وكنائس تاريخية تشكل جزءًا من ذاكرة القطاع.

وتعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تدمير الميادين العامة وهدم النصب والأعمال الفنية فيها، إلى جانب تدمير 27 جدارية فنية في الأماكن العامة وعلى طول شاطئ بحر مدينة غزة.

 *فعاليات ثقافية نصرة لغزة

وفي شباط الماضي، افتتح المتحف الفلسطيني في بلدة بيرزيت شمال رام الله، تظاهرة فنية نصرة لغزة، تضمنت 3 معارض فنية، وهي: "هذا ليس معرضًا" جمعت فيه أعمال ما يزيد على 100 فنان غزي، وآخر للفنان تيسير بركات بعنوان "المفقودون"، وثالث بعنوان: "نساء غزة" سلط الضوء على قطع تراثية من المنجز الشعبي لمناطق غزة المختلفة.

و"هذا ليس معرضًا" جمع 286 عملًا فنيًا لما يزيد على 100 فنان غزي من بيوت الضفة الغربية، وصالات العرض والمؤسسات والجامعات على امتداد فلسطين التاريخية.

وفي السابع من الشهر ذاته، افتتحت وزارة الثقافة، معرض الفن التشكيلي "مئة لوحة من غزة"، في قاعة الجليل بمتحف محمود درويش في مدينة رام الله، وضم لوحات لثلاثين مشاركًا من فناني قطاع غزة، إلى جانب لوحة للفنانة هبة زقوت التي استُشهدت في العدوان الإسرائيلي.

وعرضت اللوحات موضوعات متنوعة عن الحياة في قطاع غزة من رسم المكان وتجسيد العلاقة بالطبيعة، إلى جانب مشاهد من قسوة الحياة في القطاع في ظل الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني خلال السنوات الماضية، كما حضرت القدس بقوة في اللوحات، سواء عبر التكوين الفردي أو ضمن النسق العام لرسم المكان الفلسطيني.

 *غزة تستحوذ على النصيب الأكبر من جوائز دولة فلسطين لعام 2023

أعلنت وزارة الثقافة مساء 22 شباط الماضي، عن أسماء الفائزين بجوائز دولة فلسطين في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، والتي كان لكتاب ومثقفي غزة حصة الأسد منها.

وفي هذا الاطار مٌنحت جائزة فلسطين التّقديريّة عن مجمل الأعمال لكل من: الفنان محمد البكري من أراضي عام 48، والروائي والقاص عمر حمش من قطاع غزة، فيما ذهبت جائزة فلسطين للآداب لكل من: الشاعر عبد الناصر صالح من طولكرم، والروائي طلال أبو شاويش من غزة، كذلك منحت جائزة فلسطين للدراسات الاجتماعيّة والعلوم الإنسانيّة للكاتب الأسير كميل أبو حنيش من نابلس.

وكانت جائزة فلسطين للفنون، من نصيب الفنانين: الخطّاط ساهر الكعبي، والتشكيلي عبد الهادي شلا من غزة وهو مقيم في كندا، فيما ذهبت جائزة فلسطين للمبدعين الشّباب لكل من: الروائي سلمان أسامة أحمد، والسينمائي صبيح زيدان المصري.

وحصل الشاعر الفلسطيني عبد الله عيسى المقيم في روسيا على جائزة "الثقافة الإمبراطورية" باسم إدوارد فولودين عن الشعر لهذا العام، وهي من أرفع الجوائز التي يمنحها اتحاد كتاب روسيا، عن ديوانه "هناك حيث ظلال تئن" الصادر عام 2023 عن دار الأهلية في عمّان.

ويشكّل التراث الثقافي الفلسطيني محور ندوة ثقافية ينظّمها "المتحف الوطني أحمد زبانة" في مدينة وهران الجزائرية، ضمن فعاليات "اليوم العربي للتراث الثقافي" الذي يوافق السابع والعشرين من آذار من كلّ سنة.

 *صدر حديثًا: كتب وإصدارات فلسطينية وعن فلسطين

"الكتابة خلف الخطوط" الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية، كان أحد أبرز الإصدارات الفلسطينية في الربع الأول من العام الجاري، وذلك بمشاركة 25 كاتبا ومثقفا وفنانا غزياً، وثقوا حياتهم وتفاصيل معيشتهم خلال العدوان الجاري.

وصدر عن "الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية" (إيناس) لمجموعة من الباحثات والباحثين العرب، وبتحرير ماريز يونس وجيلالي المستاري، كتابٌ بعنوان: "الحرب على غزّة وسؤال القِيم الإنسانية اليوم"، ويضمّ أوراقاً مكثّفة تنطلق من مداخل مختلفة؛ فلسفية وأخلاقية وسوسيولوجية وأنثروبولوجية وقانونية وسياسية لقراءة العدوان الإسرائيلي الإبادي على غزّة. ومن المشاركين: ساري حنفي، وأباهر السقّا، ومحسن بوعزيزي، ورانيا الغويل، ولينا جزراوي، ونزيهة السعداوي، وكمال مغيث، وأمل الجربي، وروزا محجوب، وأمل عواودة، وماجدة عُمر، ومحمد زهوة.

وعن "منشورات مرفأ"، صدر "كتاب الوصايا: شهادات مُبدعات ومُبدعين من غزّة في مواجهة الموت"، بتقديم ألبيرتو مانغويل وجوديث بتلر، وتحرير ريم غنايم.

كما صدرت النسخة العربية من كتاب "العدالة للبعض: القانون والقضية الفلسطينية"، للباحثة نورا عريقات، عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية"، بترجمة صفاء كنج، وصدر عن منشورات المتوسط، ورواية "المسيح الأندلسي"، للكاتب والباحث السوري الفلسطيني تيسير خلف.

فيما صدر كتاب "أبراج من العاج والفولاذ: كيف تسلب الجامعات الإسرائيلية الحرّية الفلسطينية؟"، للباحثة مايا ويند، عن "منشورات فيرسو"، وضمن مشروع "كلمات حرّة"، وعن "دار طباق" صدر كتابٌ بعنوان "مع فرناندو بيسوا: قراءة نقديّة في كتاب اللّاطمأنينة"، للمعتقل المحكوم بالمؤبد في سجون الاحتلال كميل أبو حنيش.

ووثقت الكاتبة أرمال لابوري، في كتابها "أسير القدس: معتقلٌ سياسي في فلسطين المحتلّة" الصادر عن منشورات "ليبرتاليا" الفرنسية، شهادة الحقوقي الفلسطيني الفرنسي صلاح حموري، الذي أبعده الاحتلال إلى فرنسا في كانون الأوّل 2022، بعد أن قضى أكثر من 10 سنوات في الأسر.

وفي أثينا، صدر كتاب "فلسطين حرّة.. أنطولوجيا من الشعر الفلسطيني"، تقدمه المترجمة والكاتبة اليونانية بيرسا كوموتسي، ويضم قصائد مختارة تقدّم للقارئ اليوناني نماذج من أعمال 4 أجيال مختلفة من الشعراء الفلسطينيين، بدءًا من إبراهيم طوقان، مرورًا بالخمسينيات والسبعينيات والتسعينيات، وصولاً إلى العقد الثاني وأواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ويضم الكتاب قصائد لكل من: فدوى طوقان، توفيق زياد، محمود درويش، مريد البرغوثي، زكريا محمّد، نجوان درويش، إضافة إلى فصل خاص عن شعراء غزة الذين استشهدوا عام 2023، وهم: سليم النفّار، رفعت العرعير، عمر فارس أبو شاويش، هبة أبو ندى، نور الدين حجّاج.

وعن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" صدر الجزء الثاني من كتاب "مفهمة فلسطين الحديثة: نماذج من المعرفة التحرُّرية"، وعن "دار النهضة العربية"، مجموعة شعرية بعنوان: "تستريح الأرض من كلامنا"، للشاعر الغزي مصعب أبو توهة.

وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كتاب "لا سلام لفلسطين– الحرب الطويلة ضد غزة، الاحتلال والمقاومة"، للعالمة السياسية الألمانية هلغى باومغرتن، الحائزة على شهادات عليا في التاريخ والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والصحافة واللغات الإنجليزية واللاتينية والعربية، والتي عالجت في مؤلفاتها قضية فلسطين وصراع الشرق الأوسط والتحولات السياسية في المنطقة العربية، وكانت أطروحتها لنيل الدكتوراة في جامعة برلين الحرة حول نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية وتطورها منذ عام 1948 وحتى عامَي 1967-1968.

وقد صُدِّر كتابها موضوع البحث بهذه الجملة: "في ذكرى ضحايا الحروب الإسرائيلية على غزة - إلى أطفال غزة: من بيت حانون إلى رفح".

 *رحيل غبن والنفار

في صباح 25 شباط الماضي، توفي الفنان فتحي غبن، أحد أعمدة الفن التشكيلي في فلسطين، وأحد مؤسسي جمعية التشكيليين في قطاع غزة، ورابطة التشكيليين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

ولد غبن، في قرية هربيا داخل أراضي الـ1948 في 12 تشرين الثاني 1946، وهي ملاصقة تماما لبيت لاهيا وبالإمكان رؤية أراضيها من هناك، ما أثر عليه طوال فترة حياته، رؤيته لقريته وعدم القدرة على الاقتراب منها.

عاش في مخيم جباليا، واحترف الفن منذ عام 1965، وعمل مدرسا في مدرسة النصر النموذجية الإسلامية في غزة، قبل أن يصبح مستشارًا في وزارة الثقافة، وأطلق عليه بعض النقاد والأصدقاء "فان كوخ غزة"، وحصل على وسام الثقافة والعلوم من الرئيس محمود عباس عام 2015، كما حصل على وسام هيروشيما ووسام اتحاد الجمعيات العالمي بطوكيو، وحاز على لقب "فنان فلسطين" عام 1993، وحاز على وسام "سيف كنعان" من إدارة التوجيه الوطني والسياسي الفلسطيني، وتم تكريمه من ممثل الاتحاد الأوروبي بعد حصوله على جائزة بيت الصحافة التقديرية الفلسطينية لعام 2023.

وقد اعتقل أكثر من مرة بسبب رسوماته، خاصة لوحة "الهوية" التي رسمها عام 1984، وتنبأ فيها باندلاع الانتفاضة عبر مشهد يصور المقلاع ورمي الحجارة، وتم منعه من السفر والاستيلاء على أعماله وملاحقة مقتنيها، كما احترقت معظم لوحاته بعد أن قصف الاحتلال منزله في منطقة النصر غرب غزة، قبل عدة أسابيع.

واستشهد الشاعر والكاتب سليم مصطفى النفار، المولود في غزة في 27 آب 1963، في قصف استهدف منزله في حي النصر بمدينة غزة، مع زوجته وبناته وابنه الوحيد وأخته وزوجها وأولادها، ولا يزال جثمانه تحت الأنقاض حتى إعداد هذا التقرير.

ودرس النفار، الأدب العربي في جامعة تشرين بسوريا، وشكَّل هناك ملتقى "أبو سلمى" السنوي للمبدعين الشباب سنة 1986، حتى عاد إلى غزة مع السلطة الوطنية عام 1994، وساهم في تأسيس جمعية «الإبداع الثقافي» في غـزة سنة 1997، وعمِل مديراً في وزارة الثقافة وكان محرراً أدبياً في مجلة نضال الشعب ومجلة الزيتونة ومجلة الأفق.

وصدر للنفار دواوين شعرية، "تداعيات على شرفة الماء" 1996، و"سور لها" 1997، و"بياض الأسئلة" 2001، و"شرف على ذلك المطر" 2004، و"حالة وطن" 2014، و"الأعمال الشعرية الناجزة" 2016، و"حارس الانتظار" 2021، وفي النثر: "هذا ما أعنيه.. سيرة ذاتية" 2004، و"غزة" 2017، و"فوانيس المخيم" 2018، و"ذاكرة ضيقة على الفرح - سيرة ذاتية" 2020 ، و"ليالي اللاذقية" 2022

وسوم: العدد 1073